اللواء نبيل أبو النجا: كنا نضع «زلط» على ألستنا حتى لا نشعر بالعطش

فى ذكرى العاشر من رمضان| المقاتلون الصائمون يروون ذكريات النصر

فى ذكرى العاشر من رمضان|  المقاتلون الصائمون يروون ذكريات النصر
فى ذكرى العاشر من رمضان| المقاتلون الصائمون يروون ذكريات النصر

اللواء رضوان طلبة: اكتسحنا العدو وعبرنا خط بارليف
اللواء عادل مسعود: مصر بها رجال أشداء يتحولون لأسود دفاعًا عن وطنهم

ذكريات النصر فى حرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر عام 1973، ليست مجرد ذكريات تروى فى صفحات التاريخ، بل هى أحداث شكلت واقع ومستقبل وطن، أخرجه رجاله من كبوته، ورسموا بدمائهم نصره، وغيروا وجه المستقبل فى المنطقة، لتمر السنوات على ذكرى انتصار اﻷبطال.     «الأخبار» تقرأ فى أوراق عدد من أبطال نصر العاشر من رمضان، وتروى صفحات بطولاتهم لتسترجع ذكريات الصائمين فى حرب الكرامة لاستعادة الأرض والشرف ولتظل دروس الحرب بكل فخر وإباء تلخص منهاج حياة وتؤسس لدليل نسترشد به للطريق نحو النصر.

 

فى البداية يروى اللواء نبيل أبو النجا بطل قوات الصاعقة فى حرب أكتوبر ذكريات المعركة ويقول: «كنا بنحارب صايمين مكناش بنفطر»، مشيرا إلى أن الحرب بدأت فى العاشر من رمضان يوم السبت.

ونحن دخلنا بطائرات الهيلكوبتر بعد الحرب بساعتين ونصف، وطوال هذه الفترة كنا فى التلال على بعد 80 كم، وكان مع كل واحد «غطا زمزمية»، ليزيل الريم الأبيض من على اللسان، ويضع زلطة على لسانه حتى لا يشعر بالعطش.


وأضاف أن الأكل والشرب والصيام، هى أمور لم تكن فى الحسبان، وصحيح أن رجال الصاعقة يأكلون الثعابين والسحالى إنما الحمل الذى على ظهورنا، والمسئولية الملقاة على كاهلنا، جعلتنا لا نفكر فى الأكل والشرب.


وعن حياته العائلية قال:»روحت لأمى طردتنى، وقالتلى بالطول وبالعرض أنت ضابط صاعقة والصهاينة خدوا أرضك، روح مش عاوزة أشوفك، إلا لما ترجعها «، واصفًا تلك المواقف بأنها ليست ذكريات، وإنما هى شريط يعرض أمامه وسيظل يتابعه حتى يلقى وجه ربه.


وتابع: «لما رجعت من الحرب كان نفسى أشوف أمى الله يرحمها، فضلت من يوم 6 ليوم 19 رافعة إيديها للسما، بتدعى إنى أرجع لأنى كنت آخر العنقود، وكأن قلبها كان يشعر بأنى أعيش بدون أكل تماماً، وأشرب الماء بالقطارة، حتى يوم 19 أكتوبر، بعد الحرب بـ13 يوما أو أكثر.


وعن عائلته قال «أبو النجا» اخواتى اعتقدوا إنى استشهدت؛ لأن مهمتى كانت هى ردع دبابات العدو وتدميرها، لذلك استقبلونى بنوع من المفاجأة والذهول، لأنى مازلت على قيد الحياة، موضحًا أنه لم يعد من المجموعة التى كانت معه إلا أربعة فقط، هم من تبقوا من عدد ضخم جدا، أما الباقون فاستشهدوا، مشددًا على أن استشهاد زملائه كان له وقع رهيب على نفسه.


تبة الشجرة
وفى سياق متصل، قال اللواء رضوان طلبة، أحد أبطال موقعة «تبة الشجرة»، إن إحدى مهامه أثناء حرب النصر و العزة العاشر من رمضان، هى اقتحام تبة الشجرة «موقع حصين» وهى مركز قيادة العدو الإسرائيلى للسيطرة على إدارة أعمال القتال لقوات الاحتلال الإسرائيلية الموجودة فى القطاع الأوسط، وتم القضاء عليه بنجاح خلال 45 دقيقة.


وعن الحرب فى رمضان، أشار إلى إصدار الدكتور عبدالحليم محمود شيخ الأزهر، فى ذلك الوقت، فتوى بجواز الإفطار لكل أفراد الجيش على الجبهة فكان الأغلب يصوم دون أوامر بالصوم، ولكن كانت فتوى الإفطار رخصة وقت الحاجة.. موضحًا إلى قيام القوات المسلحة بعمل لافتات لإدخال البهجة فى الشهر الكريم بوجود الوعاظ، وكذلك إعداد بعض الحلويات المشهورة فى مصر، كالقطايف والكنافة والأرز باللبن.


