في الصميم

فى كل أزمة.. فرصة واعدة

جلال عارف
جلال عارف

الأزمة التى تعصف بالعالم كله سوف تستمر لفترة قد تطول قليلاً أو كثيراً.. بوادر الأزمة كانت قبل عدة سنوات مع الأوجاع التى أصابت نظام العولمة، ومع تجاهل التأثيرات المناخية التى أضرت بالزراعة، ومع الخلل الفادح فى توزيع الثروات بين شعوب العالم.

ثم ازدادت الأزمة مع ضربة «كورونا» الموجعة التى أوقفت معظم الأنشطة الاقتصادية، وأضرت بفرص النمو الاقتصادى، وأدت لتفجير المزيد من سلبيات النظام العالمى. ثم جاءت حرب أوكرانيا فى ظل هذه الظروف المتردية أصلاً التى يعانى منها الاقتصاد العالمى، لتفرض المزيد من غلاء الاسعار (خاصة فى الوقود والمحاصيل الزراعية الاساسية) ولتقول بيانات المنظمات الاقتصادية العالمية إن الأزمة ستترك وراءها معاناة تستمر لسنوات ومئات الملايين التى ستضاف إلى جيوش الفقراء، وحاجة ماسة لإعادة النظر فى الكثير فى العديد من المسلمات السياسية والاقتصادية التى حكمت العالم لعقود فى ظل نظام عالمى لم يعد يملك القدرة على الاستمرار كما كان منذ الحرب العالمية الثانية!

لا أحد ينجو من عواقب أزمة بهذا الحجم. والكل مطالب بمواجهتها، والأمر صعب على الجميع، وأصعب على من يواجهون - بالاضافة الى ذلك - عبء المشاكل الداخلية وتكلفة بناء الدولة القوية فى ظروف صعبة ومع موارد محدودة. خبرتنا فى مصر فى التعامل مع الأزمات الكبيرة بنجاح تشد من عزمنا فى مواجهة الظروف الجديدة. علمتنا السنوات الصعبة كيف نحارب اكثر من معركة فى وقت واحد، وكيف نقاتل ونبنى فى نفس الوقت، وكيف نقدم أفضل ما عندنا جميعاً فى مواجهة التحديات. وعلمتنا أيضاً أن هناك مع كل أزمة.. فرصة واعدة لو أحسنا التعامل معها.

بهذا المنطق تعاملنا مع أزمة «كورونا» وكنا من الدول القليلة فى العالم التى حققت نسبة نمو إيجابية فى اقتصادها خلال الأزمة التى اعتبرناها - رغم كل السلبية - فرصة للصناعة الوطنية لكى تطور نفسها. وهو الأمر الذى لابد أن يتضاعف الآن ويستمر.. ليس فقط بسبب الحاجة لترشيد الاستيراد والحفاظ على رصيد العملة الصعبة، ولكن - فى الاساس - لأن هذا هو الطريق الذى لابديل عنه لتكون قوة اقتصادية كبيرة كما نأمل ونستحق.

وما ينطبق على الصناعة ينطبق أيضاً على الزراعة، خاصة بعد أن كشفت حرب أوكرانيا عن تعميق الأزمة فى السلع الغذائية الاساسية (سواء فى نقص المعروض أو ارتفاع الأسعار) ولاشك أن الجهد الذى بذل فى زيادة إنتاجنا من القمح ومضاعفة سعة التخزين كانت عامل أمان أساسياً. لكننا - بالقطع -  سنحتاج للمزيد من الجهد على هذا الطريق.. ولدينا هنا العلم والخبرة القادرة على حل المشاكل فى هذا القطاع. والأهم الوعى الكامل بأهمية تأمين الغذاء لمائة مليون مواطن فى ظل أزمات تتوالى لتؤكد ضرورة ان يكون تركيزنا الاساسى تطوير الصناعة الوطنية ودعم الزراعة لأقصى درجة.

كل القرارات الاقتصادية الأخيرة تصب فى هذا الاتجاه وتدعم الاستثمار وتشجع القطاع الخاص الذى بدأ يدرك أن المستقبل فى الصناعة والتكنولوجيا وفى تطوير الزراعة والرى بعد أن كانت الأولويات قد اختلت لسنوات سادت فيها نشاطات السمسرة والاستيراد «وتسقيع» الأراضى.
فى كل أزمة.. فرصة واعدة، علينا ألا نتقاعس فى تفعيلها. مشكلة البعض أنهم مازالوا لا يفهمون أن الفرصة هنا للمستثمر الجاد ، وليس للسمسار الفهلوى!