زيارات شكرى لروسيا وبولندا وأمريكا تعكس الحياد والحكمة

الدبلوماسـية المصرية تطرح رؤيتهـا فى واشـنطن وموسكو لنزع فتيل الصراع

لقـــاء سـامح شـكرى ولافـــــــــروف
لقـــاء سـامح شـكرى ولافـــــــــروف

كتب: أحمد جمال

مصر تنقل وجهة نظر عربية تؤكد على ضرورة إنهاء الحرب والانخراط فى الحل السياسي

 

السفير حجازى: شكرى نقل ما استمع إليه من روسيا وأوكرانيا للإدارة الأمريكية

 

السفير العرابى: يستكشف الموقف الأمريكى من تطورات الأزمة وسبل الحل السياسى

 

حصدت الدبلوماسية المصرية ثمار توازنها الاستراتيجى مع القوى الإقليمية الفاعلة على مدار السنوات الماضية وهو ما سمح بأن يكون وزير الخارجية سامح شكرى متواجداً فى العاصمة الروسية موسكو ضمن الوفد العربى الذى ناقش الطرح الذى تقدمت به جامعة الدول العربية لإنهاء الحرب الأوكرانية، مطلع الشهر الجارى، قبل أن ينتقل إلى واشنطن لتكون القضية ذاتها حاضرة فى النقاشات والاجتماعات التى عقدها مع أطراف أمريكية عديدة على رأسها وزير الخارجية أنتونى بلينكن.

 

منذ أن بدأت الحرب الروسية الأوكرانية بدا واضحًا أن هناك محاولات لجذب الموقف المصرى تجاه أى من الطرفين والأمر ذاته تعرضت له كثير من الدول العربية، إلا أن الرأى القاطع جاء بالوقوف على أرضية محايدة والتعبير عن المبادئ الحاكمة للدبلوماسية المصرية، ولم يكن الموقف المصرى وليد تطورات الحرب وتداعياتها بل إنه جاء استكمالاً لرؤية مصرية تم تدشينها منذ تولى الرئيس عبدالفتاح السيسى السلطة وسمحت بأن يكون هناك توازن استراتيجى بين الأطرف المختلفة بما ساهم فى الحفاظ على علاقات استراتيجية مع الولايات المتحدة وأخرى راسخة مع روسيا.

 

راهنت أطراف عديدة على عدم قدرة القاهرة على إحداث التوازن المطلوب فى العلاقة بين المحورين، غير أن الواقع يشير إلى أن الدبلوماسية المصرية نجحت فى أن تصعد بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والتى تمخض عنها عودة الحوار الاستراتيجى بين البلدين فى شهر نوفمبر الماضى، فى حين استطاعت فى الوقت ذاته أن تمضى فى طريق الحفاظ على علاقتها المستقرة مع روسيا وكذلك الصين.

الموقف المصرى المتوازن ظهر من خلال تأييد القرار الأممى المطالب بانسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، مع رفض توظيف العقوبات الاقتصادية ضد موسكو خارج إطار آليات النظام الدولى متعددة الأطراف من منطلق التجارب السابقة، والتى كانت لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية.

 

جاءت الحرب الروسية الأوكرانية على رأس ملفات النقاش سواء فى موسكو أو العاصمة البولندية وارسو وأخيراً واشنطن، الأمر الذى يؤكد على أن هناك موقفا مصريا مستقلا لحل الأزمة تسعى من خلاله للتشارك مع أصدقائها الإقليميين والفاعلين فى تطورات الصراع القائم، ويبرهن ذلك على أن هناك استماعا دوليا للحكمة المصرية فى التعامل مع الصراعات المختلفة.

 

بالطبع هناك تفاعلات عديدة فى تطورات الصراع الحالى ولا يمكن الجزم بقدرة أىأطراف على إنجاح جهود الوساطة الدبلوماسية لإيجاد حل سياسى بدلاً من تعقيدات الحرب الدائرة حاليًا، لكن أهمية التحركات المصرية تتمثل فى التأكيد على أبعاد الموقف المتوازن بين كافة الأطراف وتدعيم آليات الحفاظ على المصالح الاستراتيجية مع البلدان المتصارعة، وتوصيل وجهات نظر عربية وإقليمية لديها رغبة حثيثة فى إنهاء الحرب التى تخلف تبعات اقتصادية وأمنية خطيرة تقوض الاستقرار وتؤدى لمزيد من العنف والتوتر، والانخراط بشكل فاعل فى مفاوضات الحل السياسى.