وأوضح أهمية التوعية الدينية وتنسيق إدارة الشئون المعنوية، ووجود الوعاظ والدعاة بشكل دورى ومنتظم على مدار العام، وكذلك تواجد حلقات دينية للأخوة المسيحيين، فكانت زيارات الجبهة مستمرة من شيخ الأزهر، وتأدية صلاة الجمعة معه، وكذلك زيارات الإخوة المسيحيين من الكنيسة.


وأكد اللواء رضوان أن القوات المسلحة اعتمدت فى تحفيز الجنود ورفع روحهم المعنوية على ركائز أساسية، وهى القائد والجندى والسلاح، وبالفعل اكتسحنا العدو فى حرب 1973، وعبرنا خط بارليف الذى كان من أقوى الحصون التاريخية، وفى أول يوم قتال، تمكنا من تدمير 29 نقطة من أصل 31 نقطة قتال للعدو الإسرائيلي.


رجال أشداء
وكتب اللواء عادل مسعود أحد أبطال حرب أكتوبر أن العاشر من رمضان ستظل ذكرى عظيمة مقدسة نحتفل بها ليوم غالٍ من تاريخ الوطن استعدنا فيه الأرض و العرض، مضيفًا أن ذكريات يوم العاشر من رمضان محفورة فى ذاكرة كل مقاتل صائم تحرك الساعة الثانية ظهرًا من أجل تحقيق الحلم والنصر.

وأشار: أتذكر ونحن نعبر كان بجوارى أحد المقاتلين الصائمين يحمل مدفعا وزنه ٢٠ كجم على «كتفه» ويصعد لعبور خط بارليف المنيع ونحن نردد صيحات الله أكبر ونتقدم باستمرار، منا من يصعد من خلال السلالم الخشبية، ومنا من يصعد بدونها.


وأوضح اللواء مسعود عن لحظات الإفطار: لم نكن نفكر على الإطلاق فى أى إفطار تناولنا «بق ميه» و «بسكوت» و كان هدفنا واضحا ومحددا هو إتمام المهمة لاسترداد الأرض، وأضاف «كنا نشعر بتوفيق الله عز وجل حققنا النصر فى معركة قالوا عنها إنها الأصعب فى تاريخ العسكرية، أكدنا للعالم أجمع أن مصر بها رجال أشداء إذا أتت ساعة الصفر يتحولون لأسود يدافعون عن وطنهم الغالى بكل قوة.


ومن جانبه قال العميد مصطفى أبو سديرة أحد الأبطال الذين شاركوا خلف خطوط العدو «كنا صائمين ومش عايزين نفطر»، وأوضح «كان هدفنا واضحا ومحددا هو تحقيق النصر وإزالة آثار هزيمة ٦٧، وأشار: كل المقاتلين كان هدفهم واحدا.. النصر أو الشهادة فى سبيل وطننا، وأكد: كنا جميعا على قلب رجل واحد نتحرك ونتقدم بعقيدة قتالية نثق بالله عز وجل فى تحقيق النصر.


وأشار السيد عبده نصر أحد الجنود المقاتلين، قائلًا: «كنت ضمن كتيبة اللواء ٢٤ مدرع لإسقاط طائرات العدو من خلال استخدام مدفع ٣٧ ملى، وأضاف عبرنا من خلال معبر ٣١ بجوار كوبرى الفردان وسط صيحات الله أكبر واستطعنا تدمير النقاط الحصينة للعدو.

وأكد «نصر» كانت ساعة الصفر بالنسبة لنا مفاجئة فلم نصدق أننا على أعتاب الحرب التى طال انتظارها لاستعادة الكرامة إلا عندما رأينا القنابل تنتشر بطول خط بارليف وانتشر الدخان وبدأ عبور أبطالنا حتى حققنا النصر وكانت تلك اللحظات أجمل لحظات حياتنا التى لا نستطيع وصفها مهما تحدثنا، مؤكدًا سعادته بما يراه فى سيناء من تنمية حقيقية فى ظل قيادة الرئيس السيسى الذى حقق طفرة عظيمة» .


ذاكرة الأبطال
وسرد بعض قيادات حرب أكتوبر المجيدة، مواقف لا تنسى من الحرب، تعبر عن مدى حماسة الجندى المصرى، ورغبته الجامحة فى عودة سيناء والعبور فقط، برغم مشقة ذلك فى الصيام، ويحمل ذخيرة وعتادا تماثل وزنه.


فيقول اللواء عبدالرافع درويش، الخبير الاستراتيجى، كبير ملاحى أحد اللواءات الجوية، فى حرب أكتوبر، إنه أصدر أوامره لأفراد اللواء بالإفطار قبل الحرب، وأخذ يمر عليهم جميعًا، ليتأكد من أنهم أنهوا صيامهم، إلا أن أحد أفراد اللواء.

