العائدون للإدمان بعد التعافي.. انتكاسات متتالية والمصحات ليست الحل

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية

◄ 50% من المنتكسين يعانون من اضطرابات نفسية متنوعة 

◄ فتاة تتحول إلى بائعة هوى بعد الانتكاسة.. وشخص أصيب بفيروس الإيدز.. وجلطة الشاب الثلاثيني وهروب زوجته

◄ أستاذ علاج الإدمان بمستشفى العباسية: أغلب المدمنين ممن تقدموا للعلاج عادوا للتعاطي مرة أخرى
 

مع أول خطوة يخطوها المتعافي من الإدمان خارج مصحة العلاج، يبدأ خوض تحدي جديد في حياته، فإغراء العودة إلى نشوة المخدرات مجددا تحتاج لإرادة تقاوم هوى العودة للتعاطي وجلسات الأنس مع رفقة السوء.
 
مواقف شبه يومية تشهدها بوابات مصحات الإدمان الحكومية والخاصة لمتعافين انتكسوا وعادوا مرة أخرى لعالم الإدمان، لتكتب حكايات لأشخاص اختلفت قصة كل منهم مع الإدمان والتعافي، لكن القاسم المشترك أنهم في نهاية المطاف عادوا لتعاطي المخدرات بجميع أنواعها..

«بوابة أخبار اليوم » تستعرض قصص الانتكاسة مرة أخرى وكيف أودى البحث عن اللذة الوصول إلى بوابة الجحيم.

لم تتوقع الفتاة العشرينية "م.أ" ذات الـ 24 عاماً من محافظة الإسكندرية، أن تنجرف وراء إدمان المخدرات، حيث تميزت طيلة حياتها بالحيوية والنشاط والإقبال على الحياة، حتى جاء الاحتفال بليلة رأس السنة مع أصدقائها في إحدى النوادي الليلية، ليكون الباب الخلفي للتعرف على مخدر الـ«شابو».

كالسحر بدأ المخدر يغري الفتاة العشرينية بعدما خاضت التجربة لأول مرة وشعرت بلذة مختلفة للحياة، لتقرر أن تجرب مرة أخرى فقط وتتوقف بعدها، ولكن الشعور بالنشوة الذي تخلل جسدها جعلها تستمر في التجربة مرة وراء أخرى، حتى باتت مدمنة تسرق أموال والدتها وتصرف راتبها في حفلات التعاطي.

لم تتقبل أسرة الفتاة "م.أ" تعاطي ابنتهم للمخدر وقرروا أن تعالجها حتى تتخلص من تلك السموم وتعود لحياتها الطبيعية، وبعد فترة من الاحتجاز بمستشفى العباسية لعلاج الإدمان والخضوع للعلاج، خرجت للحياة مرة أخرى متعافية من أثر المخدر، ولكن بعد سنوات من التعافي تعرضت لأزمة عاطفية جعلتها تبحث عن أصدقاء جدد يخرجونها من حالة المزاج السيء، فوجدت رفقاء السوء والذي سهلوا وصولها لأكثر من نوع مخدر، لتتحول حياتها من فتاة بسيطة تعمل في إحدى شركات الدعاية والإعلان إلى فتاة تعمل بـ"الدعارة" وتحمل جميع الأمراض الجنسية، لتوفر مصاريف المخدرات.

إقرأ أيضاً: الخط الساخن لمكافحة الإدمان.. مشوار الألف ميل للتعافي يبدأ بمكالمة

أما الشاب الثلاثيني "ع.أ" كانت حياته الأسرية مستقرة لديه أبن لم يتخط الـ5 سنوات وزوجة يحبها، يعمل من أجل توفير احتياجاتهم البسيطة، لتنقلب الحياة فجأة بعد تعرضه لأزمة مالية كبيرة، تسببت في ترك عمله، والبحث عن عمل آخر.

لم يتحمل الشاب الثلاثيني أنه فقد وظيفته والعمل بإحدى تطبيقات نقل الركاب دون تخصصه الذي عمل فيه طيلة 10 سنوات من حياته، حتى أقبل على الإدمان مخدر "الأستروكس" حيث أقنعه البعض أنه مختلف عن باقي أنواع المخدرات ولا يسبب الإدمان الكامل فمثله مثل الحشيش ينعش المزاج فقط.

تكرر إقبال الشاب "ع.أ" على الإدمان وانساق وراء أكثر من نوع مخدر وبدأ في بيع أملاكه بدأ بسيارته التي كان يعمل عليها، ثم توالى بيع الشقة التمليك والانتقال إلى شقة إيجار، وبعد تدخل الأسرة والزوجة اقتنع الشاب باللجوء لإحدى المصحات الخاصة لعلاج الإدمان، وبعد 3 أسابيع بدأ الشاب يظهر عليه علامات انسحاب المخدر والتماثل للشفاء.

