على مر التاريخ أصابعهم ملطخة بالدماء

لم يعد لغزًا.. الإرهابية وراء حريق القاهرة

 الإرهابية وراء حريق القاهرة
الإرهابية وراء حريق القاهرة

كتب : علاء عبد الكريم 

«ليس عليك هداهم، ولكن الله يهدي من يشاء»..، لكن كيف يهدي الله أنُاسًا خرجوا على هذا الهدي المبين، اتخذوا التعصب طريقة، والإرهاب وسيلة، والتآمر خطة، والتمرد سلاحًا، والاغتيال مباحًا.


كيف يهدي الله أنُاسًا حرفوا الدين، مشوهين لجماله ونوره، فعلوا مثلما فعل اليهود حينما «لفوا» الدين ووضعوه في تابوت ودفنوه واستراحوا.
قالوا كذبًا وافتراءً، أننا ندعو إلى الدين؟!، والجواب على سؤالهم؛ متى أباح الدين الاعتداء على الآمنين، أو الاغتيال للمطمئنين، أو قطع الطريق على السائرين، أو الترصد للعزل الهادئين، أو إشاعة الاضطراب والفزع بين المسالمين، أو بث الرعب والخوف بين المواطنين، فمنذ نشأة الجماعة الإرهابية من 94 سنة وهي تحيك المؤامرات وتخطط للتخريب والاغتيالات ضد المجتمع والأبرياء، ولكن حماة البلاد لهم عيونهم الساهرة دائمًا وابدًا، وجنوده الحارسون له، فلو عقلت هذه العصابة المارقة لفطنت كيف لجماعة إرهابية تواجه شعبًا بأكمله؟!

 

لطالما التصق طبع الخيانة والغدر بـ جماعة الإخوان الإرهابية على مر التاريخ؛ فرغم اتصالهم بالانجليز منذ اربعينيات القرن الماضي عن طريق محمد سالم الموظف في شركة النقل والهندسة، الذي كان حلقة الوصل بينهم وبين البنا عراب العنف ومؤسس شجرة الإرهاب الخبيثة في العالم؛ فبعد موقعة بيرل هاربر وهي الموقعة البحرية التي قصفت فيها البحرية اليابانية الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ، ورغم أن بيرل هاربر كان حادثا لم يثر ردود الأفعال في مصر وقتها سنة 1941 وربما لم يكن يهم رجال السياسة ولا القصر وقتها، رصدت المخابرات العسكرية البريطانية أن البنا وجماعته كانوا عاكفين على التجهيز لتخريب خطوط الاتصالات البريطانية بما يتزامن مع إعلان ألمانيا النازية الحرب على الولايات المتحدة، وطلب سير مايلز لامبسون من حسين سري رئيس وزراء مصر اعتقال البنا وجماعته، لكن هذا لم يحدث لقرب الإرهابية من الملك الذين ساندوه وحاربوا الثورة، ثم ألم يخرج الهضيبي من عند الملك يومًا ما ليصف المقابلة نصًا بأنها؛ «مقابلة كريمة من ملك كريم»، ويتبع ذلك بقوله: «إن الإسلام يدعو إلى الطاعة لولي الأمر»، ثم لا يلبث أن يطلب من أعضاء مكتب الإرشاد أن يذهبوا إلى سراي عابدين ليقيدوا اسماءهم في سجل التشريفات خضوعًا وولاءً زاعمًا لهم – وهم الذين يلوون نصوص القرآن ووقائع السيرة النبوية لبرير شرعية الاغتيال والتدمير- قائلًا: «أن ذلك من أدب الإسلام»!


حريق القاهرة


ماذا كان يريد عصابات الشر من تنفيذ مؤامراتهم الإجرامية؟!، إن من يستعرض تفاصيل مؤامراتهم التي خططوا لها ونفذوها على مدار تاريخهم الأسود الملطخ بالدماء لا يملك إلا أن تأخذه الرجفة من هول المخططات الدنيئة التي وقعت قاصدين بذلك أن تعود مصر مئات السنين إلى الوراء، وأن يتحكم فيها الجهل والدجل والشعوذة والتعصب التي برعوا فيها.