وكان أحد تلامذته، قال له «حضرتك أكبر واحد فينا سنًا، ولما حضرتك صايم إحنا يا صغيرين هنفطر، بعد إذنك يا فندم إحنا هنصوم، عايزين لما نقابل ربنا، نبقى شهداء وصايمين».
وأضاف درويش أن من المواقف التى لا تنسى أيضًا فى الحرب هى المشاركة الشعبية الكبيرة، ومن المفاجآت التى حدثت أثناء الحرب، هو أن الجميع مع بدء الضرب وبداية العبور، رددوا «الله أكبر» دون أن يكون متفقا عليها، لافتًا إلى أنه كان عندما يتحدث فى جهاز اللاسلكى، يسمع «الله أكبر» تخرج من الأرض نفسها، فكانت كلمة ساحرة من عند الله، رددها الجميع من الجنود والقادة بشكل تلقائى، حتى كانت سببا فى النصر.


وكتب اللواء دكتور نبيل فؤاد، أستاذ العلوم الاستراتيجية، وكان مقدم أركان حرب بعمليات الفرقة الثانية خلال ملحمة العاشر من رمضان، فى الإسماعيلية والفردان، أنه تم تبليغ كل القوات بصدور فتوى من الأزهر تجيز الإفطار فى الحرب إلا أن الغالبية العظمى، أبت الإفطار، وآثرت دخول المعركة وهم صائمون، إذ أنه من حسن الحظ أنه كان فى شهر أكتوبر، والطقس لم يكن حارا.


ولفت فؤاد، إلى أن أشد ما كان يلاقيه الجنود هو الجوع، ولكنه كان محتملا، مشيرًا إلى أنه كان هناك «جاكيت» خاص لقوات العبور، مليء بالجيوب، لحمل الذخيرة، والمياه والطعام، وكانت تكفى لمدة 48 ساعة، إذ أنه كان من المتوقع أن تنقطع الإمدادات، واصفًا ثقل هذا الجاكيت قائلًا « كأنه شايل وزنه» وأضاف اللواء نبيل، أن السحور كان عبارة عن علبة عدس يتم شربها، ويصمد عليها الجميع لآخر اليوم.

وعن اللحظة التى لم يستطع اللواء نسيانها خلال الحرب، هى لحظة العبور، إذ قال إنه بمجرد عبور الجنود، وتدمير الساتر الترابى، بالرغم من وجود قصف جوى إسرائيلى، والضرب المحيط بالقوات المصرية، فإن الله أنزل سكينته فى قلوبهم، وسجدوا جميعًا شكرًا لله، على أرض القناة، غير شاعرين بالقصف والانفجارات حولهم.


معدلات الجريمة
وفى ملحمة «حرب 6 أكتوبر» والعاشر من رمضان شارك وساهم بقوة فيها طوائف الشعب المصرى بمختلف التوجهات والمذاهب، حتى أن الخارجين عن القانون والمجرمين أعلنوا مجتمعين توبتهم فى تلك الفترة والتوقف عن ارتكاب أى جرائم أو مخالفات قانونية من شأنها أن تكون نقطة سوداء فى تلك الحقبة الزمنية.


سجلات الأمن العام والأجهزة المعنية فى فترة حرب 73، ذكرت أن مؤشرات معدل الجريمة تراجعت تراجعا مذهلا خلال حرب العاشر من رمضان - أكتوبر، الأمر الذى كاد معه أن تخلو سجلات الجريمة من الجرائم الجنائية،‏ فقد كشفت السجلات حينها أن المحاضر والبلاغات بأقسام الشرطة والنيابات خلت خلال الأيام الثلاثة الأولى من الحرب من تسجيل سوى الجرائم المعروفة لدى أجهزة الأمن بـ»الجرائم العارضة».


والذى وضح جليا خلال حرب أكتوبر بالنسبة لـ»الجريمة» أنها تميزت بعدة سمات أبرزها أن الجنايات الكبرى فى الفترة التى بدأت من ‏6‏ وحتى يوم ‏21 ‏ أكتوبر قد انخفضت عن مثيلتها فى العام السابق من ‏95‏ جناية عام ‏1972 ‏ إلى ‏71‏ جناية فى أيام الحرب وبنسبة كبيرة هى ‏26%، وطبقا للتسجيلات فقد تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى‏ من ‏11‏ جناية فى الفترة نفسها من العام السابق إلى ‏7 ‏جنايات وبنسبة ‏ %40 - حسب سجلات الأمن العام.

اقرأ ايضا | معركة الإسماعيلية.. «الشجعان» في مواجهة دبابات العدوان| فيديو