فى مواجهة حملة إساءة إخوانية وقحة.. الإمام والبابا «حصن» الوطنية المصرية

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

كتب: حسن حافظ

التأييد الشعبى أفشل محاولات النيل من مكانة الطيب وتواضروس

شيخ الأزهر يصدم المتشددين بتصريحات إيجابية عن المسيحيين

مواقف البابا المتمسكة بحبل الوطنية فوتت الفرصة على مروجى الفتن

بعض التنويريين يهاجمون الأزهر بأسلوب لا يخدم إلا المتطرفين

 

بالتزامن مع حالة الفرحة والبهجة التى تعم بيوت المصريين بين محتفل بانتهاء الصوم الكبير وحلول عيد القيامة المجيد، ومستعد للانتهاء من صوم شهر رمضان الكريم، واستقبال عيد الفطر المبارك، تخرج بعض أصوات النشاز التى يعمى قلبها الكراهية والحقد، لا تريد أن ترى البهجة فى بيوت المصريين، فلا تجد إلا المرجعيات الدينية لتهاجمها فى وقاحة الجهلاء الذين يستهدفون "حصن" مصر المنيع متمثلا فى شيخ الأزهر وبابا الأقباط.

ها هو شيخ الأزهر الذى قدّم درسا فى المواطنة بين جميع المصريين، لم يعجب أبناء الدواعش الذين هاجموه بقبيح الكلام وما لا يجوز فى حق العلماء، وهذا بابا الإسكندرية يشتكى من التطاول والهجوم عليه، بما يكشف أزمة خطيرة تواجه مجتمعنا، وهى أن البعض فى إطار خصومة سياسية ممزوجة باستعلاء الجاهل، لا يعرف الحدود الفاصلة بين الأدب فى الحوار وشرف الخصومة، بل ينطلق من رغبة مبيتة للانتقاص من المرجعيات الدينية كمحاولة لضرب مفاصل البلد، وإصابة "رمانة الميزان" ممثلاً فى الأزهر والكنيسة، على أمل أن تعيده الفوضى يوما لصدارة المشهد.

 

إقرأ أيضاً | شيخ الأزهر: علماء الغرب أكدوا أن القرآن كان الباعث الأوحد لحضارة المسلمين

ووسط تأييد القطاع الأعرض فى الشارع للإمام الأكبر شيخ الأزهر أحمد الطيب، تعرض الأخير لهجوم حاد وغير مبرر عبر مواقع التواصل الاجتماعى على مدار الأسبوع الماضي، بعد تصريحات استنكر فيها التضييق على غير المسلمين بنهار شهر رمضان، ووصفه بـ"السخف"، وأكد أنه لا مجال لوصف المسيحيين بـ"أهل الذمة"، وهى تصريحات لم تعجب أبناء التيارات السلفية المتشددة والمحسوبين على جماعة "الإخوان" الإرهابية، فهاجموا شيخ الأزهر بأسلوب ينم عن جهل وسوء أدب ورغبة مبيتة فى الانتقاص من مكانة الإمام الأكبر.

 

وقال المرجعية السنية الأولى فى العالم، فى تصريحات لصحيفة "صوت الأزهر" التابعة للمؤسسة الدينية، إنه لا محل ولا مجال أن يطلق على المسيحيين وصف "أهل الذمة"، وأكد أنهم مواطنون متساوون فى الحقوق والواجبات، وأن مصطلح الأقليات لا يعبر عن روح الإسلام وفلسفته، لافتًا إلى أن مصطلح "المواطنة" هو التعبير الأنسب لضمان استقرار المجتمعات، مشددًا على أن الأصوات التى تحرِّم تهنئة المسيحيين بأعيادهم، والنهى عن أكل طعامهم، ومواساتهم فى الشدائد، ومشاركتهم أوقات الفرحة، "فكر متشدد لا يمت للإسلام بصلة، ولم تعرفه مصر قبل سبعينيات القرن الماضي"، وأكد أن التضييق على غير المسلمين فى مأكلهم ومشربهم بنهار رمضان بدعوى الصيام "سخف" لا يليق ولا يمت للإسلام بصلة من قريب أو بعيد.

 

وفى معرض رده على أكثر من حادثة لرفض بعض العاملين فى مطاعم تقديم الطعام للمسيحيين فى نهار رمضان، تساءل شيخ الأزهر متعجبا عن المسلم الذى لا يطيق رؤية زميله المسيحى فى العمل يأكل أو يشرب، أو مشاهدة مواطنين فى المطاعم فى نهار رمضان، كيف يطيق إفطار أطفاله الصغار غير المكلفين فى نهار رمضان؟ أم أنه يضيِّق على أطفاله أيضًا ويمنع عنهم الطعام والشراب؟

 

وما إن صدر العدد الجديد من "صوت الأزهر" الأسبوع الماضي، حتى تعرّض الإمام الأكبر لهجوم من المنتمين للتيارات المتشددة، الذين يعتنقون أفكارا جاهلية، ووصل بهم الحال لمهاجمة شيخ الأزهر بعدم التخصص والبعد عن صحيح الدين وممالأة المسيحيين، لكن فى المقابل نجد أن الغالبية استقبلت تصريحات شيخ الأزهر بارتياح كبير ووصفوها بالانتصار لقيم إنسانية والفهم العميق لروح الإسلام بعيدا عن مناخ التعصب والتشدد.
الهجمة على شيخ الأزهر معروف مصدرها، فقد سبق أن هاجمت جماعة الإخوان الإرهابية الإمام الطيب، وحاولوا عزله فى سنة حكم محمد مرسى المشئومة، وقد تعرض شيخ الأزهر لهجوم باطل طال شخصه ودينه، خصوصا بعد انحيازه لصوت الشعب المصرى الذى رفض إرهاب الجماعة فكانت ثورة يونيو 2013، التى أنهت حكم الإخوان، عندما شارك شيخ الأزهر الجيش والقوى المدنية وبابا الإسكندرية فى قرار عزل مرسى تجنبا لدخول مصر فى حرب أهلية.