وسط مناخ من السخط ضد الملك والاستعمار نمت كل الأفكار المتطرفة التي كان مصدرها ذلك التنظيم الذي أمعن في السرية ومدرب على مهارات الإرهاب والاغتيال؛ ظهر يوم 25 يناير عام 1952، كان الاعتداء مرتبًا على كازينو أوبرا، قبلها بأسابيع قليلة كان نادي «التيرف» والكازينو يحميه حرس مكون من 40 فردًا، ولكن هذه الحراسة تضاءلت بصورة مريبة وغامضة لتقتصر على أربعة أفراد عندما وصلت العصابة الإرهابية يرتدون زيًا أزرق وبعدها كسروا الباب الخارجي واندفعوا يحطمون الأثاث وصانعين أكوامًا منه فوق الأرض، وبعدها أشعلوا النيران مستخدمين كرات من الخيش وأعواد ركبوا على رؤوسها فتائل مشتعلة بالكيروسين.


وفي داخل المبنى كان يتواجد في ذلك الوقت نحو أربعين من أعضائه معظمهم كانوا في الطابق الأرضي حاولوا الهرب من الباب الخلفي، لكن حيل بين كثيرين وبين الهرب بسبب تواجد جماعات الإخوان الإرهابية، ومن ثم دفعوهم ليعودوا أدراجهم حيث النيران المشتعلة، شوهد في الطابق العلوي رجلين انجليزيين ما كان منهما إلا أن قفزا من النافذة وكُسر أولهما ظهره فوق تندة صغيرة إلى أسفل ولابد أن يكون قد لقى حتفه بعد ذلك، لكن الثاني استطاع أن يهبط في فناء صغير مستخدمًا ملاءات معقودة مع بعضها لكنه تعرض للركل والضرب بأسياخ الحديد حتى الموت، وعندما حاول حارس نادي «التيرف» أن يقول؛ «إن هذه بربرية يأباها الإسلام» صاحت جموع الإرهابية وسط الناس تحرض على قتله الذي كان مصيره الحرق أيضًا.

 


يوم 26 يناير أي في اليوم التالي مباشرة؛ كانت عصابات الحريق تتوافد في عدة مناطق بالقاهرة أتت من حيث لا يدري أحد، الجميع بدوا شبابًا حسني الهندام يعرفون بالضبط ما كانوا يفعلون، كل مجموعة مؤلفة ما بين عشرة وثلاثين فردًا، كان بحوزة كل مجموعة قائمة بالمباني المستهدفة، كان لدى هذه العصابات الإرهابية أبناء عراب الإرهاب البنا معداتها المدمرة من البنزين والأدوات اللازمة، أشعلوا النيران في سينما ريفولي فلقي مدير السينما مصرعه داخل المبنى على ايدي القتلة المتطرفين حيث حاصروه ثلاث ساعات، وحاولوا كذلك مطاردة المفوض التجاري الكندي الذي استطاع الهروب من نادي التيرف وأخذه بعض ذوي المروءة من المصريين فأخفوه في مبنى غير مكتمل التشييد، وبعد ساعتين عثروا عليه أخيرًا فسحبوه وطعنوه حتى الموت.

 


قبيل عصر ذلك اليوم كانت النار قد اشتعلت في مباني بنك باركليز، ومبنى شركة الطيران البريطانية، وتوماس كوك، ومبنى دبليو سميث، ومكاتب المجلس البريطاني، والمعهد البريطاني، ومعارض سيارات موريس موتورز فقد شقوا طريقهم إليه مستخدمين علامة «ممنوع الانتظار» البالغ طولها 12 قدمًا بمثابة أداة لكسر الأبواب، أشعلوا النار كذلك في محل لبيع الأسلحة والذخائر وكان أن اشتعلت محتوياته بانفجارات عنيفة سببت أضرارًا بالغة، المثير أنه لم يكن بوسع فرقة المطافي أن تفعل شيئا إذ أن فريق من الجماعة الإرهابية كان يقوم بقطع الخراطيم.

