الشاعر فتحى عبدالسميع: معظم من يكتبون الشعر يجهلون قيمته

الشاعر فتحى عبدالسميع
الشاعر فتحى عبدالسميع

حوار: أشرف قاسم 
 

◄الكتابة خرجتْ من ركن الهواية إلى أفق الهوية والمصير

◄الشاعر فتحي عبد السميع: إقامتى فى الجنوب أدت إلى ضعف شبكة علاقاتى  وحرمتنى من أشياء كثيرة

◄الأسطورة من أهم مسالك تحدى الواقع وتجاوزه

فتحى عبدالسميع ليس مجرد شاعر، بل هو أحد رموز الفكر والثقافة فى مصر والوطن العربى، وأحد الذين أخذوا على عواتقهم مهمة تغيير المفاهيم المغلوطة فى ثقافة الإنسان بشكل عام، وثقافة صعيد مصر على وجه الخصوص، منذ ديوانه الأول «الخيط فى يدي» الصادر عام 1997م وهو يحفر اسمه على مهل فى سجل الإبداع والفكر المعاصر، أحدث كتابه «القربان البديل» صدى واسعا فى الوسط الثقافى، وحصل به على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الاجتماعية عام2015، ووصل إلى القائمة القصيرة لجائزة الشيخ زايد 2016، وقد طالب الدكتور شاكر عبد الحميد وزير الثقافة الأسبق بوضعه فى المناهج التعليمية، حول مشواره وتجربته الإبداعية كان لنا معه هذا الحوار.

 

 أنت أحد رموز التنوير فى صعيد مصر، وأحد من حملوا على عواتقهم قضايا مجتمعه، كيف كانت ملامح البداية فى تجربتك الإبداعية المتشعبة؟ 

البداية كانت لطيفة جدا، كانت الكتابة مجرد تنفيس عن الذات، أو تسلية، ولم أتخيل تطورها إلى أبعد من ذلك، لكنها ـ بالتدريج ـ خرجتْ من ركن الهواية إلى أفق الهوية والمصير، وأصبحت رسالة حياة. كانت البداية ضعيفة بسبب غياب الطموح وبؤس الإمكانات الناتج عن إقامتى فى أقصى الصعيد، كان المعتقد الشائع وقتها، أن أى نجاح لمبدع لا يتم بطوابع البريد.

وكل إبداع خارج القاهرة مجرد هواية تستمر سنوات وتجرفها مشاغل الدنيا، كل الذين حققوا مكانة كانوا من الراحلين إلى القاهرة، وكان النموذج الكبير وقتها يتمثل فى تجربة يحى الطاهر عبدالله، وأمل دنقل، وعبد الرحمن الأبنودى، لقد بدأتُ مع أصدقائهم فى الجنوب، ومنهم من كان يعتقد بتفوق قدراته على قدراتهم لكنه لم يتطور ولم يفعل شيئا بسبب بقائه فى الجنوب. لم يكن بؤس الإمكانات إعلاميا فقط، بل ثقافيا، وهذا هو الأهم، لم تكن هناك مكتبة عامة، أو منافذ بيع كتب، ولم تكن هناك قامات ثقافية يمكن أن ترشدنا، أو حتى حوافز اجتماعية فى ظل اعتقاد راسخ ومنتشر بأن الشاعر هو عازف الربابة. 


 حصلت على جائزة الدولة التشجيعية عن كتابك المهم «القربان البديل» الذى أحدث صدى طيبا فى الأوساط الثقافية، لماذا تأخر حصولك على هذه الجائزة؟ 

حصلت على جائزة الدولة فى العلوم الاجتماعية ولم أحصل عليها فى الشعر، وأشعر أننى كنت أستحقها فى الشعر منذ ثلاثين عاما، وأن إقامتى فى الجنوب أدت إلى ضعف شبكة علاقاتى، وهذا حرمنى من أشياء كثيرة، منها تلك الجائزة، كما أعتبر نفسى حصلت عليها رمزيا فى بداية التسعينيات، لقد كانت لى قصائد قليلة منشورة فى مجلة إبداع وغيرها.

وقد تركتْ صدى طيبا عند الدكتور عبد القادر القط، وفوجئت بأحد أعضاء لجنة الشعر يتصل بى ويخبرنى بأنه سأل عنى وطلب ديوانى من أجل الجائزة، ولم يكن لى ديوان مطبوع، واقترح طبع نسخ قليلة من الديوان وإرساله، لكننى لم أستجب للفكرة، كنتُ قلقا ولم أستقر على صورة نهائية لديوان، وبسبب الغرور أو السذاجة تصورت أن الجائزة مضمونة فى العام القادم أو الذى يليه، لكنها رحلت برحيل الدكتور القط. حتى فوجئت بالدكتور أحمد زايد رئيس لجنة العلوم الاجتماعية يخبرنى باختيار كتابى، رغم عدم تقدمى للجائزة، وعدم معرفتى بأى عضو من أعضاء لجنة العلوم الاجتماعية، وهى حالة نادرة فى مسيرة جوائز الدولة. 

