فتوى جدلية| «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله»

فتوى جدليه
فتوى جدليه

ما المقصود بقول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ..» يجيب عن هذا السؤال د.شوقى علام، مفتى الجمهورية:

الأمرَ الواردَ فى الحديث الشريف صادرٌ من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ قال العلامة بدر الدين العينى فى «عمدة القاري» عن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم «أُمِرْتُ»: «لا آمِر للرسول صلى الله عليه وآله وسلم غير الله تعالى، وَالتَّقْدِير: أمرنِى الله تعالى».. والجَديرُ بالملاحظة أن الأمرَ بالقتال لم يرد بصيغة (أمرتم) أو (أمرنا) أو (أمركم).

بل جاء بصيغة «أُمِرْتُ»؛ مما يدل على أن الأمر من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم جاء على جهة الخصوص، دون غيره من أمته.. وإذا كان الأمر بالقتال قد توجه إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم على جهة الخصوص؛ فإنما توجه إليه من حيث كونه صلى الله عليه وآله وسلم إمامًا، لا من حيث كونه نبيًّا ولا رسولًا؛ أوضح ذلك المعنى الإمام القرافى فى.

«الإحكام فى تمييز الفتاوى عن الأحكام»، فقال: «وأما تصرفه صلى الله عليه وآله وسلم بالإمامة فهو وَصفٌ زائد على النبوة والرسالة والفتيا والقضاء؛ لأن الإمَامَ هو الذى فُوضت إليه السياسة العامة فى الخلائق، وضبط معاقد المصالح، ودرء المفاسد، وقمع الجناة، وقتل الطغاة.. إلى غير ذلك مما هو من هذا الجنس».


إذًا: فالأمر بهذا القتال خاص بالإمام ولى الأمر؛ بدلالة قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ»، ومن ثَمَّ؛ فقد تقرر فى الشرع الحنيف أنه لا يجوز لأحدٍ الجهاد إلا تحت راية ولى أمر الوقت الحاضر فما فعله عليه السلام بطريق الإمامة؛ كقسمة الغنائم، وتفريق أموال بيت المال على المصالح، وإقامة الحدود، وترتيب الجيوش، وقتال البغاة..

ونحو ذلك: فلا يجوز لأحدٍ الإقدام عليه، إلا بإذن إمام الوقت الحاضر؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعله بطريق الإمامة، وما استبُيِح إلا بإذنه، فكان ذلك شرعًا مقررًا؛ لقوله تعالى: ﴿وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ «الأعراف: 158».. وبنظرةٍ فَاحصةٍ على دلالة التعبير بكلمة «أقاتل» الواردة فى البيان النبوى الشريف والتى تعنى رد ومقاومة العدوان؛ يتبين أنها وردت على وزن «أفاعل» من المفاعلة، التى تدل على مشاركة فى الفعل بين طرفين: أحدهما، المبدوء بالقتال ويُسمى (مُقَاتِلًا) لدى نهوضه للمقاومة والدفاع، والآخر البادئ بالعدوان، وفى هذه الحالة يُسمَّى (قاتلًا).

وعلى هذا، فهناك فرق كبير فى المعنى بين التعبير بكلمة «أقاتل» التى تشير إلى الدفاع والمقاومة ردًّا للعدوان، وبين لفظة «أقتل» التى تعنى البدء بالعدوان والمبادرة بالهجوم بقصد القتل؛ لذلك عَدَلَ البيان النبوى الشريف عن التعبير بها؛ وهذا الفرق الشاسع بين المعنيين لا يخفى على إدراك العربى الفصيح.


كذلك يصحّ على هذا الأصل أن يُفهَم من قول النبى صلى الله عليه وآله وسلم: «أُمِرْتُ أَن أُقَاتِل..» معنى المقاومة والمدافعة لرد المعتدى لا قتله، ولا يصحّ أن يُفهَم منه معنى التعدى أو العدوان؛ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل (أُمِرتُ أن أقتل).