 


هل توقف التخريب عند هذا الحد؟!

كان على فندق شبرد أن ينتظر دوره في الدمار عندما اجتاحوا المكان وشرعوا في تمزيق الستائر وتحطيم الأثاث لإشعال حريق، بينما اندفع النزلاء إلى الهرب واجتذب الشرر والحرارة الرواق المغربي إلى أعلى فتحطمت قبته الزجاجية الملونة وسط اللهيب في غضون 20 دقيقة، ومن ضمن المآسي التي ذكرت في هذا اليوم، أن شوهدت فتاتان في فرقة أوبرا إيطالية وقد اندفعتا إلى الخارج بملابسهما الداخلية وأمسكتا ما تملكان من جواهر، بينما قفزت فتاة تعيسة الحظ لتلقى حتفها من الطابق الرابع في محاولة النجاة من ألسنة النيران.


بحلول الرابعة عصرًا، كان كل شيء تقريبًا يقع في إطار المنطقة التي يحدها ميدان الأوبرا وشارع قصر النيل وسليمان باشا وشارع ألفي بك، فقد اصبحت المباني تشتعل فيها النيران، في كل مكان تصادف سيارات محترقة في الطريق وقد انقلبت على ظهرها، وبعد أن اطمأنت العصابة الإرهابية إلى تدمير وسط البلد انطلقوا في شاحنات تنتظرهم في أماكن محددة سلفا إلى شارع الهرم حيث قاموا بتدمير أوبرج الأهرام والكلوب رويال، أما فندق مينا هاوس فلم ينقذه من هذا المصير إلا تصدي الجمالة والباعة المتجولون لهم، فمعنى حرقه وتدميره هو ضياع مصدر رزق لهؤلاء غير العاملين فيه.


وكانت حصيلة ما فعلته أيادي الجماعة الإرهابية هو أن التهمت النار نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب ونادٍ في شوارع وميادين وسط المدينة.


مخططات إجرامية

أيضًا وكان من بين ما خططوا له سنة 1965، هو نسف محطات الكهرباء ليسود الظلام وتتعطل المصانع وإصابة المرافق العامة بالشلل، وقد اعترف أحد أعضاء التنظيم السري للجماعة الإرهابية، وهو مهندس؛ «بأنه توجه صباح يوم الأربعاء الموافق 18 أغسطس سنة 65 إلى محطة كهرباء شمال القاهرةمع بعض زملائه وعاينوا التوصيلات الكهربائية إلا أن حماة الوطن تمكنوا من كشف التنظيم والقبض على أفراده، معترفين أيضًا أنهم خططوا لنسف دار الإذاعة وعدد من دور السينما والمسارح وإلقاء القنابل الحارقة في الشوارع حتى لا يرتاد الناس المقاهي ويلزمون بيوتهم.


وقبلها في سنة 1954، داهم الأمن بعد معلومات مؤكدة مقبرة الهضيبي وكانت المفاجأة حين عثر رجال الأمن على ترسانة أسلحة مدفونة داخل المقبرة ما بين بنادق ومدافع ومئات الطلقات واسطوانات مملوءة بمادة «تي أن تي» وقنابل يدوية وأجهزة إرسال واستقبال ومفجرات وبنادق خرطوش ومسدسات وصندوق جلجنايت وقوالب ديناميت.


هكذا عرف المصريون حقيقة هذه الجماعة منذ نشأتها وإلى الآن، رسالتهم ليست خلق جيل صالح مسلم كما يدعون وإنما خلق جيل من الإرهابيين والمدمرين والهدامين، لكن سيظل عيون حماة الوطن ساهرة في مواجهة هذه الجماعة التي هي أكبر عصابة للإرهاب عرفها العالم في تاريخه القديم والحديث على السواء.

اقرأ ايضا | ولا تزال تسريبات الإخوان تكشف عن سوءاتهم