 

عقد وزير الخارجية سامح شكرى جلسة مباحثات مع نظيره وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، الأسبوع الماضى حيث تم تناول الأوجه المختلفة لعلاقات التعاون الثنائى بين البلدين فى إطار العلاقات الاستراتيجية التى تجمعهما، فضلاً عن مناقشة عدد من القضايا الدولية والإقليمية التى تهم البلديّن، وذلك خلال ثانى أيام زيارة شكرى للعاصمة الأمريكية واشنطن.

 

وصرح السفير أحمد حافظ، المُتحدث الرسمى باسم وزارة الخارجية، بأن الوزيرين أعربا عن اعتزازهما بهذا العام باعتباره يمثل الذكرى المئوية للعلاقات بين البلدين، حيث أكد الوزير شكرى خلال جلسة المشاورات على أهمية مواصلة تكثيف التشاور والتنسيق بين البلدين إزاء ملفات العلاقات الثنائية المختلفة والقضايا محل الاهتمام من الجانبين، والسعى لمواصلة تعزيز آفاقها بالشكل الذى يحقق مصالح البلدين والشعبين الصديقين على كافة الأصعدة.

إقرأ أيضاً | الرئيس الأوكراني : 20 ألف جندي روسي لقوا حتفهم في الحرب

وذكر البيان: أنه «تم التأكيد على الشراكة التاريخية القائمة على أُسس الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة وتنمية العلاقات فى كافة مناحيها السياسية والاقتصادية والثقافية. كذلك تناول اللقاء قضايا حقوق الانسان ومنظورهما إزائها، حيث أوضح الوزير شكرى أهمية التناول من منظور شامل ومراعاة خصوصية المجتمعات، والتعاون على أساس الاحترام المتبادل لتعزيز القدرات».

 

وأعرب الوزيران عن التطلع للاستمرار فى الدفع قُدمًا بمختلف ملفات التعاون التى تحظى باهتمام مصر والولايات المتحدة خلال الفترة المقبلة، وأضاف المتحدث الرسمى أن المشاورات شهدت نقاشاً حول آخر التطورات على الساحتين الدولية والإقليمية، واتفاقاً حول مواصلة العمل والتنسيق المشترك من أجل مواجهة التحديات التى تواجهها المنطقة، والحد من الآثار السلبية للأزمات التى يشهدها المحيطان الإقليمى والدولى وتبعاتها المتنامية.


وبحسب بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية فإن اللقاء بين شكرى وبلينكن ناقض التطورات العالمية، بما فى ذلك هجوم روسيا على أوكرانيا وعواقبها العالمية المتزايدة، بما فى ذلك ارتفاع انعدام الأمن الغذائى».

 

وأوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، أن الطرفين ناقشا الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة ومصر، مشيرا إلى أن 2022 يمثل 100 عام من العلاقات الدبلوماسية الثنائية»، وأشار: «وناقشوا الجهود المبذولة فى المجالات الرئيسية مثل الاستقرار الإقليمى والتعاون الأمنى، وكذلك الخطوات التالية لبناء لقاء النقب الناجح الوزارى».

 

وقال السفير محمد حجازى، مساعد وزير الخارجية الأسبق: إن زيارة الوزير سامح شكرى للولايات المتحدة تأتى فى توقيت شديد الأهمية حيث يمر العالم والمنطقة بظروف أمنية وعسكرية واقتصادية ضاغطة تحتاج استمرار التشاور والتنسيق بين القاهرة وواشنطن فى ضوء استمرار اللقاءات المتتالية بين وزيرى خارجية البلدين اللذين التقيا معاً قبل أسابيع فى اجتماعات النقب والتى تؤكد الأهمية التى توليها الإدارة الأمريكية بدول المنطقة.

