«حرب أوكرانيا» تسرع التحول للطاقة المتجددة فى أوروبا

«حرب أوكرانيا» تسرع التحول للطاقة المتجددة فى أوروبا
«حرب أوكرانيا» تسرع التحول للطاقة المتجددة فى أوروبا

كتبت : مروى حسن حسين

دفع الهجوم الروسى على أوكرانيا إدارة بايدن والدول الأوروبية إلى التوجه أكثر إلى الوقود الأحفوري، فى سباق لحجز إمدادات كافية من مصادر غير روسية، بما فى ذلك المزيد من الفحم، لضمان قدرتها على تدفئة المنازل ونقل البضائع خلال السنوات المقبلة. يأتى ذلك فى وقت تتخلف فيه كل من أوروبا والولايات المتحدة عن أهدافهما لتقليل انبعاثات الكربون بسرعة لتجنب أسوأ عواقب تغير المناخ.


يدعو أحدث تقرير صادر عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) إلى التحول الفورى إلى الطاقة المتجددة، ويقول إن العالم سيحتاج إلى امتصاص الكربون من الغلاف الجوى للبقاء فى حدود 1.5 درجة مئوية من الاحترار . أثار هذا التوتر القلق بين نشطاء المناخ .

الذين حذروا من أن المزيد من صادرات الوقود الأحفورى سيعنى المزيد من انبعاثات الاحتباس الحراري.. لكن بعض خبراء الطاقة يقولون إن هذه اللحظة تقدم أيضًا فرصة لتغيير المسار، من خلال توضيح أن الطاقة النظيفة ضرورية للأمن القومي.. وتتزامن أزمة الطاقة فى أوروبا مع التضخّم المستمر، وأزمة سلاسل التوريد العالمية وغيرها من المشاكل المتعلقة بجائحة كوفيد-19، التى هددت بالفعل الاقتصاد العالمي.


وتمثل أزمة الطاقة العالمية معضلة للقارة الأوروبية التى تعتمد على إمدادات الطاقة الروسية بنسبة 40%، ولا سيما الغاز الطبيعى الذى يستخدم لتوليد الكهرباء وتدفئة المنازل.


والآن، تخطط الولايات المتحدة لتعزيز شحنات الغاز الطبيعى المسال إلى أوروبا، للوصول لهدف 50 مليار متر مكعب أو أكثر سنويًا حتى عام 2030 على الأقل، للمساعدة فى تلبية طلب القارة المتزايد على الطاقة التقليدية.. أعلنت ألمانيا إطلاق برنامج ضخم للتحول إلى الطاقة المتجددة ستغطى نحو 2% من إجمالى مساحة البلاد، عبر بناء عدد كبير من التوربينات الهوائية، بالإضافة إلى نشر ألواح الطاقة الشمسية.. هذه هى المرة الأولى فى التاريخ الحديث التى تتلاقى فيها المصلحة الاقتصادية والجيوسياسية للدول الكبرى مع الدعوات لحماية البيئة والمناخ، فـ»التخلى عن إحراق الوقود الأحفورى على مراحل سيعزز أوروبا جيوسياسياً ويحمى المناخ» حسبما قال وزير الاقتصاد الألماني، ما يشكل فرصة حقيقية للبدء فى بناء اقتصاد أخضر ومستدام.


بالإضافة إلى الخطوة الألمانية المهمة، تقترح خطة المفوضية الأوروبية إجراءات مهمة على صعيد التحول نحو الطاقة النظيفة، يعتمد جزء منها على تشجيع البيوت لاعتماد الطاقة الشمسية، والبدء بتجهيز البنى التحتية من أجل التشغيل التدريجى للغازات البديلة.

وتتقاطع هذه الخطة مع خطة ألمانيا التى ستتخلى هى الأخرى عن الفحم بحلول 2030 وتخفض من حاجتها للغاز بنسبة الثلث، مما سينعكس بشكل ملموس على انبعاثات الكربون.. تعلن الدول الأوروبية هذه الأيام، تباعاً، خططاً طموحة للتخلى عن مصادر الطاقة الملوثة.

وتضخ المليارات فى سبيل التحول نحو طاقة نظيفة، تحقق لها قدراً أقل من الاعتماد على الخارج، وتمثل فرصة كبيرة للنمو الاقتصادي، حيث ستوفر هذه الخطط الآلاف من فرص العمل للمهندسين والعمال.

وتقلل من فاتورة الطاقة على المدى المتوسط والبعيد، وستنعكس لاحقاً بشكل إيجابى على المناخ وسلامة كوكب الأرض، ومثلما كانت صدمة انقطاع إمدادات النفط كنتيجة لحرب 1973 نقطة محفزة لدعم البحوث والخطط المؤدية إلى تنويع مصادر الطاقة.

ومن بينها الطاقة النووية والطاقة الشمسية، فإن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية ستمثل نقطة محفزة لتشييد البنية التحتية للاقتصاد الأخضر النظيف والمستدام.. وتخطط المملكة المتحدة لزيادة الاستثمار فى مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البحرية. وناقش المسئولون تشجيع المزيد من مزارع الرياح البرية، والتى واجهت فى بعض أجزاء البلاد، معارضة عامة وسياسية.


لم يتوقف الأمر عند خطط الحكومات والمفوضية الأوروبية، فاستجابةً للتوجهات الجديدة المتسارعة نحو الطاقة النظيفة بعد الحرب فى أوكرانيا، بدأت الشركات الكبرى السير بخطوات متسارعة، إذ أعلنت شركتا سونى وهوندا، العملاقتان اليابانيتان، بدء التعاون بينهما فى مجال إنتاج السيارات الكهربائية، كما طرحت شركة السيارات الأمريكية «جيب» خططاً لإنتاج مجموعة متكاملة من السيارات الكهربائية، فيما أعادت شيفروليه الأمريكية إنتاج سيارتها الكهربائية من طراز بولت.

وقررت فولكس فاجن الألمانية زيادة تمويل السيارات الكهربائية.. بالإعلان عن كل هذه الخطط من الحكومات والشركات، والأموال التى رصدت لغايات التحول نحو الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، يكون العالم قد دخل عصراً جديداً بشكل عجيب، وذلك لمفارقة أن الحرب لعبت فيه دور الداعية الأكبر للحفاظ على البيئة والتحول نحو الاقتصاد البيئى والمستدام.


اقرأ ايضا | الغذاء العالمي: مزارعوا أوكرانيا يحاربون روسيا.. والأسعار تواصل الارتفاع