بعد إيداع قاتل كاهن الإسكندرية تحت الملاحظة الطبية

الطب النفسي: إدعاء المرض العقلي للهروب من الجرائم مستحيل وخداع الاطباء غير ممكن

القاتل
القاتل

منى ربيع

منذ ايام أصدرت النيابة العامة بيانًا بشأن مقتل القمص «أرسانيوس وديد رزق» كاهن كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك حيث أصدرت قرارها بحبسه على ذمة التحقيقات وتنفيذ قرار المحكمة المختصة بإيداعه تحت الملاحظة الطبية بإحدى المستشفيات العامة المتخصصة في علاج الأمراض النفسية والعصبية لبيان حقيقة ما ادعاه خلال استجوابه من سابقة معاناته من أمراض نفسية تُفقده السيطرةَ على أفعاله، وذلك بعدما استجوبته، قرار النيابة بإيداع المتهم تحت الملاحظة لبيان سلامته العقلية من عدمه يجعلنا نتساءل؛ متى تلجأ النيابة أو المحكمة لهذا القرار؟ وماذا يحدث للمتهم اثناء وضعه تحت الملاحظة؟، سألنا رجال القانون واساتذة الطب النفسي.

 

 كان قرار النيابة العامة بإيداع المتهم بقتل القمص «أرسانيوس وديد رزق»  كاهن كنيسة السيدة العذراء بمحرم بك بالإسكندرية بإيداعه تحت الملاحظة الطبية بإحدى المستشفيات العامة المتخصصة في علاج الأمراض النفسية والعصبية، لبيان حقيقة ما ادعاه خلال استجوابه من سابقة معاناته من أمراض نفسية تُفقده السيطرةَ على أفعاله، وذلك بعدما استجوبته، واستمعتْ لشهادة سبعة عشر شاهدًا على الواقعة، وعاينت محلَّ ارتكاب الجريمة، واطلعت على آلات المراقبة المثبتة بمحيطه، وتلقت نتائج التقارير الفنية من مصلحة الطب الشرعي ومركز الإسكندرية للسموم بشأن إجراء الصفة التشريحية لجثمان المجني عليه، وفحص عينات من المتهم بيانًا لمدى تعاطيه أيّ مواد مخدّرة.

 

وقد أكدت معاينة النيابة العامة لمسرح الواقعة وجود آثار دماء به، والعثورِ على ثلاث آلات مراقبة مثبتة أعلى ثلاث بوابات للشاطئ الذي حدثت الواقعة في محيطه، تَبيَّن للنيابة العامة من مُشاهدتِها ظهورُ المجني عليه قبلَ وقوع الحادث بلحظات يتابع خروجَ مرافقيه من إحدى تلك البوابات، حتى ظهر المتهم مُحرزًا كيس بلاستيك يمرّ من بين المتواجدين متجهًا للمجني عليه، ثم ظهرت حالة من الفزع على الظاهرين بالمشهد، دون أن تسجل آلات المراقبة لحظات ارتكاب الجريمة، كما شاهدت النيابة العامة ما تم تداوله من مقاطع مرئية وصور فوتوغرافية نُسبت للواقعة والمجني عليه والمتهم، وتحفظت على نسخ منها لفحصها. 

 

كما سألت النيابة سبعةَ عشَر شاهدًا مِن الذين كانوا في صحبة المجني عليه، ومسئولين وعاملين بالشاطئ ممن شاهدوا الواقعة، فتواترت أقوالهم بشأن ملابسات كيفية وقوع الحادث؛ أنَّ المجني عليه وآخرين كانوا في  اجتماع أسبوعي عقدته الكنيسة بالشاطئ، وعقب انتهاء اجتماعهم وأثناء استقلالهم الحافلات التي ستنقلهم، ومتابعة المجني عليه انتظامَهم بها مرتديًا الزيّ الديني، فوجئوا بالمتهم قد اندسّ بينهم مُشهرًا سكينًا بيده وتسلل خلف المجني عليه وطعنه في عنقه قاصدًا قتله، وحاول موالاة التعدي عليه بطعنة أخرى إلا أن الحاضرين قبضوا عليه وتحفظوا على السكين التي كانت بحوزته، وسلموه والسكين المضبوط إلى رجال الأمن، وكان مِن بين الشهود مَن تعرفوا على شخص المتهم في التحقيقات. 

 

هذا وكان تقرير الصفة التشريحية الصادر عن مصلحة الطب الشرعي نفاذًا لقرار النيابة العامة قد أثبت أن وفاة المجني عليه نتيجةُ إصابته الطعنيَّة بالعنق، كما إن النيابة العامة كانت قد أمرت بفحص عينة دم وبول للمتهم بيانًا لمدى تعاطيه أي مواد مخدرة، فأسفر الفحص عن خلوّ العينات مما يشير لذلك، كما ندبت النيابة الإدارة العامة لتحقيق الأدلة الجنائية لمعاينة مسرح الحادث ورفع ما به من آثار لفحصها. 

 

وقد استجوبت النيابة المتهم فيما نُسب إليه من قتله المجني عليه عمدًا، فأقرَّ خلال مواجهته شفاهةً بالاتهام بارتكابه الواقعة، ثم عاد وعدل عن إقراره وقرَّر أنه وفد إلى الإسكندرية منذ أيام بحثًا عن عمل بعدما تنقل من محافظة إلى أخرى، ومكث يبيت في الطرق العامة حتى عثر على سكين بمجمع للقمامة، فاحتفظ بها دفاعًا عن نفسه، ثم ادعى أنه يوم الواقعة وبعدما رأى المجني عليه أمامه لم يشعر بما ارتكبه قِبَله، حتى ألقى المتواجدون القبض عليه. 

