حنة النوبة في العيد.. شكل تاني

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتبت: منى سراج

فى النوبة، حنة ليلة العيد ليست مجرد رسم ونقش على ظهر اليد أو قدم الرجل، لكنها حنة بيتى مخمرة تضعها لك جدتك داخل بطن يديك، ثم تربط كفك بشاش أبيض أو منديل، وتتركها حتى الصباح، لتفكها فتجد بطن يدك حمراء جميلة فتهلل فرحًا بالعيد وحنته.

إحدى العادات النوبية السبع.. وتختلف من قبيلة لأخرى

لا تكتمل فرحة أطفال النوبة دون ممارسة هذه العادة، فيأتى كل طفل ليتباهى أمام الآخر بمن حنته احمرت أكثر بعد أن حافظً على رباط يده طوال ليلة العيد، ونام ليلته مُكتملة الطقوس فوضع حذاءه الجديد أسفل سريره، ولم يترك ملابسه الجديدة والكحك والبسكويت و«القرقوش» ينامون بعيدًا عنه، وخلد إلى نومه مُرتديًا «بيجامة» الوقفة، مستمعًا إلى أغانى فرحة العيد، أو كما يسمونها «ربطة ليلة العيد» خصوصًا أغنية «كلنا بنعيد مع بعض» التى تسمى بالنوبية «كوريجينالو».

«تحنين» الشابات والأطفال قبل العيد بيوم أو بأيام يعد عادة نوبية قديمة كما أخبرنا الدكتور عادل موسى، أخصائى توثيق التراث غير المادى، الخبير المحلى للتراث الثقافى بمنظمة اليونسكو، نائب رئيس جمعية التراث النوبى، الذى قال أيضًا إنها عادة تأتى ضمن الـ7 عادات أو «الكولد» بالنوبية التى يتبعها النوبيون خلال السبعة أيام الأخيرة من رمضان، منها على سبيل المثال وليس الحصر طقس تحضير الأطعمة غير المخبوزة كالبيض وتوزيعها على الأطفال فى النوبة القديمة، بجانب «حنة الفتيات»، ويبدأ «التحنين» آخر سبعة أيام، وتختلف طريقته من قبيلة إلى أخرى لكن الطقس واحد وهو «فى العيد لازم تتحنن»، على حد تعبيره.

إقرأ أيضاً | "الجرجار" و"الحنة" و"الدلكة" أهم ما يميز المرأة النوبية

أضاف عادل، أن الحنة لم تصبح عادة نوبية فقط بل امتدت إلى الدلتا والصعيد، ولأن الحنة كانت تزرع فى النوبة تم توثيق هذه العادة ضمن الفلكلور النوبي.
لم تندثر «الحناء» لأنها عادة متأصلة عند النوبيين، كما يقول علاء إسحق، رئيس النادى النوبى الثقافى، فهى تشاركهم جميع المناسبات، تضعها السيدات عندما يلدن، ويضعها الأطفال وخصوصًا البنات الصغار فى الأعياد مع ارتدائهم ملابس العيد، مُشيرًا إلى أنه حينما تمسك الجدة يد الطفل وتضع الحنة وتربط عليها ثم فى اليوم التالى صباحًا تفكها، تكون قد مارست أقدم الموروثات التى تربت عليها.

أضاف علاء، أنه ربما يكون هذا الموروث امتدادًا لعادات فرعونية قديمة وجدناها ضمن الصبغة والألوان التى كان يستخدمها الفراعنة ووجدناها فى أقدامهم وأيديهم المُخصبة بالحنة والنقوش والرسومات كعلامة على اهتمام المرأة بجمالها وزيها وحليها.

حذيفة محمد العباسى، أمين الاتحاد النوبى العام بأسوان، عبر لنا عن قلقه من اندثار هذه العادة بسبب التطور والتكنولوجيا التى بدأت تغير شكل ممارسة هذه الطقوس، كاستبدال شاش الحنة برسومات الكمبيوتر، واستبدال الحنة المُخمرة بالصبغة سريعة المفعول، ويتمنى استمرار هذه العادات المُبهجة التى يحرص عليها الآن «الأجداد والجدات» فيصطحبون أحفادهم أول يوم العيد «متحنيين» ومرتدين ملابسهم الجديدة حاملين فى أيديهم «الحمص والفشار» ليزوروا أقاربهم فى القرية، ويحصلوا منهم على «العيدية».

الروائى يحيى مختار، يتحدث عن ليلة العيد فى النوبة، فيشير إلى أنها تبدأ بقراءة القرآن والتسابيح، والبعض يضرب «الطار» ويرقصون على دقاته، وفى الصباح وبعد أداء صلاة العيد مُباشرة يعيدون على كل بيت واقفين على الأبواب ليستطيعوا دق أكبر عدد من الأبواب المرصوصة بجانب بعضها البعض أمام النيل ليحققوا أكبر عدد من الزيارات وتقديم التهانى، ويقوم الشباب بجمع الـ«ألس»، وهى صواريخ من القش ويشعلونها ثم يرقصون على دقات الطبل والدف، وبعدها ينزلون إلى النيل للاستحمام.