وزير الأوقاف: ديننا دين الذوق والرقي والخلق الرفيع والأدب العالي

 وزير الأوقاف
وزير الأوقاف

أكد الدكتور  محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أن ديننا هو دين الذوق والرقي والخلق الرفيع والأدب العالي، وفي حديثنا هذا نقف مع بعض آداب الطعام والشراب لكون هذه الآداب تتكرر كثيرًا في كل يوم وليلة ، لنأخذ بركة هذه الآداب ، ولنستن فيها بسنة الحبيب (صلى الله عليه وسلم) ، مؤكدًا أن كل ما يتسق مع الآداب الإنسانية العامة هو من صميم الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.

وتابع الوزير:  ومن السنة أن تبدأ بالتسمية عند الأكل ، حيث يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "إذا أكَل أحَدُكم فلْيَذكُرِ اسمَ اللهِ فإنْ نَسِي أنْ يَذكُرَ اسمَ اللهِ في أولِه فلْيَقُلْ: بسمِ اللهِ أولَّه وآخِرَه" ، وكل شيء لا يبدأ باسم الله فهو أجزم أو أبتر - أي مقطوع البركة - ولا بركة فيه ، فأول آداب الطعام والشراب البسملة، وبعض الناس يبدأ بذلك فعلًا عند الطعام لكنه قد يغفل عن ذلك عند الشراب ، فلنبدأ بالتسمية عند الطعام وعند الشراب تبركًا

واوضح الوزير أن  الأمر الثاني: أن يدعو قبل تناول الطعام ، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن نبينا (صلى الله عليه وسلم) قال: من أطعمهُ اللهُ الطعامَ - أي من رزقه الله طعامًا - فليقلْ: اللهم باركْ لنا فيهِ وأطعمنا خيرا منهُ ومن سقاهُ الله لبنًا ، فليقل: اللهم باركْ لنا فيه وزدنَا منهُ" ، ومنها أن يأكل بيمينه ، فعن عمر بن أبي سلمة (رضي الله عنه) قال: "كُنْتُ غُلَامًا في حَجْرِ رَسولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) ، وكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ في الصَّحْفَةِ" ، فَقالَ لي رَسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم): "يا غُلَامُ ، سَمِّ اللَّهَ ، وكُلْ بيَمِينِكَ ، وكُلْ ممَّا يَلِيكَ فَما زَالَتْ تِلكَ طِعْمَتي بَعْدُ" ، إذًا جمع الحديث بين عدة آداب أولها: التسمية التي أكدنا عليها ، ثانيها: الأكل باليد اليمنى ، يقول النبي (صلى الله عليه وسلم): "لا يَأْكُلَنَّ أحَدُكُمْ بشِمالِهِ ، ولا يَشْرَبَنَّ بها ، فإنَّ الشَّيْطانَ يَأْكُلُ بشِمالِهِ ، ويَشْرَبُ بها" ، فإن كان له عذرٌ يمنعه فلا حرج عليه لقول الله (عز وجلّ): "وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ" ، ثالثها: أن يأكل الإنسان مما يليه - أي من جهته - من أمامه ولا يأكل من أمام الآخرين ، فلا شك أن الأكل من أمام الآخرين مما يلفظه الذوق السليم والحس السليم ، ومن آداب الطعام والشراب عدم الأكل مُتَّكِئًا ، فعن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو (رضي الله عنهما) قالَ: "ما رُئيَ رسولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم) يأكلُ متَّكئًا قطُّ" ، وعن وهب بن عبدالله عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "لا آكُلُ مُتَّكِئًا" ، ومن أهم آداب الطعام والشراب عدم ذم الطعام الحلال وعدم تقبيحه ، 

