الكارثة واحدة فى كل دول العالم l الاتجار بالبشر فى سوريا والعراق

تجارة الدواعش
تجارة الدواعش

خالد حمزة

قبل أشهر قليلة، استيقظت مدينة الصدر العراقية على خبر انتشال جثة شاب مفرغة من أحشائه الداخلية، وذلك بعد اختفائه لأسابيع، ولم تكن تلك الجريمة هى الأولى بين شوارع المدينة القديمة ولن تكون الأخيرة، فظاهرة اختطاف أشخاص بغرض بيع أعضائهم البشرية، أصبحت من الجرائم الشائعة، ليس فى العراق وحده بل فى سوريا المجاورة، والتى تعانى من أوضاع مشابهة، إضافة لحالات مثل تجنيد الأطفال للعمل فى الميليشيات المسلحة أو التسول أو تجنيد النساء كمحاربات لبعض المنظمات الإرهابية مثل داعش، أو حتى استغلالهن فى مسائل مثل زواج القاصرات أو نكاح الجهاد.

ويبدو أن الظاهرة قد وجدت لها أرضًا خصبة فى العراق، بما يوفره عدم الاستقرار الاقتصادى وأنشطة الميليشيات الموالية لإيران، وهو الأمر الذى دعا منظمات وحكومات دولية إلى الدعوة لاتخاذ إجراءات صارمة، لمنع تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة، بما فى ذلك وحدات الحشد الشعبى العراقى الشيعية والميليشيات، وتقديم الخدمات والحماية والتأهيل النفسى والاجتماعى اللازم للجنود الأطفال الدين تم تسريحهم، كما دعت الحكومة العراقية للعمل على تحسين الوضع الاقتصادى، وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب، وخاصة الفتيات اللواتى يمثلن أبرز ضحايا ظاهرة الاتجار بالبشر. 

 

وحسب تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية، فإن اتساع ظاهرة الاتجار بالبشر فى العراق يعود لتزايد حدة الفقر والبطالة وضعف الأمن، وقوة الميليشيات التى تقوم بدعم الشبكات الإجرامية والانتفاع منها مادياً، وضعف دور الأجهزة الأمنية، وانتشار الجريمة المنظمة وسيطرة العصابات فى أوقات سابقة، ما جعل بغداد فى قائمة أسوأ المدن للعيش فى العالم، نتيجة انتشار عصابات الاتجار بالبشر والميليشيات المسلحة، كما أن المتاجرين بالبشر استغلوا أزمة كورونا العالمية، مستفيدين من خسارة الناس للدخل، وزيادة الوقت الذى يقضيه كل من البالغين والأطفال على الإنترنت، وبالطبع ونظراً للأثر الاقتصادى السلبى الذى تركته هذه الأزمة، التى أدت إلى ارتفاع ظاهرة الاتجار بالبشر، وهو الأمر الذى دعا الحكومة الأمريكية للقول إن الحكومة العراقية لا تفى بشكل كامل بالمعايير اللازمة، للقضاء على ظاهرة الاتجار بالبشر، رغم أنها تبذل جهودًا كبيرة لتحقيق ذلك.

وكان تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية، قد وضع العراق فى المستوى الثانى للمراقبة للعام الثانى على التوالى، نتيجة عمليات الاتجار بالبشر، وكرد فعل لانتشار هذه الجرائم والانتقادات الدولية للعراق فى هذا الملف، وتقارير صدرت من الأمم المتحدة ومنظمة العفو الدولية، أقر البرلمان العراقى القانون رقم 28 لسنة 2012، والذى عرف الاتجار بالبشر بأنه تجنيد أشخاص أو نقلهم أو إيوائهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة أو ‏استعمالها أو غير ذلك من أشكال القسر أو الاختطاف أو الاحتيال أو الخداع أو استغلال السلطة أو بإعطاء أو تلقى مبالغ مالية أو مزايا ‏لنيل موافقة شخص له سلطة أو ولاية على شخص آخر بهدف بيعهم أو استغلالهم فى أعمال الدعارة أو الاستغلال الجنسى أو ‏السخرة أو العمل القسرى أو الاسترقاق أو التسول أو المتاجرة بأعضائهم البشرية أو لأغراض التجارب الطبية.

