محمد فاروق يكتب: سيمفونية "جزيرة غمام" الرمضانية

محمد فاروق
محمد فاروق

سيمفونية فنية.. وملحمة مصرية خيالية  يجسدها مسلسل «جزيرة غمام» وكأنك أمام لوحة فنية وخلطة بين صورة لمشاهد مبهرة وموسيقى تصويرية رائعة ومنافسة تمثيلية مبدعه وملابس وديكور ، عمل فني مبهر بكل المعاني تأليف السيناريست القدير عبد الرحيم كمال، خلطة سحرية يجسد فيها الصراع الأزلي بين الأطراف الثلاثة: «السلطة.. والمال .. ورجال الدين» ،  لفت أنظار الكثير من المشاهدين والنقاد إليه، بفضل حكايته الخيالية الشعبية ، حقبة زمنية قديمة منذ أكثر من 100 عام، في إحدى الجزر التابعة لمحافظة البحر الأحمر ، حيث يأتي  «خلدون والعايقة» غجر طرح البحر إلى الجزيرة ومحاولة السيطرة على أهلها ظنًا منهم أنها تحوي كنزا.

تأشيرة الدخول 

تابعنا «جزيرة غمام» انطلاقاً من «التترات» التي أعادت لنا صوت «علي الحجار»،الذي يملك قدرة على التطويع الدرامي،  يستطيع التعبير من خلال نبرة الصوت، وهكذا يحصل المشاهد على تأشيرة الدخول ووجبة دسمة بختم المبدع «علي الحجار» وموسيقى شادى مؤنس. 

السادات والفلاش باك 

بدأت الحلقة الأولى من «جزيرة غمام» بزيارة الرئيس الشهيد أنور السادات لأهل الجزيرة في عام 1977، قبل أيام قليلة من زيارته الشهيرة للقدس برفقة رئيس الوزراء، وهناك احتشد أهالي الجزيرة لاستقباله باللافتات والأعلام ، قام بافتتاح مسجد المدينة، استقبله الشيخ شمس عميد عائلة أولاد عرفات، وعلى طريقة الفلاش باك، يحكي شيخ الجزيرة وأحد كبارها، قصة جزيرة أولاد عرفات، أو كما سُميت في الماضي «جزيرة غمام» ، حيث تم استئذان السادات في الاستماع إلى قصتها.

بداية الملحمة 

يبدأ بصراع ثلاثة تلاميذ للشيخ مدين هما «يسري ومحارب وعرفات»، وكيف تلقى كل منهم التعاليم الواحدة للشيخ حتى مات بين أيديهم وأوصى بمنزله ليسرى ،ومشيخة المسجد لحربي ،وأعطى لعرفات سبحته وكتابة الخاص ، وتمكنت أهواء كل منهم في معرفة الدين بحسب شخصيته، خرج الثلاثة مختلفين تمامًا من بيت الشيخ مدين، الأول «يسري..محمد جمعة» أخذ بمفهوم الدين الشعبي والدجل والغيبيات، والثاني «عرفات.. أحمد أمين» الصوفي الزاهد المتسامح، والأخير «محارب.. فتحي عبد الوهاب» رجل الدين المتشدد. 

الشيطان يعظ 

تأتي أمواج البحر محملة بالغجر طرح البحر ، وبها شخصيتا الروح الشيطانية «العايقة» و«خلدون» ليقوما بالسيطرة على جزيرة غمام باستخدام الألاعيب وأساليب الدهاء والسحر، وتدل أسماؤهم عن ذلك، فشخصية «خلدون» التي يجسدها طارق لطفي، تعبر عن الخلود بالدنيا، و«العايقة» التي تجسدها مي عز الدين تعبير ملذات وشهوات الإنسان والمحاولات التي تبذل لإسقاط الجزيرة ، لينجح خلدون فى اعتلاء منبر المسجد ليخطب في أهل الجزيرة لصلاة الجمعة دون علم فى الدين ، وكأنه الشيطان يعظ.

صمام الأمان 

الحاكم أو أولي الأمر منهم تأتي شخصية «العجمي.. رياض الخولي»، عمدتة الجزيرة  كبير القرية، بات واضحاً احترام العجمي للدين ووقوفه ضد الظلم وفرض السيطرة دون مصالح شخصية بحكمه على قضية قتل سندس محور الأحداث، وحبه لبلده ووطنيته عندما علم  بخبر عزل الخديوي عباس حلمي الثاني، وتولي حسين كامل عرش مصر، يتحسر العجمي على الخديوي المعزول، هكذا كان الحس الشعبي كله، إذ لاقى تعيين الإنجليز للسلطان حسين كامل رفضًا شعبيًا قاطعًا قضى على شعبيته قبل أن يتولى الحكم.

سر الخلطة

الكاميرا فاضحة كما يقولون ولكن في مشاهدة جزيرة غمام نرى سر الخلطة، فحالة المنافسة بين فريق العمل لتقديم أفضل ما لديهم، وواضح حالة الحب بين نجوم العمل ، لنرى خلفه سيناريست من العيار الثقيل  المؤلف عبد الرحيم كمال ومخرج موهوب حسين المنياوى، ينسج في أعماله التفاصيل بالصورة والصوت وأداء الممثلين، ومعه مدير التصوير إسلام عبدالسميع، ومهندس الديكور أحمد عباس، تسكين جيد جدا للأدوار، وهكذا ابدع كل من طارق لطفى ومى عزالدين وأحمد أمين ورياض الخولى وميار الغيطي ومحمود البزاوى ومحمد جمعة وعبدالعزيز مخيون وفتحي عبدالوهاب وأحمد ماجد، أدخلهم المخرج داخل الحالة فتلبستهم ، كما أن المنتج تامر مرسى لم يبخل على العمل الفنى لينسج لنا أفضل عمل درامى بعد ملحمة الاختيار 3 فى تقديري «جزيرة غمام» لتقديم ملحمه فنية تراثيه .. وسيمفونيه رمضانية لدراما عام 2022 .