«التوكل على الله» عنوان ندوة في ملتقى الفكر الإسلامي

 ملتقى الفكر الإسلامي
ملتقى الفكر الإسلامي

نظم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في ملتقي الفكر الاسلامي ندوة بعنوان: "التوكل على الله"، حاضر فيها كل من: الدكتورالسيد مسعد وكيل وزارة الأوقاف بمحافظة الجيزة، والدكتور كمال سيف مدير مكتب وزير الأوقاف، وقدم للملتقى الإعلامي عمر حرب المذيع بقناة النيل الثقافية.


وفي كلمته أكد الدكتور السيد مسعد أن التوكل من أعمال القلوب ولكن التَّوكل على الله لا يعني تركَ العبد للأسباب التي أقامها الله في هذا الوجود، وجعلها مظهرًا من مظاهر حكمته، وإلا فيتحول إلى التَّوَاكل المذموم شرعًا، بل إن من كمال التَّوكل على الله الأخذَ بالأسباب مع عدم الاعتماد عليها ، فعن جابر قال: قاتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) محارب وغطفان بنخل، فرأوا من المسلمين غِرة، فجاء رجل منهم يقال له غورث بن الحارث، حتى قام على رأس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بالسيف وقال: من يمنعك مني؟، قال: "الله" فسقط السيف من يده، فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) السيف وقال: "من يمعنك مني؟" قال: كن خير آخذ. قال: "تشهد أن لا إله إلا الله؟"قال: لا، ولكن أعاهدك على أن لا أقاتلك ولا أكون مع قوم يقاتلونك، فخلى سبيله، فأتى أصحابه وقال: جئتكم من عند خير الناس، مبينًا أن التوكل صفة من صفات الرسل (عليهم السلام) حيث يقول الله سبحانه عن نوح (عليه السلام) : "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ" ، ويقول سبحانه على لسان سيدنا موسى (عليه السلام): " قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ، ويقول سبحانه حكاية عن سيدنا هود (عليه السلام) : " قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" ، كما ضرب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أروع الأمثلة في صدق التوكل على الله (عز وجل) فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ (رضي الله عنه)، أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ (رضي الله عنه) حَدَّثَهُ, قَالَ: "نَظَرْتُ إِلَى أَقْدَامِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا, وَنَحْنُ فِي الْغَارِ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ أَبْصَرَنَا تَحْتَ قَدَمَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا؟".

 

اقرأ أيضا :- فيديو| الجندي: اختيار أحد علماء برنامجي لإلقاء خطبة الجمعة أمام الرئيس شرف كبير


وأكد أن المتوكل على الله يكفيه الله في جميع أحواله وشئونه ، قال سبحانه: "قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ" ، ومن كان الله كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوه، وأن الله يرزقُ المتوكلين من حيث لا يحتسبون، قال سبحانه: "ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ"، وهذا ما أكَّده حديث النبي (صلى الله عليه وسلم)، فعن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) يَقُولُ: "لَو أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُم عَلَى اللهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا"، وقد قرن الله سبحانه الصبرَ بالتَّوكلِ، قال سبحانه: "الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ" ، وقال سبحانه: "وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آَذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ"، مختتمًا حديثه بأن نصر اللهِ وتمكينه للمتوكلين، قال سبحانه:" إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ" ، فجمعَ اللهُ بين النصر والتوكل في سياق واحد؛ ليبين بأنَّ التوكلَ على الله والاعتمادَ عليه هو مفتاح النصر، كما أنَّ العِزَّةَ والرِّفعَةَ لمن توكَّل على اللهِ، قال سبحانه: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ"، إذ لتسليمُهُم لقضاءِ الله، والرِّضَا بمقدورِه، قال سبحانه:" قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ".
وفي كلمته أكد الدكتور كمال سيف أن التَّوكل خلق إيماني عظيم، أمر الله سبحانه عباده به ليعْتَمِدُوا عليه، ويُفَوِّضُوا أمورَهم إليه، فهو الوكيلُ جلَّ جلاله بتدبير أمورهم، ورعايتهم، وحفظهم، قال سبحانه: "وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ"، ، ومن ذلك أنه لما جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال له: أُرْسِلُ ناقتي وأتَوَكَّلُ؟ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اعقِلْهَا وتَوَكَّل"، داعيًا بقول الله سبحانه : "رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" ، مؤكدًا أن التوكل على الله مِن أعظم العبادات القلبيةِ في جميع الأمور؛ قال بعضُ أهل العلم : التوكُّل صِدْقُ اعتمادِ القَلْبِ على الله (عزَّ وجلَّ) في جلْب المصالح، ودفْع المضارِّ من أمور الدنيا والآخرة، وأن يَكِل العبدُ أمورَه كلَّها إلى الله، وأن يحقِّق إيمانه بأنه لا يُعطي ولا يمنع، ولا يَضرُّ ولا يَنفع، إلا هو، قال سبحانه: "وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ"، ومِن الناس مَن يترك فعلَ الأسبابِ كلها، ويدَّعي أنه منَ المتوكِّلين، ومنهم مَن يتعلق قلبُه بالأسباب، ويعتقد أنه لا يتمُّ له أمرٌ إلا بفعلِ سببٍ، وكلا الطائفتين قد جانبَتِ الصواب، والحق أن المتوكل حقيقة هو مَن فوَّض أمرَه إلى الله، ثم نظر: فإن كان هذا الأمرُ له أسباب مشروعة، فعلها؛ انقيادًا للشرع، لا اعتمادًا عليها، ولا انقيادًا لها، وإنما امتثالًا لأمْر الشارع، فإن لم تكُن هناك أسبابٌ مشروعة، اكتفى بالتوكل على الله، أما الطَّائِفَةُ الأخرى التي تعلَّقت قلوبُها بالأسباب، فقد ضعُف عندها الإيمانُ بكفاية الله سبحانه لمن توكَّل عليه، فتراها تجتهد في فعل الأسباب، وإن لم تكن مطلوبة شرعًا أو عقلًا، وقد أخطأ هؤلاء حين ظنُّوا أنه لا يتمُّ أمرٌ إلا بسببٍ؛ فالله (عزَّ وجلَّ) يُعطي ويمنع بسببٍ، وبغير سببٍ، مستشهدًا بآيات كثيرة أن في التوكل على الله كفايةً للعبد، قال سبحانه: "أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ " وقال سبحانه: "وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ" أي: كافيه.


مشيرًا إلى أنه يمكننا أن نرى قمة التوكل على الله في قصة أم موسى (عليه السلام) حين تصنع هذه المرأة صندوقًا خشبيًا صغيرًا لتضع فيه ابنها ثم تلقيه في هذا النيل الواسع ، وفيها يقول الحق سبحانه: "وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي اليَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ المُرْسَلِينَ" ، وقال سبحانه لمريم عليها السلام: "وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا " وهي الضعيفة الواضعة النفساء والنخلة لا تُهز وإن هُزّت لا يسقط ثمرها لكن أراد الله تعالى أن يعلمنا أن الأخذ بالسبب ولو كان ضعيفاً دون أن يُتَعَلَقَ به صاحبه تكون وراءه النتيجة المثمرة.