 

وأوضح أن الزيارة كذلك تأتى فى ظل الضغوط المتزايدة على دول المنطقة سواء من النواحى الاقتصادية أو السياسية خاصة فى ضوء الزيارة الهامة التى شارك فيها وزير الخارجية ضمن وفد جامعة الدول العربية إلى روسيا والتى عرض الجانب العربى فيها رؤيته للحل السياسى، وأن شكرى بدوره نقل ما استمع إليه من الجانبين الروسى والأوكرانى للإدارة الأمريكية ووضع التصور المصرى لحل الأزمة بما لا يعرض مصالح الطرفين (الروسى والأمريكى) للخطر وبما لا يهدد الأمن والسلم العالميين لمخاطر إطالة أمد الحرب.

 

وشدد على أن زيارة شكرى لواشنطن تعكس عمق العلاقات المصرية الأمريكية واستراتيجيها، وأن الدول التى تنبى شراكتها على أسس راسخة تكون بحاجة إلى التعاون والتنسيق فى التوقيتات شديدة الخطورة، بخاصة أن مصر تلعب دوراً محورياً ليس فقط لتحقيق أمنها القومى ولكن على مستوى حفظ الأمن والسلم الدوليين، مشيراً إلى أن اللقاء تناول أيضَا مستقبل العلاقات مع مصر ودور الولايات المتحدة المستقبلى فى المنطقة فى ضوء الأزمة الأوكرانية.

 

وأكد أن توالى الزيارات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة يبرهن على المكانة التى تحظى بها مصر فى سلم أولويات الإدارة الأمريكية الحالية، كما أن لقاء شكرى بعدد من أعضاء الكونجرس ومجلس الشيوخ ومشاركته فى حلقة نقاشية بمعهد الشرق الأوسط فى واشنطن تناولت العلاقات بين البلدين يتيح فرصة مناسبة لعرض وجهة النظر المصرية سواء للأوضاع فى المنطقة أو الوضع الداخلى، وأنه نقل ما تتعرض له مصر ودول المنطقة من ضغوط تستدعى مساندة ودعم من الأطراف الدولية وعلى رأسها الولايات المتحدة.

 

وأشار إلى أن شكرى بحث كافة القضايا العالقة فى المنطقة وسبل الدفع بالعملية السياسية فى ليبيا بعد التعثر الذى شهدته مؤخراً وتطور الأوضاع فى اليمن بالإضافة إلى محورية القضية الفلسطينية، إلى جانب التطرق إلى علاقات الولايات المتحدة بدول المنطقة فى ضوء ما يتم تداوله حول قرب الوصول إلى اتفاق نووى مع إيران وتأثيراته على بلدان المنطقة وتحديداً دول الخليج.

 

من جانبه أوضح وزير الخارجية الأسبق محمد العرابى، أن الزيارة تتم فى أجواء دولية مضطربة فى ظل تصاعد الأحداث بين روسيا وأوكرانيا، وأن شكرى يستكشف الموقف الأمريكى من تطورات الأزمة الراهنة وسبل الحل وينقل إليه ما تطرقت إليه الاجتماعات فى روسيا وبولندا، مشيراً إلى أن مصر دائما ما تكون لديها رؤيتها المستقلة التى دائما ما تكون دقيقة فى مثل هذه الأحداث وتتبادلها مع الأصدقاء الإقليميين كما أنها تنقل إلى الولايات المتحدة تداعيات تطور الصراع الراهن وانعكاساته على أمن المنطقة والعالم أجمع، وهناك قناعة مصرية بأن صوت العقل والحكمة لابد أن يكون سائداً فى تلك اللحظة الفارقة بدلاً من انفراط عقد الصراع، موضحًا أن مصر لديها مبادئ واضحة أعلنتها من الأزمة منذ بدايتها وتتمسك بأسس دبلوماسيتها الراسخة وتحافظ أيضًا على مصالحها مع كافة الأطراف، الأمر الذى يجعل لها صوتاً مسموعاً أمام القوى الإقليمية المتعارضة تحديداً فى التوقيتات التى تشهد حالة من اضطراب الأوضاع.