لذا فإن "التار بايت"، والهدف واضح من الهجوم على شيخ الأزهر وهو محاولة النيل من رمزية ودور مؤسسة الأزهر فى نفوس الناس، ومن المؤسف أن بعض من يدعون التنوير يتخذون من اتهامات الإخوان ومن لف لفهم الباطل وسائل لمهاجمة الأزهر وشيخه، دون معرفة وتدبر أين يقفون؟ ومع من يقفون! ومن يخدمون دون وعى ولا تدبر، وربما وهم فى كامل وعيهم وقصدهم، حيث يهاجم البعض الأزهر كلما اتخذ مواقف مؤيدة للقضية الفلسطينية أو رد على العدوان الإسرائيلي، فى موقف مريب من البعض.

 

نفس المواقف نجدها مع بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، تواضروس الثاني، الذى اشتكى صراحة من قبل من الهجوم ضده من قبل البعض وتعمد الإساءة لشخصه، إذ يدور الهجوم على شخصه على محورين، الأول من بعض الكنائس فى أمريكا مجهولة التمويل والتى نشرت شائعات حول انقسام الكنيسة المرقسية وجمع توقيعات لعزل البابا، وهى حملة ولدت ميتة، إذ لم يتلفت إليها أحد من المسيحيين فى مصر، بل زادوا التفافا حول البابا والكنيسة، والهجمة الثانية جاءت من جماعة الإخوان وأنصارها، والتى لم تنس يوما أن البابا شارك فى مشهد 3 يوليو 2013 بجوار شيخ الأزهر والجيش والقوى المدنية لعزل مرسى وتجنيب مصر سيناريو الحرب الأهلية.

 

البابا يدفع ثمن مواقفه المعلنة ضد إرهاب الإخوان، فلا ينسون له تصريحه الشهير أيام حكم مرسي، بأن المسيحيين يعانون من التهميش والتجاهل منذ تولى الإخوان الحكم فى مصر، وأن السلطات قصرت فى حمايتهم، وشدد على أن هناك مؤشرات تفيد بأن الأقباط يتجهون إلى الهجرة خوفا من النظام الجديد، ثم موقفه فى ثورة يونيو، والموقف الواضح له والذى نسف مخططات الإخوان لجر مصر إلى خانة الحرب الأهلية، عندما هاجمت عناصر الجماعة نحو 100 كنيسة وأحرقتها فى أعقاب فض اعتصام رابعة فى 14 أغسطس، هنا لم يتخذ البابا أى مواقف متشنجة بل اتسم فعله بالحكمة والقراءة الصحيحة للمشهد ففوت الفرصة على دعاة الفتنة وتمسك بوحدة عنصرى الأمة، لذا لم يكن غريبا أن يناله الهجوم.

 

وجاء الهجوم من صفحات مسيحية مجهولة، وبعض المسيحيين المنشقين فى أمريكا، الأمر الذى دفع المفكر القبطى والمستشار القانونى نجيب جبرائيل بالقول بأن جماعة الإخوان وراء حملة الإساءة للبابا، فى إطار محاولة للانتقام منه ومن شخصه، بسبب مشاركة الكنيسة فى عزل الرئيس الإخوانى محمد مرسي، وهو كلام يؤكده محاولات أنصار الجماعة النفخ فى أى فتنة طائفية ورفض تهنئة المسيحيين بأعيادهم بما يكشف عن حقد دفين لكل ما هو مصرى مخالف لهم ويرفض إرهابهم.

 

فى المحصلة، لا أحد ضد النقد البناء ولا أحد ضد التجديد الفاهم لأوضاع الواقع والمجتمع، ولكن المشكلة كل المشكلة فيمن يتخذ من هذه الشعارات البراقة مدخلا للوصول إلى غرضه الحقيقي، وهو الهدم الذى لا بناء بعده، والفوضى التى لا نجاة منها، فالهجوم الوقح على المؤسستين الدينيتين ليس غرضه التجديد ولا الإصلاح، بل غرضه استهداف الأمن القومى المصرى فى أبرز قواه الناعمة، هناك رغبة مبيتة فى تجاوز كل الخطوط الحمراء فى الإساءة لشيخ الأزهر وبابا الإسكندرية، رغبة مجنونة تتحطم على صخرة حكمة وعقل الإمام والبابا اللذين استطاعا أن يقودا دفة الوحدة الوطنية فى مواجهة الحملات المغرضة، تحية للرجلين لمعرفتهما مكانة المنصبين وحساسية دوريهما وقدرتهما على ضرب النموذج فى زمن يريده البعض بلا قدوة ولا نماذج.