كنوز| أدب رمضان

عباس محمود العقاد
عباس محمود العقاد

عباس محمود العقاد

أدبه أدب الإرادة، وحكمته حكمة الإرادة، وليست الإرادة بالشيء اليسير فى الدين، والخلق فى الدين.


وما الخلق إلا تبعات وتكاليف، ومن ملك الإرادة فإن زمام الخلق جميعا بين يديه.


ومزية رمضان أنه فريضة اجتماعية مع فرضه على أحاد المكلفين.


فهو موعد معلوم من العام لترويض الجماعة على نظام واحد من المعيشة، وعلى نمط واحد من تغيير العادات، وليس أصلح لتربية الأمة من تعويدها على هذه الأهمية للنظام.


ولتغيير العادات شهر فى كل سنة، تتلاقى فيه على سنن واحدة فى الطعام واليقظة والرقاد، وبما يستتبع ذلك من أهمية الجماعة كلها لهذا الشهر خلال العام.
الصيام على اختلاف أنواعه، وليس أكثر من أنواع الصيام هذه الأيام، سواء كان لاجتناب السمنة لدى الجنس اللطيف أو حرصا على الرشاقة، أو لإصلاح المعدة، أو الصيام السياسى «الاحتجاج على معاملة أو رأى»، أو الصيام للبخل والتوفير، أو صيام اليوجا وعادات المتصوفين والنساك.


إذن ليس زماننا زمان الإعراض عن الصيام كأنه عادة من عادات الأقدمين التى عفا عليها الدهر - كما يقولون - بل هو يزيد فيه ألوان الصيام، ولا تنقص فى علمنا من عصر قط استحق أن يسمى عصرا صياميا كالعصر الذى نحيا فيه.


والصيام على اختلاف أنواعه التى ذكرناها ليست هى كل الصيام الذى ينشغل به أبناء العصر الحاضر، فتلك جميعا أنواع جسدية تراد لحفظ الصحة أو حفظ الرشاقة والقوة وغيرها.


وكثيرا من أنواع الصيام يدرسها أبناء العصر الحاضر، ولا يطلق عليها وصف الأنواع الجسدية، لأنها تراد لتربية الخلق ورياضة النفس، وتعويد الإنسان على أن يملك عاداته كما يشاء.


والصيام الذى فرضته الأديان أحق هذه الأنواع بالبحث عن دواعيه ومعانيه.


وحكمة الصيام فى الأديان الكتابية هى للتكفير عن الخطايا والسيئات وتربية الأخلاق.


أما الدين الإسلامى فهو الدين الوحيد الذى فرض كتابه الصيام فترة معروفة من الزمن، ولا خلاف بين الأئمة فى الحكمة المقصودة بهذه الفريضة وهى تقويم الأخلاق وتربيتها، وإن تعددت الأخلاق التى تذكر فى هذا المقام.


فقد يعلم صيام الغنى الرحمة بالفقير.. ولكنه مقصد لا يشمل الأغنياء فقط.. 


وكما ينبغى فى كل فريضة عامة لا تختص بإنسان ولا بطائفة دون أخرى من المسلمين.


أما الخلق الذى يعم الأغنياء والفقراء، ولا يستفاد من فريضة عامة كما يستفاد من الصيام، فهو الإرادة، وهى ألزم الصفات لكل إنسان، 
ولا قوام للفضائل والفرائض جميعا بغير هذه الإرادة، إذن الإرادة هى فضيلة الفضائل فى الصيام، ومتى عرفت هذه الحكمة فآداب رمضان كلها محصورة فى معناها.


وليس من أدب رمضان أن يململ الصائم، أو يتجهم كأنه مكره عليها مطيع لها بغير رضاه.


وليس من أدب رمضان أن يقضى صيام نهاره فى النوم تاركا الطعام. 


وليس من أدب رمضان أن يفرط الصائم فى الطعام والشراب بعد غروب الشمس وحتى موعد الإمساك. 


وليس من أدب رمضان صيام المريض معرضا نفسه للتهلكة إذا كانت لا تجب الفريضة عليه.


مجلة «الهلال» - رمضان 1955

اقرأ أيضا

كنوز من القرآن والسنة l التوبة إلي الله .. فيديو