خواطر الإمام الشعراوي .. شروط الاستجابة

الإمام الشعراوي
الإمام الشعراوي

«الإنسان مرتبط بمسائل يحبها، فما دامت لم تأت فهو يقول دائماً يا رب. وهذا الدعاء يحب الله أن يسمعه».

يواصل الإمام الشعراوى شرحه لمسألة الدعاء وشروط الاستجابة له قائلا: »بعد ذلك يترك الحق لبعض قضايا الوجود فى المجتمع أن تجيبك إلى شيء ثم يتبين لك منه الشر، لتعلم أن قبض إجابته عنك كان هو عين الخير، ولذلك فإن الدعاء له شروط، فالرسول صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى الطيب من الرزق.
فقد جاء فى الحديث الشريف عن أبى هريرة قوله: (ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يده إلى السماء: يا رب يا رب ومطعمه حرام وملبسه حرام وغُذِى بالحرام فأنى يستجاب له). إن الرسول يكشف أمامنا كيف يفسد جهاز الإنسان الذى يدعو، لذلك فعدم إجابة الدعوة إما لأن جهاز الدعوة جهاز فاسد، وإما لأنك دعوت بشيء تظن أن فيه الخير لك لكن الله يعلم أنه ليس كذلك، ولهذا يأخذ بيدك إلى مجال حكمته، ويمنع عنك الأمر الذى يحمل لك الشر.


وشيء آخر، قد يحجب عنك الإجابة، لأنه إن أعطاك ما تحب فقد أعطاك فى خير الدنيا الفانية، وهو يحبك فيُبقى لك الإجابة إلى خير الباقية، وهذه ارتقاءات لا ينالها إلا الخاصة، وهناك ارتقاءات أخرى تتمثل فى أنه ما دام الدعاء فيه ذلة وخضوع فقد يطبق الله عليك ما جاء فى الحديث القدسي: «ينزل الله تعالى فى السماء الدنيا فيقول: مَنْ يدعونى فأستجيب له أو يسألنى فأعطيه؟ ثم يقول: مَنْ يقرض غير عديم ولا ظلوم».


ولأن الإنسان مرتبط بمسائل يحبها، فما دامت لم تأت فهو يقول دائماً يا رب. وهذا الدعاء يحب الله أن يسمعه من مثل هذا العبد فيقول: (إن من عبادى من أحب دعاءهم فأنا أبتليهم ليقولوا: يا رب). إن الإنسان المؤمن لا يجعل حظه من الدعاء أن يجاب، إنما حظه من الدعاء ما قاله الحق: «قُلْ مَا يَعْبَؤُاْ بِكُمْ رَبِّى لَوْلاَ دُعَآؤُكُمْ» «الفرقان: 77».


إن معنى الربوبية والمربوبية أن تقول دائما: (يا رب). واضرب هذا المثل ولله المثل الأعلى الأب قد يعطى ابنه مصروف اليد كل شهر، والابن يأخذ مصروف اليد الشهرى ويغيب طوال الشهر ولا يحرص على رؤية والده. لكن الأب حين يعطى مصروف اليد كل يوم، فالابن ينتظر والده، وعندما يتأخر الوالد قليلاً فإن الابن يقف لينتظر والده على الباب؛ لقد ربط الأب ابنه بالحاجة ليأنس برؤياه.


والحق سبحانه يضع شرطا للاستجابة للدعاء، وهو أن يستجيب العبد لله سبحانه وتعالى فيما دعاه إليه. عندئذ سيكون العباد أهلاً للدعاء، ولذلك قال الحق فى الحديث القدسي: (مَنْ شغله ذكرى عن مسألتى أعطيته أفضل ما أعطى السائلين).


ومثال ذلك سيدنا إبراهيم عليه السلام حين أُلقى فى النار، قال له جبريل: ألك حاجة؟. لم ينف أن له حاجة، فلا يوجد استكبار على البلوى، ولكنه قال لجبريل: أما إليك فلا، صحيح أن له حاجة إنما ليست لجبريل، لأنه يعلم جيداً أن نجاته من النار المطبوعة على أن تحرق وقد ألقى فيها، هى عملية ليست لخلق أن يتحكم فيها ولكنها قدرة لا يملكها إلا من خلق النار. فقال لجبريل: أما إليك فلا، وعلمه بحالى يغنى عن سؤالي. لذلك جاء الأمر من الحق: «قُلْنَا يانار كُونِى بَرْداً وسلاما على إِبْرَاهِيمَ» «الأنبياء: 69».


ولنتعلم من الإمام على كرم الله وجهه حين دخل عليه إنسان يعوده وهو مريض فوجده يتأوه، فقال له: أتتأوه وأنت أبو الحسن. قال: أنا لا أشجع على الله.
إذن فقوله: «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِي» تعنى ضرورة الاستجابة للمنهج، «وَلْيُؤْمِنُواْ بِي» أى أن يؤمنوا به سبحانه إلها حكيما. وليس كل من يسأل يستجاب له بسؤاله نفسه؛ لأن الألوهية تقتضى الحكمة التى تعطى كل صاحب دعوة خيراً يناسب الداعى لا بمقاييسه هو ولكن بمقاييس من يجيب الدعوة.


ويذيل الحق الآية بقول: «لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» فما معنى «يَرْشُدُونَ»؟ إنه يعنى الوصول إلى طريق الخير وإلى طريق الصواب. وهذه الآية جاءت بعد آية «شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ» كى تبين لنا أن الصفائية فى الصيام تجعل الصائم أهلاً للدعاء.

إقرأ أيضاً|خواطر الإمام الشعراوي| معنى رمضان