 

من جانبه، قال المرصد العراقى لضحايا الاتجار بالبشر، إن الاطفال دون السادسة عشرة يشكلون ثلثى الضحايا، وإن المتاجرين بالبشر ينظرون إلى ضحاياهم وكأنهم سلعة، ولا يأبهون بكرامة الإنسان ولا بحقوقه، ويقومون وعبر وسطاء دوليين، كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية، بتصدير البشر وبإجراءات صارمة وعبر الحدود الملتهبة فى القارة العجوز، خاصة على الحدود الشرقية الأوروبية وعبر تركيا، تحت ذرائع اللجوء السياسى والهروب من جحيم الحرب، والصراعات المحلية الملتهبة فى سوريا والعراق، ولا يختلف الوضع كثيرًا فى سوريا، فهناك تزايد فى نسبة الاتجار الذاتى بالبشر، عن طريق الشبكات أو مجموعة مكونة من فردين أو ثلاثة، وليست جماعة إجرامية عبر الحدود، وهى تتكون من الأسر النازحة من أماكن النزاع، اضطرت للاتجار فى بعض أفراد الأسرة، حتى تستطيع أن توفر لقمة العيش للأسرة ذاتها، ويتم ذلك إما عن طريق تزويج القاصرات أو العمل القسرى للأطفال، أو حتى عن طريق الاستغلال الجنسى للحصول على المأوى.

وتتم عمليات الاتجار بالبشر عن طريق شبكات إجرامية منظمة عبر الحدود الوطنية، وتتاجر بالبشر كوسيلة منهجية لتحقيق الربح، وتستخدم التكنولوجيا ووسائل التواصل والإنترنت، وتدرّ ربحا عملاقا عن طريق الاتجار بالأشخاص فى أشكاله المختلفة، سواء بالسخرة أو بالعمل المنزلى القسرى، أو فى الأغراض الجنسية، أو حتى فى بعض الأحيان فى الاتجار بالأعضاء البشرية، ونقل الأعضاء البشرية بصورة غير مشروعة من دولة لأخرى، وهناك ازدياد فى استخدام الإنترنت فى جريمة الاتجار بالبشر والترويج لها، كما تقول صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية، ولكن الأخطر هو استخدام الإنترنت للاستقطاب والاتجار بالبشر ووسائل الخداع، سواء بتهيئة عمل كاذب أو وظائف كاذبة، أو تيسير الحصول على وثائق مزورة للحصول على فرصة عمل، ونظرا لعدد المستخدمين على وسائل التواصل الاجتماعى على الإنترنت، خصوصا ما يُسمّى بالشبكة السوداء، وهى خارجة تماما عن أى سيطرة حكومية أو غير حكومية. تكون عملية تعقب تلك الشبكات الإجرامية الدولية، صعبة للغاية.

 

وجاءت جائحة كورونا لتكمل المأساة فى سوريا والعراق، خاصة بين اللاجئين والمهاجرين والنازحين بلا مأوى، على حدود مناطق النزاع أو خارجها أو حتى فى أوروبا، وتعمل تلك الشبكات من خلال صفحات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعى للإيقاع بالضحية، بعد النصب والاحتيال لانتزاع أعضائهم أو تجنيدهم مقابل مبالغ مالية.

 

وفى حالات بيع الأعضاء، يبدأ عمل تلك الشبكات من خلال ترغيب الضحية بمبالغ مالية، ليتم استدراجها إلى مستشفى خاص، وترتيب أوراق مزورة لاستكمال عملية نزع الأعضاء التى يمكن التبرع بها، كما أن هناك شبكات أخرى تقوم بعملها من خلال استدراج وإيهام الضحايا، بأنهم تابعون لمنظمات إنسانية محلية أو دولية، كما يتم أحيانا تسفير ضحايا إلى سوريا، حيث يسهل التعامل معهم فى ظل الفوضى الناشبة هناك من جراء الحرب، وهناك يتم إجبارهم كما تقول صحيفة الجارديان على الالتحاق بالدواعش، ومنهم نساء أوروبيات.

 

والمشكلة هنا، أن الكثير من هذه العصابات والشبكات الإجرامية، تحظى برعاية بعض الميليشيات المسلحة سواء المحلية أو الإرهابية أو المتطرفة، أو التى تعمل عبر الحدود، والتى تكفل لها مواصلة أنشطتها المشبوهة، وجنى ملايين الدولارات سواء فى الداخل أو الخارج، ويفرض المرسوم التشريعى السورى لمكافحة جريمة الاتجار بالبشر عقوبات قاسية بحق المجرم، إذ ينص فى المادة السابعة منه على عقوبة السجن لمدة لا تقل عن سبع سنوات، والغرامة من مليون إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية، بحق كل من يرتكب جريمة من جرائم الاتجار بالبشر، أو يشارك أو يحرض أو يتدخل فيها أو يعلم بها ولا يبلغ عنها، أو من ينضم إلى جماعة إجرامية، هدفها أو من بين أهدافها الاتجار بالبشر، كما ينص على تشديد العقوبات، إذا كانت الجريمة ضد النساء أو الأطفال أو ذوى الاحتياجات الخاصة، كما ينص على استحداث إدارة متخصصة بمكافحة جرائم الاتجار بالبشر فى وزارة الداخلية، ولا توجد حتى الآن إحصاءات رسمية فى سوريا، عن جرائم الاتجار بالبشر، بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة نتيجة الحرب الدائرة منذ أكثر من عقد، وعجز الحكومة المركزية على السيطرة الكاملة على البلاد.