شهر واحد فقط واستطاع الشاب الخروج من المصحة كمتعافي من الإدمان، ولكن الحقيقة كانت مخفية، فبعد الخروج مباشرة بحث عن الترامادول ولم يستكمل الكورس العلاجي والمتابعة لإستكمال التعافي، لتعود حالته إلى الأسوأ خصوصاً بعد تعاطي مخدر "الكريستال ميث" التي تسبب فى حالة من الهلوسة ممزوجة بالنشوة، وهي مادة شديدة التأثير على مراكز المخ والإحساس مما عرضة لجلطات عديدة تسببت في عدم تعافيه، وتدهور حالته الصحية، وتفكك الأسرة وهروب الزوجة  بعد تعرضها لضرب مبرح نتيجة اعتراضها على الإدمان.

بينما بدأ "وليد.أ" من مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية أول تجارب المخدر بالحشيش فالمعروف عنه بالخطأ أنه لا يسبب الإدمان، فهو مخدر المزاج فقط، ظل ذلك لأكثر من 10 أشهر، يذهب إلى جلسات الأنس والحشيش مع أصدقائه بعد انتهاء فترة عمله على التوك توك، حتى بات يدمن الحشيش فلا شئ يحسن المزاج غيره.

لم تستمر الأمور على الحشيش فقط، فبعد تلك المدة اتجاه وليد لإدمان الهيروين وتعاطي الحقن المخدرة، حتى افتضح أمره وسط عائلته، وتعنيفه للذهاب إلى مصحات علاج الإدمان والتعافي.

علاج وليد لم يكن سهلاً كما توقع، حيث تسبب له تعاطي الحقن المخدرة "الهيروين" خلل في مستويات الدوبامين في المخ، لتستمر رحلة العلاج أكثر من عام كان في كل مرة يخرج بها خارج أسوار المصحة متعافي يعود إليها ثانية بسبب انتكاسة شديدة وتعريض أسرته للخطر بسبب إصابته بفيروس الإيدز.

«أغلب المدمنين ممن تقدموا للعلاج عادوا للتعاطي مرة أخرى».. هكذا وصفت الدكتورة شيرين دحروج أستاذ علاج الإدمان والأمراض النفسية بمستشفى العباسية، أغلب حالات المدمنين، وذلك بسبب عدم إيمان الشخص المدمن ورغبته في العلاج.

وتابعت، أن أغلب حالات المتعاطين التي تدخل المصحات تأتي لإرضاء المحيط حوله فقط، ومحاولة كسب ثقة الأهل والأصدقاء فيه ليدخل في دوائر تعاملاتهم ثانياً بعد الرفض الذي يتعرض له طيلة فترة الإدمان والتعاطي.

وتشير دحروج إلى أن التنشئة والحياة الاجتماعية منذ الصغر تلعب دور كبير في تكوين البناء النفسي للمدمن، فجميع المدمنين لديهم أسباب في تكوين شخصياتهم أما أنه تعرض لقسوى شديدة أو أنه يكون مدلل بشكل كبير، أو تعرض لأسباب نفسية في الصغر لعبت دور في الإقبال على الإدمان.

وتنوه أستاذة علاج الإدمان أن المواد المخدرة ذات التركيب الكيميائي التي انتشرت مؤخراً تسبب خلل في كيمياء المنظمة للمخ، حتى يصبح مريض نفسي مع مريض إدمان، وهذا يفسر الأعمال الغريبة التي قد يقوم بها.

وتوضح دحروج أن الاستمرار على الدواء ومتابعة حضور مجموعات الرعاية المهارية للمتعافي للحفاظ على ذات أهم خطوات حتى لا يتعرض المريض للإنتاكسه مرة أخرى، مؤكدة أن الغالبية العظمى من المتعافين لا يلتفتوا للمتابعة أو الاستمرار.

رضوى سعيد عبد العظيم استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان بالقصر العيني، تقول أن الانتكاسة جزء لا يتجزأ من مرض الإدمان، فمنذ الوهلة الأولى في تعاطي المخدر يجب أن يحمل المدمن أو المتعافي أنه سوف يعاني مدى الحياة ويجب أن يذكر نفسه دائماً  أنه متعاطي متعافي حتى لا يتعرض للإنتاكسه مرة أخرى.
موضحة أن 50% من الحالات الإدمان تصاحبها أمراض نفسية لا تعالج، أما الاضطراب الذهاني أو الاضطراب الانفصالي أو اضطراب في الشخصية، وهو لا يقل وطأة عن الإدمان، لذا لا يدرك افعاله ويعود سريعاً إلى التعاطي مع أي موقف نفسي بسيط يتعرض له.

وتضيف رضوى أن  كل أنواع المخدرات تسبب تدمير في خلايا المخ وبالتالي القدرة على التعافي قد تكون قليلة لعدم وجود الثبات والتماسك على عدم الانجرار وراء المخدرات مدى الحياة.