وداعـًا خير «رفيق»

أحمد الجمَّال
أحمد الجمَّال

ليس‭ ‬هناك‭ ‬أجمل‭ ‬من‭ ‬صديقٍ‭ ‬وفى،‭ ‬لكنه‭ ‬حين‭ ‬يرحل‭ ‬ويغادرنا‭ ‬فإنه‭ ‬يترك‭ ‬جرحًا‭ ‬غائرًا‭ ‬فى‭ ‬نفوسنا‭ ‬يصعب‭ ‬التئامُه،‭ ‬ويظل‭ ‬عزاؤنا‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬قدرا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬فى‭ ‬وجدان‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬عرفه،‭ ‬وصلواتٍ‭ ‬لا‭ ‬تتوقف‭ ‬لأجله‭.‬

قبل‭ ‬أيام،‭ ‬هاتفتنى‭ ‬صديقتى،‭ ‬رانيا‭ ‬الكردى،‭ ‬وهى‭ ‬ناشطة‭ ‬معروفة‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوان،‭ ‬تسبقها‭ ‬أناتُها‭ ‬قبل‭ ‬كلماتها،‭ ‬وتختلط‭ ‬دموعها‭ ‬بحلو‭ ‬الذكريات‭ ‬مع‭ ‬صديق‭ ‬وفى‭ ‬هو‭ ‬الدكتور‭ ‬رفيق‭ ‬ناشد،‭ ‬أحد‭ ‬أشهر‭ ‬الأطباء‭ ‬البيطريين‭ ‬فى‭ ‬مصر‭.. ‬لقد‭ ‬رحل‭ ‬الرجل‭ ‬مخلفًا‭ ‬وراءه‭ ‬إرثًا‭ ‬هائلًا‭ ‬من‭ ‬المواقف‭ ‬النبيلة‭.‬

بحكم‭ ‬قُربى‭ ‬من‭ ‬الناشطين‭ ‬فى‭ ‬دائرة‭ ‬حقوق‭ ‬الحيوانات،‭ ‬حيث‭ ‬أجريتُ‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬سنواتٍ‭ ‬عشرات‭ ‬التحقيقات‭ ‬التى‭ ‬تناولت‭ ‬قضايا‭ ‬تمس‭ ‬أوضاع‭ ‬هذه‭ ‬الكائنات‭ ‬الأليفة،‭ ‬فقد‭ ‬لمستُ‭ ‬كم‭ ‬التعاطف‭ ‬الكبير‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الطبيب‭ ‬الطيب،‭ ‬خصوصًا‭ ‬بعد‭ ‬نبأ‭ ‬وفاته‭ ‬المفجع،‭ ‬إذ‭ ‬تدفَّقت‭ ‬مئات‭ ‬التعازى‭ ‬على‭ ‬صفحات‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬فى‭ ‬وداع‭ ‬من‭ ‬وصفوه‭ ‬بـ«الرجل‭ ‬النبيل»‭.‬

روت‭ ‬لى‭ ‬صديقتى‭ ‬رانيا‭ ‬مواقف‭ ‬عديدة‭ ‬للدكتور‭ ‬رفيق،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬نصيب‭ ‬وافر‭ ‬من‭ ‬اسمه‭.. ‬كان‭ ‬خير‭ ‬رفيق‭ ‬لبنى‭ ‬الحيوان‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬خير‭ ‬رفيق‭ ‬لأصدقائه‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬لا‭ ‬يتأخر‭ ‬فى‭ ‬إغاثة‭ ‬أحدٍ‭ ‬يتألم‭ ‬أليفُه،‭ ‬ورغم‭ ‬أن‭ ‬عيادته‭ ‬فى‭ ‬منطقة‭ ‬الزمالك،‭ ‬فإنه‭ ‬كان‭ ‬يتحامل‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬ويذهب‭ ‬فى‭ ‬أحيان‭ ‬كثيرة‭ ‬بنفسه‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬أخرى‭ ‬بعيدة‭ ‬لإنقاذ‭ ‬روحٍ‭ ‬بريئة‭.‬

تذكرتُ‭ ‬طبيب‭ ‬الغلابة‭ ‬الراحل‭ ‬الدكتور‭ ‬محمد‭ ‬مشالى،‭ ‬وكيف‭ ‬ترك‭ ‬أثرًا‭ ‬طيبًا‭ ‬فى‭ ‬قلوبنا‭ ‬جميًعا،‭ ‬لأنه‭ ‬رفض‭ ‬الملايين‭ ‬واكتفى‭ ‬بمساعدة‭ ‬الفقراء‭ ‬فى‭ ‬عيادته‭ ‬البسيطة،‭ ‬وأدركت‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬أيضًا‭ ‬طبيب‭ ‬غلابة‭ ‬من‭ ‬نوعٍ‭ ‬آخر،‭ ‬اختار‭ ‬أن‭ ‬يغيث‭ ‬غلابة‭ ‬بنى‭ ‬الحيوان‭ ‬حتى‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬صاحب‭ ‬الحيوان‭ ‬غير‭ ‬قادر‭ ‬ماديًا،‭ ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬أعظم‭ ‬مقابل‭ ‬يتقاضاه‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬حيوانًا‭ ‬بلا‭ ‬ألم‭.. ‬وداعًا‭ ‬أسطورة‭ ‬الرحمة‭ ‬والإنسانية‭.. ‬وداعًا‭ ‬خير‭ ‬«رفيق»‭.‬