عبد الصبور بدر
فتح همام عينيه فوجد نفسه يرقد على سرير داخل مستشفى، وأمامه والدته حورية غارقة في دموعها، ومن حوله إخوته البنات: تفيدة وعيشة وبدرية بعيون حمراء من شدة البكاء، وشعر بالرعب وهو يمسح وجهه ويكتشف طول شعر رأسه وشاربه ولحيته.
حاول همام أن يتذكر ما حدث وفشل، لا يعرف من الذي جاء به من هولندا إلى مصر، ولم يفسر لماذا لا يكف زملائه المرضى من حوله عن التنطيط والشقلبة وإصدار الأصوات المزعجة.
• أنا فين ياماما؟
• في السرايا يا حبيبي
• سرايا.. وهو ده منظر سرايا برضو.. ده مورستان
• اسم الله على نباهتك.. طول عمرك أذكى اخواتك.. ماهو انت في السرايا الصفرا
• مستشفى المجانين؟
• أيوه يا حبيبي..
• من امتى؟
• من يجي عشرين سنة واكتر!
• طيب وفين رقية، و أدريانو.. فين أمستردام ياماما؟
• ياحبيبي انت والله ما سافرت طول حياتك.. وكل دي تهيؤات.. قادر ربنا ياخد بيدك ويشفيك!
• وخالي..
• خالك شلتوت تعيش انت
• شلتوت مين يا ماما.. هو شلتوت الحلاق يبقى خالي.. أنا أقصد خالي اللي في هولندا
• إنت مالكش خال غير شلتوت يا نضري.. حرام عليك يا همام.. تعبتنا طول السنين دي.. فوق بقا يابني..
وفجأة دخلت إيمان كالسهم وهي تقول له:
• فوق يا همام..فوق وخلي عندك دم وارجع لميكروباظك.. وشوف مصلحتك.. أنا عاملة زي البيت الوقف
• ميكروباظي.. هو انا اتجوزت إيمان ياماما.. طيب ورقية؟
وردت عليه إيمان قائلة: اللي انت فاكرها رقية دي تبقى الأستاذة موناليزا الممثلة.. واعتزلت.. وعايشه دلوقتي مع جوزها وأولادها في أمريكا..
• طيب و أدريانو؟
• الأستاذ أحمد السقا
• يعني أيه.. أنا مش فاهم حاجة؟
• يعني انت معيش نفسك في فيلم يا همام.. ومتخيل إنك سافرت بلاد بره.. واتحولت لبني آدم عليه القيمة زي ما كنت بتحلم.. القصة الحمضانة دي بنسمعها منك كل ما نيجي نزورك.. وكل مرة نقولك الحقيقة وتستغرب وبعدها بشوية تاخدك الجلالة وتعيش الدور تاني.
• يعني أيه.. يعني أنا لسا في مصر؟
• آه في مصر.. وهو في أحلى من مصر، ولا ستات مصر.. مصر دي أم الدنيا .. عارف ياهمام انت كنت أيه قبل ما يحصلك لطف؟
• سواق ميكروباظ.. كنت أيه يعني.. صاحب مطعم في أمستردام.!؟
• ميكروباظ ملك.. ربنا كرمك وسددت أقساطه.. وكان ممكن تشتري عليه عربية زرفيز، وتشغل عليها الواد نانا.. لكن نقول أيه.. فرجتك ليل نهار على أفلام الخيال العلمي فوتت صواميل مخك وخلتك تصدق إنك سافرت أوروبا واتجوزت خواجاية أطول منك بدورين!
***
تعافى همام وخرج من مستشفى الأمراض العقلية.. وكانت ليلة كبيرة أحياها الأستاذ مجدي شطة وفرقته الموسيقية، ورقص فيها سواقين موقف السلام والعاشر احتفالا بعودة زميلهم القديم إلى عقله ومكروباظه.