 «الشاعر والطفل والحجر» سيرتك الذاتية التى صدرت، والتى ظهر من خلالها إيمانك العميق بقيمة الشعر ودوره فى التغيير، وناقشت فيها أيضا إشكاليات قصيدة النثر وأنت أحد رموزها، ما المعنى الذى أردت إيصاله للمتلقى من خلال تلك السيرة؟

 التأكيد على قيمة الشعر العظيمة كان أساسيا، وأعتقد أن معظم من يكتبون الشعر يجهلون قيمة الشعر، أو يعرفون قشرة خفيفة، وأنا نفسى لم أعرف قيمة الشعر فى البداية، لقد كتبتُ كما يكتب الشعراء، وفرحت بإلقاء الشعر فى الأمسيات، وبعد سنوات طويلة من تعلقى بالشعر بدأ يكبر إيمانى بقيمته وقدرته على تحويلنا من الداخل إلى كائنات إنسانية مختلفة، تعيش الحياة بشكل جمالى يقظ ومنفتح على تفاصيلها الثرية والمدهشة، وأعتبر نفسى محظوظا لأننى صرت قارئاً جيداً للشعر، اعتزازى بذلك أكبر من اعتزازى بكونى شاعرا، وقد حرصت فى الكتاب على طرح هذا الإيمان القوى بقيمة الشعر وجدواه فى وقتنا الحالى، وكل الأوقات. 


 أنت أحد المهتمين بقضايا صعيد مصر، وأطلقت مبادرة لمواجهة العنف، حدثنا عن «القربان البديل» كتابك الذى رصد تلك الظاهرة، والذى تتصدى فيه للعنف، وتؤكد على قيمة التسامح؟ 

جعلنى الشعر منفتحا على عوالم الصعيد، وعلمنى كيف أرصد وأتأمل وأتفاعل مع الحياة بعمق، وكانت الخصومات الثأرية أكثر ما يؤلمنى، فأخذت أتابع أحداثها، حزينا بسبب القتلى، وسعيدا بسبب اكتشاف فن من أعظم الفنون فى الصعيد، وهو فن المصالحات الثأرية، الفن الذى يجعلك تسامح قاتل والدك أو ولدك، وتعانقه أمام الجميع. لقد شاهدت حالات كثيرة جدا من تلك المصالحات.

 

وكنت أرتجف وأبكى عندما يقوم القاتل بمعانقة ولى الدم وسط تهليل وتكبير الأهالى، كنت أشعر بالمرارة وأنا أتابع التكريس لصورة الصعيد بوصفه رمزا للعنف، وتجاهل صورته بوصفه رمزا إنسانيا كبيرا للتسامح، وبمرور الوقت، تحول التأمل الجمالى لعالم الصعيد إلى دراسةٍ وبحث، وكان «القربان البديل» أول نتائج تلك الدراسة، حيث قمت بتحليل المصالحات الثأرية بوصفها طقوسا.

 

وقمت بتقسيمها إلى ما يقرب من عشرين وحدة طقسية، وقمت بوصفها وتحليل أبعادها الرمزية، والبحث فى جذورها وهويتها الحضارية البعيدة، والكتاب جزء من مشروع عن ثقافة الثأر يتكون من عدة أجزاء، ما زلت أعمل فيه.


 نرى احتفاءك بالأسطورى والخارق وارتباط الإنسان بالأساطير فى كتابك «الجميلة والمقدس» والذى يحمل قراءات لبعض النصوص الشعرية التى حملت فكرتك، فهل كان ارتباط الإنسان بالأسطورة أحد سبل الهروب من قسوة الواقع؟ 


يمكن أن تكون الأسطورة مسلكا للهرب من الواقع، لكنها من أهم مسالك تحدى الواقع وتجاوزه أو الانتصار على تحدياته، وعلى مدار قرون طويلة، هى الأكبر فى مسيرة الإنسان، كانت الأسطورة هى البوابة الأساسية لظهور الثقافات والحضارات التى صنعت الفارق الكبير بين عالمنا والعالم الحيوانى، وسوف يظل الأسطورى حاضراً فى المسيرة الإنسانية، وسوف يظل الإنسان فى أفضل حالاته، عندما يحقق التوازن والتناغم بين جناحيه الأسطورى والعقلاني.


 تمر قصيدة النثر الآن بمنعطف خطير من أجل إثبات حضورها فى المشهد فى ظل تداخل الأجناس الأدبية، كيف ترى مستقبل قصيدة النثر وأنت أحد رموزها؟ 


لا تشغلنى الأشكال، أبحث عن الشاعر الحقيقى، وعند العثور عليه أجد فيما يكتبه شيئا جديرا بالانتباه، والحفاوة. أزمتنا الحقيقية فى ضعف قدرتنا على بناء الشاعر الحقيقى، وقدرتنا الهائلة على تكوين الشعراء السطحيين. قصيدة النثر تمنح الشاعر حرية كبيرة وغير مسبوقة، الحقيقى يصنع منها ذهبا، والزائف ـ ضعيف الوعى والروح ـ يصنع منها وحْلا.

ويبقى مستقبل قصيدة النثر أكبر من حاضرها، فى ظل تمهيد الأرض أمامها بشكل أفضل من السابق، وقدرتها على إغراء المبدعين بالحرية التى تمنحها، وكل الأمور تظل مرهونة ببناء شاعرها، ومدى جديته، ووعيه، وإخلاصه للشعر، واهتمامه بكل ما يجعل منه حقيقياً بدرجة أكبر وأعمق.


 ما الجديد لديك خلال الفترة المقبلة؟ 

أنتظر طبع عمل شعرى، كما أنتظر طبع كتاب لى عن طقوس القتل الثأرى بعنوان (ميزان الدم)، وأعكف حاليا على وضع اللمسات الأخيرة لكتاب بعنوان «الطقس والقانون».

اقرأ أيضا | الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية: نعمل على مواد تسمح بتشغيل الكمبيوتر بحرارة الجسم