هل تشكل المنطقة العربية حركة عدم انحياز جديدة؟

الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله والشيخ محمد بن زايد
الرئيس عبدالفتاح السيسى والملك عبدالله والشيخ محمد بن زايد

أحمد جمال

يدفع الاستقطاب الأمريكي الروسى نحو الحاجة لمزيد من التماسك والترابط العربى فى وجه المتغيرات الدولية والتأثيرات المباشرة للحرب بين موسكو والغرب على أوضاع المنطقة، وهو أمر محل اهتمام لدى القيادات السياسية فى الدول العربية وسمح بوجود تفاهمات وتحالفات عربية - عربية للاتفاق على رؤية استراتيجية موحدة تؤمن مصالح دول المنطقة وتمنع توظيف القوى الإقليمية المتصارعة للمنطقة بشكل يفاقم الصعوبات الأمنية والاقتصادية التى تجابها.

 

عبر اللقاء الثلاثى بين الرئيس عبدالفتاح السيسى والعاهل الأردنى الملك عبدالله الثانى وولى عهد أبو ظبى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، الأسبوع الماضى، عن أن هناك رؤية مشتركة تؤمن بها الأطراف الثلاثة للتعامل مع التطورات الإقليمية، ويأتى امتداداً لتحالف قائم بين مصر والأردن والعراق والسلطة الفلسطينية، ما يؤشر على إمكانية توسيع دائرة التحالفات فى إطار تطوير العمل العربى المشترك.

 

تظهر النتائج المبدئية للحرب الروسية فى جملة من المتغيرات التى يمكن ملامستها فى الوقت الحالي، إذ إنها قادت إلى انعدام الأمن الغذائى العربي، كما أنها ضاعفت الصعوبات الاقتصادية فى العديد من الدول وهو أمر قد تكون له عواقب سلبية فى البلدان الهشة سياسيًا وأمنياً وستكون بحاجة إلى تنسيق عربى لمنع انزلاق تلك الدول إلى مربع العنف والفوضى، وكذلك فإن الحرب أفرزت محاولات حثيثة من أطراف غربية متصارعة لاستقطاب البلدان العربية باتجاهها ضمن لعبة بناء المحاور التى مازالت فى طور التشكيل وقد تكون مقدمة لتهيئة الأجواء الدولية نحو  حرب عالمية بأساليب وأدوات مختلفة عن المعروفة سابقًا.

 

وبالرغم من أن الصراع الدائر حاليًا قد يقود لانشغال إقليمى بتطورات الأوضاع فى المنطقة العربية، لكنه لن يقود بالمثل إلى انسحاب أمريكي أو روسي، بل إن كل طرف فى ظل محاولاته الحثيثة لبناء محاور يعتمد عليها فى الصراع سيكون هناك مزيد من التدخلات التى تخدم مباشرة كل طرف، وهو ما يظهر فى التمسك الروسى بالورقة السورية والاتجاه الأمريكي نحو تعزيز مزيد من الحضور فى منطقة البحر الأحمر، وبالتالى فإن هناك حاجة إلى تكتلات عربية قوية تقف حائلاً أمام أى تهديدات تشكل تعدياً مباشراً على الأمن القومى العربي.

 

وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت تدشين قوة بحرية متعددة الجنسيات تحمل اسم اقوة المهام المشتركةب للقيام فى دوريات فى البحر الأحمر فى ظل تزايد هجمات ميليشيات الحوثى المدعومة إيرانيا لتهديد الملاحة البحرية وسفن الشحن، وبحسب نائب الأميرال براد كوبر قائد الأسطول الأمريكى الخامس فإن القوة الجديدة ستعمل على ضمان وجود قوة وموقف ردع فى البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.

