أستاذ بجامعة الأزهر: الإسلام دين التيسير.. والتنطع مرفوض

د. صفوت المتولى الأستاذ بجامعة الأزهر:الإسلام دين التيسير.. والتنطع مرفوض
د. صفوت المتولى الأستاذ بجامعة الأزهر:الإسلام دين التيسير.. والتنطع مرفوض

تبدأ فوضى الفتاوى من غير المتخصصين من مسألة التحليل والتحريم بغير علمٍ، وإفتاء مدّعى العلم لعوام الناس، ومن هنا تبرز خطورة هذا الأمر خاصة بعد انتشاره على أدوات التواصل الاجتماعى مما يتسبَّب فى فتنة بين بسطاء الناس وادعاء على الشرع بما ليس فيه؛ ولهذا فإنه من القضايا الشائكة فى الفكر الإسلامى مسألة التحليل والتحريم، أو بعبارة أخرى: (مسألة الإفتاء فى دين الله عز وجل).. ولكن مما ينبغى الإشارة إليه- أولاً- مفهوم الحلال والحرام فى التشريع الإسلامى.. وكان هذا الحوار مع صفوت محمود المتولي، رئيس قسم أصول اللغة بجامعة الأزهر الشريف:


فى البداية ما مفهوم الحلال والحرام فى الإسلام؟
-ذكر الجوهرى أن: «الحلّ بالكسر: الحلال». والحلال: ضد الحرام، وهو ما لا يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه, وأما الحرام فهو ضد الواجب، لأن الواجب مأمورٌ به على الجزم، ويثاب المرء على فعله ويعاقب على تركه. فالحرام ما نهى عنه الشارع الحكيم على سبيل القطع، فيثاب تاركه إذا أراد بذلك وجه الله تعالى، ويعاقب فاعله، وقيل: الحرام ضدّ الحلال ,لأنه يُقال هذا حلال وهذا حرام، قال تعالى: (ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام)، (النحل 116).


  وهل حدَّد الشرع السلطة لمن بيده التحليل والتحريم؟
-التحليل والتحريم منوطان بالله، عز وجل، ورسوله، صلى الله عليه وسلم؛ فليس لأحد- كائناً من كان- أن يحل أو أن يحرِّم، ولو كان عالمًا نحريرًا وفقيهًا خريتًا، فمهمة العلماء والفقهاء تتمثَّل، فقط، فى إبراز ما أحله الله تعالى، وتبيان ما حرَّمه الله تعالى من واقع ما جاء به النص القرآنى والنص النبوى، قال الإمام الشافعى، رحمه الله تعالى: «ولا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله، أو سنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، وما سواهما تبع لهما»، ثم استنبط العلماء من هذين المصدرين أصولاً أخرى يمكن بناء الأحكام عليها، أطلق عليها- تجوزًا- اسم (مصادر التشريع الإسلامى)، وهى: الإجماع والقياس , إذن فهناك مصادر رئيسة للتشريع وهى القرآن الكريم وصحيح السنة، ومصادر تبعية تتمثل فى الإجماع والقياس.


 إذا كان الأمر على هذا النحو.. فما دور السُّنة النبوية فى التشريع الإسلامى؟
-القرآن الكريم هو المصدر الأول للتشريع، ثم تأتى السُّنة النبوية فى المقام الثانى، وحاجة القرآن للسُّنة أمرٌ واضحٌ لكل ذى نهية؛ فالسُّنة النبوية تقف جنبًا إلى جنبٍ مع القرآن الكريم فى مسألة التشريع، فقد تكون مقرّرة ومؤكّدة حكمًا جاء فى القرآن؛ كالأمر بإقامة الصلاة.

وإيتاء الزكاة، وقد تكون مفصلةً لما أجمله القرآن الكريم؛ وقد تكون مخصّصة لحكم عام ورد فى القرآن  الكريم؛ بل ترتقى السُّنة أحيانًا إلى معارج التأصيل والتشريع ابتداء، حتى تصير منشئة لأحكام ليست فى القرآن الكريم؛ كتحديد نصيب الجدة فى الإرث، وأحكام الشفعة.

وتحريم لبس الحرير والذهب على الرجال، ومن العجيب أن نجد بعد ذلك من يحرض على الاتكاء فى التشريع على القرآن الكريم فقط، وتنحية السُّنة جانبًا، فحاجة القرآن للسُّنة أشد من حاجة السُّنة للقرآن.

ولذا قال النبى، صلى الله عليه وسلم:»ألا إنّى أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلّوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرّموه، ألا لا يحلّ لكم لحم الحمار الأهلىّ، ولا كلّ ذى ناب من السّبع، ولا لقطة معاهد، إلّا أن يستغنى عنها صاحبها، ومن نزل بقوم فعليهم أن يقروه، فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه».


وما مظاهر التيسير على المسلمين فى التشريع الإسلامى؟
- لا بد من الإشارة إلى أن الأصل فى الأشياء الإباحة إلى أن يرد نصٌ صريحٌ بالتحريم من القرآن الكريم أو السُّنة المطهرة، قال تعالى: (وقد فصَل لكم ما حرَم عليكم)، (الأنعام 119)، ولم يقل وقد فصّل لكم ما أحل لكم، لأن الحلال شاسعٌ، ومترامى الأطراف، ولا يكاد يحصر، بخلاف الحرام والمكروه. 

وأراد بتفصيل المحرمات ما ذكره فى قوله تعالى: (حرِّمت عليكم الميتة والدم)، (المائدة 3)، ثم قال بعدها: (إن ربك هو أعلم بالمعتدين)، (الأنعام119)، أى الذين يجاوزون الحلال إلى الحرام؛ وقال أيضًا: (قل من حرَّم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق)، (الأعراف32)..

ولذا فمن أبرز ما يميز الدين الإسلامى اتسامه باليسر، وانتحاؤه إلى رفع الحرج والمشقة. والتيسير فى الشريعة الإسلامية لا يعنى أن يتفلت الإنسان من أوامر الشرع ومقتضياته، ولكن المراد الأخذ بيد المكلّف إلى أداء الفرائض دون مشقة أو عنت, ويتوجَّب علينا أن نعبد الله تعالى على بصيرة، واضعين فى أذهاننا أن الدين يسر، وأن المنبت لا أرضًا قطع ولا ظهراً أبقى.

اقرأ ايضا | عالم أزهري: الصدقة والزكاة براهين على المؤمن الحق