عبد الهادي عباس يكتب: تشكيل الوعي الإعلامي عند أبناء العصر "الكوروني"!

عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس

انفلت الزمام ولم نعد نسيطر على أبنائنا؛ تلك هي الحقيقة الواضحة التي لا يُريد أن يعترف بها أحد، ورغم أن عندي ولدين فقط، مقارنة بي وإخوتي، أربعة أفراد، أو بأبي وإخوته، ثمانية أفراد، فإن تربية الأبناء تزداد صعوبة وكأنك تصعد إلى قمة الهرم بقفزة واحدة!
خلقت فترات الحظر الطويلة العامين الماضيين بسبب فيروس "كورونا" علاقة وطيدة بين الأطفال والتلفزيون والإنترنت، زادت بصورة لافتة عما كان موجودًا من قبل، مما يعطي افتراضات منطقية عن سلوكيات أبنائنا خلال السنوات المقبلة، بعدما تسبب هذا الزحام المرئي في السيطرة على الوعي وتشكيل أفكار جديدة ربما يُصبح من الصعب تغييرها أو إعادة ضبطها خلال أوقات قريبة، وهو الأمر الذي يُعيد طرح أفكار نادى بها الكثير من التربويين عن ضرورة تدريس الإعلام في مراحل التعليم الأولية.
المسئولية التربوية تقوم على الأسرة في المقام الأول، ولا نريد أن نلقي باللائمة دائمًا على الإعلام لنخرج من مسئولياتنا الشخصية؛ بعدما تراجع الدور التربوي للآباء بسبب انشغالهم بلقمة العيش؛ وإذا أردنا أن نعيد القيم والأخلاق في التربية عند الأبناء فلا بد أن يكون للأب والأم دور كبير في تنشئة الأولاد؛ وإلا سيكون أبوهم الثالث هو التلفزيون والكمبيوتر ووسائل التواصل الاجتماعي التي أصبحت المُعلم الحقيقي لهذه الأجيال المُستلبة.
أعتقد أنه إذا قمنا بتحصين أبنائنا بالقيم والأخلاق الحسنة، وهو جهد ليس هينًا، فيجب ألا نخاف عليهم من التلفزيون أو الكمبيوتر أو وسائل الإعلام الحديثة، بمعنى أنه إذا علمت ابنك الأمانة فمهما شاهد من ممارسات تحض على خيانة الأمانة أو لا ترتبط بالأمانة لن يتأثر بها أو تهتز عنده هذه القيمة التربوية المهمة، لأنه قد تحصن بها من والديه اللذين هما أكثر الناس قربًا له؛ فالبيت والأسرة هما العمود الأساسي في التربية؛ فيجب ألا نحمل كل شيء على الإعلام على الرغم أن الإعلام قد يقدم سلبيات كثيرة ومؤثرة، ومن ثم نفهم لماذا يطالب التربويون بإدخال مناهج التربية الإعلامية في المدارس؛ وهذه الفكرة تقوم على تعليم الطفل كيف يختار المادة الإعلامية التي يشاهدها، مع تعليمه النظرة النقدية لكل ما يقرأه أو يشاهده، حتى لا يسلم بصحة وبصدق كل ما يراه؛ وهذا منهج يطبق في أغلب دول العالم المتقدم، ليتعلم الطفل كيف يتعامل مع الوسائل الإعلامية المختلفة؛ لأنه يوجد الآن زحام إعلامي شديد، آلاف القنوات والصفحات الإليكترونية بلغات عديدة ومضامين متنوعة ما بين الجيد والرديء، فكيف نعلم أبناءنا كيف يتسقون مع ما يشاهدونه وبين القيم التي تعلموها وشكلت وجدانهم، لذا يجب أن يتعلم الطفل مبادئ التربية الإعلامية، مثل: كيف ينتقد وكيف يفكر وكيف يختار، حتى لا يكون التعرض للأدوات الإعلامية عشوائيا بالنسبة للطفل؛ ودور الأسرة يأتي هنا في توجيه الأبناء إلى كيفية الاختار بين ما يعرض في الوسائل الإعلامية.
حتى في الكرتون والأفلام المدبلجة أصبح العنف هو الغالب عليها، وأصبحت اللعبة الأفضل عند أبنائنا هي المسدس والكلاش، وأقسم أنني لا أعرف حتى نصف ما يعرفه ابناي عن أنواع الأسلحة والقنابل والقناصات والدبابات والطائرات؛ إضافة إلى آخر لحظة في حياة مو صلاح وميسي ورونالدو؛ في الوقت نفسه الذي يحفظون فيه بعض سور القرآن أو الدروس المدرسية بشق الأنفس، وبالعين "الحمرا".. ولهذا علينا أن نعترف بهذا الخلل المبثوث في الكثير من البرامج التي يغلب عليها المضمون المنافي للقيم والسلوكيات الخاصة بتراثنا المصري، مثل الكرتون المشبع بالعنف والقتل والقيم الغربية، إضافة إلى الكرتون الذي يحمل اللهجة الخليجية، ونحن بالطبع مع الانفتاح على القيم الأخرى والحضارات المتنوعة ولكن يجب أن نأخذ منها ما يوافق مبادئنا، ومن يُشاهد بعض الأعمال المدبلجة سيجد أنها لا تصلح للطفل المسلم أو المصري أو العربي، فلا بد من سياسات تحكم هذه البرامج بما يجعلها قادرة على التنشئة السليمة من الناحية السلوكية والتربوية للأبناء، لأنه ما يبنيه مضمون قد يهدمه مضمون آخر.