 

ويتوقع العديد من الخبراء الذين استطلعت آخرساعة آراءهم فى هذا التحقيق أن تكون منطقة البحر الأحمر بؤرة ساخنة ومؤثرة فى تطورات الأحداث، إذ إن الولايات المتحدة تعزز حضورها بكافة السبل فى ظل مساع روسية لإيجاد موطأ قدم عبر ضغوطها التى تمارسها على الدولة السودانية لتمرير الاتفاقيات السابقة والتى تقضى بتدشين قاعدة عسكرية بالقرب من ميناء بورتسودان.

 

 كما أن تلك المنطقة تشكل أهمية استراتيجية للمصالح الصينية لأنها تشكل طريق ارتباطها بأوروبا كما أنها معبر مهم للوصول إلى القارة الأفريقية، كما أن بعض الدول المطلة على الساحل سواء عربية أو أفريقية وتشكل بؤرا أمنية رخوة تجعلها محط أنظار قوى عديدة لتعزيز مصالحها.

 

وقال مساعد وزير الخارجية الأسبق، السفير حسن هريدي، إن الدول الثلاث (مصر والأردن والإمارات) لديهم رؤية استراتيجية للأوضاع فى الخليج ومنطقة الشرق الأوسط وكذلك الأوضاع الدولية وأن اللقاء الثلاثى هدف إلى تنسيق المواقف وتبادل وجهات النظر حول الأسلوب الأمثل للتعامل مع المعطيات الجديدة بهدف صيانة المصالح العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية والتعرف على السبل الكفيلة لاستئناف مفاوضات السلام فى أجواء دولية ملبدة بالغيوم.

 

وأضاف أن هناك قناعة عربية بأن الأزمة الأوكرانية الحالية تعد مقدمة لتغييرات كبيرة فى النظام العالمى والعلاقات الدولية، وبالتالى لابد أن يكون هناك إجابات واضحة وحاسمة حول موقف الدول العربية من تلك التغيرات، وبغض النظر عن الاستقطاب الدولى يجب أن تتحرك الدول العربية بصورة جماعية للدفاع عن هويتها وتبلور رؤية خاصة لكيفية تعامل العالم العربى مع التطورات الجديدة.

 

واستعرض القادة الثلاث خلال لقائهم الأخوى فى القاهرة عددا من القضايا وآخر التطورات الإقليمية والدولية وتبادلوا وجهات النظر بشأنها خاصة الحرب فى أوكرانيا وتداعياتها على المستويات الإنسانية والاقتصادية، واعتبروا التحديات والأزمات الحالية، بطبيعتها المعقدة وتداعياتها العابرة للحدود، تتطلب تنسيق الجهود وتعزيز العمل العربى المشترك، وتفعيل التعاون الإقليمى خصوصاً فى أزمات الأمن الغذائى والطاقة.

 

ومن جانبه أشار مصطفى السعيد المحلل السياسى المتخصص فى الشأن العربي، إلى أن حالة التعددية القطبية الحالية أيا كانت نتيجتها فإنه ستفرز عن وضع يشبه “عدم الانحياز” لأن هناك قوة متحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل كامل وأخرى مع روسيا والصين وسيكون هناك قوة شاغرة أو منطقة فارعة ما بين الأقطاب وهو ما يتيح حركة ومرونة لتشكيل تحالفات عربية تعبر عن مصالحها وسيكون أمامها خيارات عديدة مع انزواء ما يمكن تسميته بالاحتكار السياسى الدولى ودون أن يكون هناك ضغوطات دولية فاعلة.

 

وشدد على أن الصراع الأمريكي الروسى دفع الولايات المتحدة لتليين مواقفها مع إيران وتحاول حل الأزمة اليمنية سياسيًا وتسعى للتفرغ لتطور الأوضاع فى أوروبا، وهو ما سيترك منطقة مائعة تتسم بإمكانية حركة واسعة، وتعد إمكانية تشكيل قوى إقليمية عربية مسألة مطروحة والظرف الدولى مناسب لظهورها، خصوصاً أن كثيرا من الدول العربية عانت من الإجحاف وتوالى الضغوط الإقليمية على علاقاتها الاقتصادية والسياسية وواجهت ويلات التدخل فى شئونها الداخلية.