واشار الوزير الي أن بعض الناس قد لا يشتهي نوعًا معينًا من الطعام ، فإذا جلس مع أصحابه أو أصدقائه أو مع الناس ربما يتسرع فيقول : "أنا أحب هذا ولا أحب هذا" فما لا تحبه أنت قد يحبه غيرك ، والنبي (صلى الله عليه وسلم) ما عاب طعامًا قط ، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: "ما عابَ النبيُّ (صلى الله عليه وسلم) طَعامًا قَطُّ ، إنِ اشْتَهاهُ أكَلَهُ ، وإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ" ، فإن كنت لا تشتهي نوعًا من الطعام قد يشتهيه غيرك فلا تعب ذلك وتجعل الآخرين يضيقون به أو بك لأنك تذم ما يحبون أو كأنك تتعالى أنك لا تأكل هذا أو تأكل ذاك فما عابَ رسولنا (صلى الله عليه وسلم) طَعامًا قَطُّ ، إنِ اشْتَهاهُ أكَلَهُ ، وإنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ ، ومنها: عدم التعجل في مد اليد إلى الطعام ، فإن كنت تجلس مع جماعة فلا تتعجل الأكل قبلهم ، يقول الشاعر: 
وإنْ مُدَّت الأيدِي إلى الزادِ لمْ أكُنْ
بأعجَلهِم إذْ أجشعُ القومُ أعْجَلُ

لافتاً إلى أن الاقتصاد يكون في الطعام والشراب ، حيث يقول نبينا (صلى الله عليه وسلم) : "ما ملأ ابنُ آدمَ وعاءً شرًّا من بطنِه حسْبُ ابنِ آدمَ أُكلاتٌ يُقمْنَ صلبَه فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه ، وثلثٌ لشرابِه ، وثلثٌ لنفسِه".
ومن هذه الآداب الهامة والراقية: عدم النفخ في الطعام الحار ، وترك التنفس في الإناء ، فعن ابن عباس (رضي الله عنهما) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) نهى أن يتنفسَ في الإناءِ ، أو ينفخَ فيهِ ، فبعض الناس إذا أتيته بشراب أو بطعام حار يتعجل وينفخ في الطعام أو الشراب ، بما قد يشمئز منه الآخرون ، فينبغي أن نترك الطعام أو الشراب إذا كان ساخنًا حتى تهدأ حرارته ، فمن السنة ألا تنفخ في الطعام الحار ولا في المشروب الحار ، لأن هذا دليل على العجلة تجاه الطعام والشراب ، والإنسان العفيف هادئ النفس لا يتعجل ذلك ، ومنها أيضًا: عدم الشرب من فم السقاء ، فمثلًا: لو كان الماء في كأس كبيرة لا تأخذ هذه الكأس الكبيرة وتشرب منها مرة واحدة ؛ إنما تضع منه في الكوب أو الكأس الصغير ولا تشرب من فيء السقاء مباشرة ، وإذا كان الطعام في إناء كبير أخذت منه في إناء صغير ؛ هذا من الأدب وحسن الذوق والرقي. 

و إلى جانب آداب الطعام والشراب هناك أيضا آداب النوم ؛ بأن يضطجع الإنسان على الجانب الأيمن ، وأن يذكر الله (عز وجل) قبل نومه ، وأن يحمد الله (عز وجل)  عند قيامه من النوم بقوله : "الحمد لله الذي أحيانا بعد إذ أماتنا وإليه النشور" ، ومن أهم آداب النوم : أن ينظف مكان نومه، لقول النبي (صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ): "إذا أوَى أحَدُكُمْ إلى فِراشِهِ، فَلْيَنْفُضْ فِراشَهُ بداخِلَةِ إزارِهِ" ، ويقاس على ذلك ما يمكن أن ينظف به المكان من آلة ، أو مكنسة ، أو منفضة أو نحوها ، والمقصد أن الإنسان لابد أن يكون نظيفًا في ثيابه ، نظيفًا في منامه.
واكد الوزير أن من أهم آداب النوم أن تأخذ بسنة الله (عز وجل) في كونه حيث يقول (سبحانه وتعالى): "وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا" فما لم تكن هناك ضرورة كطبيعة عمل تقتضي السهر ليلًا كعمل الطبيب أو نحوه ، فالأصل أن نأخذ بسنة الله الكونية ، ولا نعكس سنن الله (عز وجل) فنجعل الليل كله للسهر ونحوه ، لأن الليل للسكون والراحة ، فالإنسان الطبيعي ينام قسطًا من الليل ويعمل بالنهار ، ما لم تقتضِ طبيعة العمل غير ذلك؛ فهذه آداب عامة تعيننا على حياتنا ونرضي بها ربنا ؛ نسأل الله أن يجملنا بالأدب والآدب ومكارم الأخلاق في طعامنا، وشرابنا، ولباسنا، ومنامنا وسائر أعمالنا.