رمضان في كندا: هذه هي شلة السندباد

شلة السندباد
شلة السندباد

منذ أن انتقلت للعيش والعمل بكندا فى منتصف التسعينيات، ورمضان فى الغربة يعنى البسبوسة، أو بعبارة أخرى: البسبوسة رمضان. عشت مع أسرتى فى أكثر من مدينة كندية بها جميعاً جاليات عربية ومسلمة تحتفل برمضان وبمناسبات عربية ومسلمة عديدة. لكننى كنت دائماً أسكن فى أحياء لا عرب فيها. ولذلك كان احتفال أسرتى برمضان مقصوراً على ممارسات رمزية فى نطاق البيت مثل التهام البسبوسة، منذ وصولنا إلى مدينة مونتريال، أولى محطات هجرتنا.

 

وترسخت متلازمة البسبوسة/رمضان بعد انتقالنا إلى العاصمة الكندية أوتاوا، حيث يتنازع عرش الحلويات الشرقية محلان -كلاهما لبنانى طبعاً- يفصل بينهما مائتا متر على شارع «بنك» الشهير: محل «لابريوش»، الذى يحاول أن يقدم الحلويات الشرقية بصبغة غربية، ومحل «مَلَك»، الذى يحافظ على تقاليد محل الحلويات الشرقية بالعالم العربى. حتى على صعيد الحلوى، وفى المهجر، ينقسم المجتمع العربى إلى من يرغبون فى التمازج مع ما هو غربى، ومن يحاولون الحفاظ على «أصالة» قديمة.


نجحت لعامين فى أن أفرض على أولادى طقس الاحتفال برمضان فى مونتريال، الذى اختصر من باب المواءمة الثقافية إلى صيام اليوم الأول من الشهر الكريم، ثم الحصول على مكافأة فى صورة وجبة شرقية شهية فى مطعم أو بالمنزل. لكن لم يكن يسيراً عليهم أن يستمروا فى تحمل تلك المشقة ولو ليوم واحد، فى غياب جو رمضانى عام فى دوائرهم، لأنهم لم يصادقوا عرباً إلا بعد أن تجاوزوا الخامسة عشرة. فقط عندما دخل ابنى الأكبر المدرسة الثانوية الدولية بمونتريال، كان الطلاب العرب «يتكتلون» فيما بينهم ويصومون معاً فيؤكدون تميز هويتهم كمراهقين متمردين متمايزين عن الهوية الغالبة فى المجتمع الكندى الأبيض، وكان أن نجحت العروبة الثقافية وهرمونات المراهقة فيما فشلت فيه طيلة سنوات طفولة أولادى.


لكن دائماً ما بقى من رمضان البسبوسة. ظلت حياة الأسرة فى رمضان الكندى أقرب إلى القسم الذى يمازج عروبته الطقسية والإفطارية بأجواء الغرب، لكنى نجحت فى الحفاظ على نقاء علاقتنا بالبسبوسة كعلامة كبرى على تواصلنا باحتفالات رمضان. لذلك لم أشتر حلوياتى إلا من محل «ملك».


ربما كان الأصدقاء المصريون من حولى أنجح فى احتفالهم برمضان فى العاصمة الكندية أوتاوا. لى مجموعة من الأصدقاء المقربين من المقيمين بأوتاوا يجتمعون لتدخين الشيشة واستعادة تجربة المقهى الشعبى المصرى فى ثلج كندا فى مقهى «السندباد».

ولذلك أطلق عليهم الدكتور خالد - أكبر أعضاء المجموعة سنا وأقدمهم فى الهجرة- اسم «شلة السندباد». فى رمضان، ينشط المقهى بعد الإفطار، ولعل ما يدخنه أفراد الشلة من المعسل فى رمضان يوازى ما يستهلكونه طوال العام. مفهوم أن الشيشة والمقهى- أو البسبوسة فى حالتى- ليست مجرد احتفالات رمزية برمضان وحده، بل هى رحلة سحرية تعود بالواحد إلى مصر، فيعبر المحيط فى ثانية، فى لمح البصر، فى قضمة، فى «نفس». كأن الوطن فى مستواه العاطفى و«الجسدى» فى خبرة كل منا فى المهجر هو مجموعة من الممارسات البدنية كالأكل والتدخين ومشاهدة بعض البرامج، وكأن رمضان جزء من الوطن العاطفى.


تلك رحلات جغرافية وتاريخية، نعود بها إلى زمن كان الطبيعى فيه أن الاحتفال برمضان طقس مجتمعى وطنى، يشترك فيه المصريون من كافة الطوائف. شلة السندباد مثلاً تجمع عنصرى الأمة، لأن ما تفرقه الأيديولوجيا، تجمعه القهوة. ولهذا، أفتقد فى رمضان الإفطار السنوى الذى يقيمه لنا المهندس جورج عضو شلة السندباد، ليس فقط لأنه مناسبة لمذاكرة كافة الأطباق الشرقية فى بحر ساعتين، ولكن لأنه تذكرة بأن الدين لله ورمضان للجميع.

اقرأ ايضا | استراحة الشجن والحنين