محمد فاروق يكتب : أبريل الحزين .. «ورحيل أبى»

محمد فاروق
محمد فاروق

ثماني سنوات مرت على رحيل «أبى الحبيب» ، إنّ الكلمات لا تستطيع أن تعبر عن الحزن الذي يشعر به كلّ من فقد والده، فهو بمفرده من يعاني من الفقد والمعاناة في الحياة، كلما شعر بالشوق إلى من يصعب لقاؤه، ولن تكفي الكلمات في وصف مرارة فقده ، ولكن لا أملك سوى الكلمات البسيطة من صادق التعبيرات فلتكن هديتي لك يا أبي.

استمع :

«شهر ابريل من الشهور الحزينة بالنسبة لى لكثرة لحظات الوداع للأحباب خلال معظم ايام شهر ابريل .. «آه أيها الموت» .. أعلم أنك الحقيقة الوحيدة فى الدنيا ، ولكنك مؤلم عندما تفرقنا عن أغلي الأحباب وأعز الناس .. اللهم لا اعتراض علي قضائك. 


رحل أبى الحاج فاروق صادق صباح يوم ٢٠ أبريل لعام 2014 إلى دار الحق ، ترك لنا ما هو أغلى من المال ، ارثاً كبيراً من السيرة الطيبة العطرة والقلب المتسامح ، رحل عن دنيانا تاركاً حبه في قلوب بناته وعائلته وأصدقائه وكل من تعامل معه ،« أطيب الناس»، لأنه حمل قلباً من ذهب يسامح الجميع و يغفر لهم ، لم تؤذ أحدا بالقول أو الفعل، بل كان دائما مسامحاً حتى في حقوقه الشخصية ، وكان قلبه معلقاً بالمساجد والصلاة وعمل الخير، كان يمد البيت بالحب والعطاء والأمن والأمان ويحمل على عاتقه المسؤولية الكاملة . 


 كم افتقدك «أبى الحبيب» ، كان  فى عمر الــــ 62 سنة  وكأنه طفل كبير بقمة الفرحة والسعادة وانا اساعده بتجهيز شنطة السفر وارتداء ملابس الإحرام للذهاب الى تأدية مناسك الحج بمدينة مكة المكرمة ، كعادتة جاهز أول شخص فى الميعاد بالمطار مشتاقاً للذهاب ، قائلاً لى : خلى بالك على أخواتك ملهمش غيرك بعد ربنا ، وركز فى شغلك وتحقيق اهدافك وطموحاتك ، وعند عودتة من رحلته الروحانية وبداية رحلته العلاجيه مع المرض وكأنه يجهز نفسه للقاء الله وهو مطمئن ، كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَّنس . 


بعدها بأيام  طلب «أبى» منى ان أجلس واتحدث مع خطيب أختى ووالده للاتفاق على عقد القران واتمام الزواج ، فتعجبت يومها وقولتله ازاى وانت موجود ..اتحدث واتفق على كل شىء .. قالى نفذ اللى بقولك عليه وانا جنبك لا تقلق ، لم أكن أعلم بأننى سأكون وكيل أختى العروسة فى عقد قرانها بعد مرور سنة من رحيله وكانه يعلم بأنه راحل ، كان درساً قاسياً لى لم استوعبه الا بعد رحيلة وزواج أختى .

عادتة دائماً فى «نهار رمضان بعد صلاة العصر وسماع الشيخ متولى الشعراوى ، يقوم بتجهيز كميات من العرقسوس والتمر بكميات كبيرة وتوزيعه قبل اذان المغرب على جميع العائلة والجيران ، واقوم بعملية التسليم يداً بيد ، وهم يقولون لي ربنا ما يقطعها عادة سلم على «الحاج فاروق يحدث ذلك طوال الشهر الكريم وكأنة يعلمنى درساً بكيفية التواصل والشعور بالأخر ورسم ابتسامة على احبابه ساعة أذان المغرب  .

لم انسى أبى يوماً ونصائحه المستمرة لمواجهة الحياة ومشاكلها فكنت يا أبى حكيماً صادقاً فى النصح ، كان يقول لى أهم حاجة فى الدنيا رضا ربنا ومباركته ، وانك تحترم الناس وتحبهم ، وتعمل الخير وتصل رحمك على قدر امكانياتك عشان ربنا يكرمك ، الخدمة الحقيقية هي بذل النفس إلى حدّ التفاني من أجل الآخر، وأن يكون العطاء بغير حدود وبدون مقابل .

لا اتذكر كم من الاشخاص يأتون اليه يومياً لمشاورته فى امور حياتهم من كثرتهم ، كان ابى يسمع جيداً ويتحدث قليلاً ويتحرك ويسأل كثيراً  ، وأتذكر جلوسه فى أخر عشر الأواخر من شهر رمضان الكريم بالمسجد للمساعدة فى تسليم وتوزيع صدقات عيد الفطر على المحتاجين سراً من الفقراء والذهاب الى بيوتهم بنفسه وتسليم الامانة .


أبي الحبيب .. رحيلك آلمني وأوجعني أشد ما يكون الوجع، أحاول أن أستعيد قواي ونفسي منذ رحلت عنا ومازالت المحاولات تبوء بالفشل، فحزني عليك عظيم  ، واليوم أنا وحيد بدونك رغم كل من حولي من أقارب وأصدقاء، أحاول استعادة قواي ليس حبا في الحياة بل من أجلك أنت ، من أجل أن أفي بوعدي لك وأحقق أحلامنا وطموحاتنا التي طالما كنا نحلم بها معنا، وفرحنا بتحقيق البعض منها معنا .


أبى الحبيب .. اعلم بأن كلماتى لا يمكن قرأتها ولكن ارسل اليك مشاعرى فأعلم بأن الاموات يشعرون باحبائهم سلامى لك يا أبى وسلامى لزوج اختى الكبيرة الحاج أحمد فرج أخويا الكبير الذى سبقنا اليك  فى دار الحق أول أيام شهر رمضان الماضى يوم 13 ابريل 2021 ، فجعل من شهر ابريل لدينا الحزن الكبير ، اللهم بحق شهرك الكريم أن تجعل مرضه كفارة لجميع ذنوبهم، واجعل آخر عذابهم عذاب الدنيا، اللهم إن كانو في كفالتك وفي ضيافتك فهل جزاء الضيف إلا الإكرام والإحسان و أنت أهل الجود والكرم.