 

وأوضح أن الدول العربية تسعى للتوازن ويظهر ذلك عدم استجابة المملكة العربية السعودية لضغوط الولايات المتحدة لرفع إنتاج النفط وكذلك الوضع بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة التى أبدت مواقف مستقلة من الحرب الدائرة، إلى جانب التلويح العربى بالقبول بآليات التجارة مع روسيا بعملتها المحلية، وكلها معطيات تؤشر إلى أن العرب لديهم أدوات ضغط مهمة بحيث لا يظلون طيلة الوقت عرضة للابتزاز والضغط والتأكيد على أن الدول العربية طرفاً فاعلاً فى معادلة القوة الدولية.

 

وتابع: الا يجب أن تضحى الدول العربية بأى من الأطراف المتصارعة لأننا أمام فترة مخاض طويلة ويجب تحقيق أقصى استفادة على مستوى تعزيز الشراكات العربية لحين الوصول إلى فترة مناسبة سياسيًا وإقليميًا لإعلان التوجهات العربية الدولية بشكل حاسم.

 

غير أنه ألمح فى الوقت ذاته إلى أن بعض الدول العربية سيكون عليها حسم موقفها مثلما الحال لسوريا التى ستنحاز إلى روسيا بشكل مباشر وهناك حاجة لكلا الطرفين فى أن يستمر التعاون الاستراتيجى بينهما، وكذلك الوضع بالنسبة للجزائر التى ستحافظ على علاقات استراتيجية مع موسكو وقد يميل إلى مواقفها حتى وإن تحدث الرئيس عبد المجيد تبون عن عدم انحيازه لأى من الأطراف.

 

وقال الدكتور أبو الفضل الإسناوي، مدير مركز رع للدراسات الاستراتيجية، إن هناك جملة من التحالفات العربية والإقليمية التى تأخذ فى التشكل فى الوقت الحالي، على رأسها التحالف المصرى السعودى الإماراتى الأردني، كما أن هناك مساعى روسية للتقارب على نحو أكبر مع الإمارات والسعودية والإمارات وهى تفاهمات تظهر على استحياء فى الوقت الحالي، مشيراً إلى أن القمة العربية المقبلة فى الجزائر ستشهد إعادة ترتيب العلاقات العربية – العربية.

 

وأضاف أن إعادة ترتيب الأوضاع السياسية فى اليمن من المتوقع أن يفرز عنه تقارب عربى – عربى فى مواجهة الموقف الإيرانى ويمكن القول بأن اليمن قد تكون الدولة الوحيدة المستفيدة من الحرب حال جرى التوافق على تهدئة الأوضاع مع تضييق الخناق على الحوثيين واتجاه إيران نحو تهدئة ميليشياتها حال جرى التوصل للاتفاق النووي، مشيراً إلى أن تأثيرات الحرب الأوكرانية ستظهر بشكل أكبر على الدول المتشاطئة على البحر الأحمر، مشيرًا إلى أن المواقف العربية والأفريقية بالنسبة للدول المتشاطئة على البحر الأحمر فى جلسة مجلس الأمن الخاصة بالموقف من الحرب الروسية أظهر أن هناك اتجاها متزايدا نحو روسيا وظهر ذلك فى اتجاهات التصويت نحو إدانة الغزو الروسي، وهو أمر يقلق الولايات المتحدة التى لجأت إلى تعزيز حضورها العسكرى فى المنطقة.

 

ولفت إلى أن الإدارة الأمريكية قد تعيد سياساتها فى الشرق الأوسط وربما يكون ما تفعله الآن فى منطقة البحر الأحمر بمثابة رسائل توجهها إلى كلٍ من الصين وروسيا، كما أنها أدركت أن هاتين الدولتين لديهما علاقات قوية مع الدول العربية المتشاطئة على ساحل البحر الأحمر وتحاول إنقاذ بعض خسائرها بزحزحة مواقف تلك الدول.