 

وخلال مناقشة واستجواب النيابة العامة المتهمَ لاحظت تلقيه الحديثَ والإجابة عما يوجه إليه من أسئلة بصورة طبيعية، خاصّة وقد تمت مناقشته في تفاصيل حياته الاجتماعية، وما تلقاه من تعليم جامعي، وما يطالعه من كتب للتثقيف العام، إلا أن المتهم بعد عدوله عن إقراره في مستهل التحقيقات- ادَّعى سابقَ إصابته باضطرابات نفسية منذ نحو عشرة أعوام دخل على إثرها أحد مستشفيات الصحة النفسية لتلقي العلاج، وأنه يفقد السيطرة على أفعاله أحيانًا. 

 

وعلى هذا، وفي سبيل سعي النيابة العامة لكشف حقيقته وبواعث ارتكابه الجريمة، أمرت بحبسه احتياطيًّا على ذمة التحقيقات، واستصدرت من المحكمة المختصة قرارًا بوضعه تحت الملاحظة الطبية في إحدى المستشفيات العامة المتخصصة في علاج الأمراض النفسية والعصبية؛ لفحص حالته العقلية، وبيان مدى معاناته من أي آفة أو مرض عقلي أو نفسي من عدمه، وبيان ما إذا كان هذا المرض قد يدفعه لارتكاب مثل الجريمة محل التحقيقات وهو مسلوب الإرادة من عدمه، كما تجري النيابة العامة تحقيقات موسعة مع ذوي المتهم وأهليته خلالَ تلك الساعات في إطار ما تتخذه من إجراءات التحقيق بالدعوى.

 

واختتمت النيابة العامة بيانها  بأنها الجهة الوحيدة المنوطة بالوصول إلى الحقيقة في تلك القضية وغيرها، والإعلان عنها بما خولّها القانون من سلطتي التحقيق والاتهام، وأن أي معلومات يتم تداولها بالمواقع الإخبارية أو مواقع التواصل الاجتماعي حول الواقعة، أو بواعث ارتكاب المتهم الجريمة، خلاف المأخوذة من بيانات النيابة العامة الرسمية هي معلوماتٌ غير صحيحة، قد يسعى أهل الشر خلالها إلى تزييف الحقائق لتصويرها بصور موجهة نحو خَلْق فتنٍ لا حقيقةَ لوجودها بين نسيج المجتمع المصري المترابط.. فاحذروها.

تحقيق العدالة

بعد استعراضنا لبيان النيابة العامة طرحنا تساؤلاتنا على رجال القانون واساتذة الطب النفسي. 

أكد المستشار فريد نصر رئيس محكمة جنايات الجيزة قائلا؛ لإن النيابة العامة او هيئة المحكمة بدورها تحقق العدالة، وان وضع المتهم تحت الملاحظة لبيان مدى سلامة قواه العقلية وقت ارتكابه الجريمة من عدمه هي من أهم الدفوع الجوهرية، وهذه إجراءات طبيعية تقوم بها النيابة إذا دفع المتهم أو دفاعه أنه كان حالة فقدان وعي أو اضطراب نفسي وقت ارتكابه للجريمة، فالانسان المختل عقليًا غير مسئول عن افعاله ولهذا يجب على النيابة العامة ان تتحقق من ذلك بوضعه تحت الملاحظة واذا لم تقم النيابة بذلك وطلب دفاع المتهم ذلك اثناء محاكمته، فهيئة المحكمة تلبي له طلبه لانه من الطلبات الجوهرية والتى قد تنفي المسئولية الجنائية، وهذا ما تفسره المادة 60 من قانون العقوبات انه لا تسرى احكام القانون على كل فعل ارتكبه شخص غير سليم عقليا بمقتضى الشريعة انه ليس على المريض حرج، كما إنه وفقا للمادة 62 من قانون العقوبات انه لا يسئل جنائيًا مرتكب الجريمة الذى يعانى من اضطراب نفسيًا او عقليا أفقده الإدراك والتمييز والقدرة على الاختيار بين الصواب والخطأ. 

فيما يقول الدكتور ابراهيم عبد الرشيد أستاذ التحليل النفسي والشخصي  بجامعة عين شمس؛ هناك مختصين لملاحظة المتهمين لبيان مدى سلامة عقلية المتهم من عدمه حيث يتم إيداعه بإحدى المستشفيات الحكومية ويتم ملاحظته ليل نهار 45 يومًا، وقد تطول المدة لثلاثة أشهر حسب ما تقرره النيابة العامة، والمرضى الذين يرتكبون جرائم بعضهم قد يكون مصاب باضطراب ثنائي او مصاب بحالة هوس شديد.

 

ويضيف الدكتور ابراهيم عبد الرشيد؛ انه من السهل معرفة إذا كان المتهم مريض نفسيًا من عدمه لانه يتم وضعه تحت الملاحظة الدقيقة ليل نهار ومهما كان ذكيا لن يستطيع التحايل على اللجنة التى يتم عرضه عليها.

فيما أكدت الدكتورة ايمان عبد الله استاذ الطب النفسي قائلة؛ أن ادعاء المرض النفسي سهل لكن أن يخدع المتهم اللجنة الطبية مستحيل مهما بلغ ذكاءه لانه يتم اخضاعه للفحص الطبي من خلال اساتذة الطب النفسي الجنائي الذين يتابعون المريض ويقومون بكتابة تقريرهم وإرفاقه للنيابة العامة. 

وهناك امراض تقود المريض إلى ارتكاب جريمة مثل الانفصام واصابة المريض بهلاوس او اصابته بالوسواس القهرى جميع تلك الامراض تجعل لديه دافع للقتل واخيرًا الجنون. 

أقرأ أيضأ  l الديهي: واقعة مقتل كاهن الإسكندرية مؤلمة وتفاصيلها تُدمي القلوب