محطات في حياة «الجوهري» جنرال الكرة المصرية

محمود الجوهري
محمود الجوهري

محمد‭ ‬كمال

يمتلئ التاريخ المصري بالأساطير في كافة المجالات .. عظماء تركوا بصمات كبيرة وإسهامات مهمة خلدت أسمائهم بحروف من ذهب .. في ملحقنا الرمضاني هذا العام نلقي الضوء على الأساطير الذين ارتبط مجدهم وتألقهم بأزمنة مختلفة وعصور متباينة حيث لم يكن هذا التألق مرتبط بفترة أو حقبة محددة .. وقمنا باختيار أربعة منهم .. 

من هو أهم مدير فني “مصري” في تاريخ الكرة المصرية؟ سؤال إجابته معروفة لأنها تنحصر بين اسمين فقط دون ثالث.. الأول محمود الجوهري والثاني حسن شحاتة.. لكن ما الفارق بين الجنرال والمعلم؟.

الفارق بينهما يعد النقطة الأساسية لاختيار الأول ضمن ملفنا الرمضاني.. النجاح المرتبط بأزمنة مختلفة وهو ما ينطبق الجوهري عكس شحاتة الذي يعتبر نجاحه مرحلي أي في فترة زمنية محددة خلال أربعة أعوام.. صحيح كانت أعوام خالدة للكرة المصرية من خلال إنجازات عظيمة لكن تبقى تجربة الجوهري التي جاءت على فترات متفرقة متباعدة تعطي له بعض من الأفضلية في تلك المقارنة الكروية.

لقب محمود نصير يوسف الجوهري المولود في 20 فبراير عام 1938 بالجنرال لأنه كان ضابطا في الجيش المصري حيث شارك في حرب أكتوبر 1973 وكان وقتها برتبة مقدم ووصل في خدمته العسكرية إلى رتبة عميد، وظل اسم الجنرال مرتبط به خلال مسيرته التدريبية التي امتدت لأعوام طويلة منذ بداية الثمانينيات حتى وفاته عام 2012.

الجوهري من الأسماء القليلة التي لا يختلف عليهم مشجعي الأحمر والأبيض رغم انتماء الجوهري للأهلي لاعبا ومدربا إلا أن ما قدمه للمنتخب المصري جعلت مكانته لدى الزملكوية لا تقل عن عشق الأهلوية لهم خصوصا وانه تولى تدريب نادي الزمالك في بداية التسعينيات وكان أول مدرب مصري و(الوحيد) الذي يتولى تدريب الغريمين.

لم تكن مسيرة الجوهري كلاعب كبيرة فقد كانت في الفترة ما بين 1955 حتى 1964 واعتزل مبكرا وهو في عمر الـ26 بعد إصابته بقطع في الرباط الصليبي، وشارك مع المنتخب المصري في بطولة إفريقيا عام 1959 التي حصل عليها المنتخب وكان الجوهري هداف البطولة بعد احرازه ثلاثية في مرمى منتخب إثيوبيا، وشارك مع المنتخب أيضا في دورة الألعاب الأوليمبية بروما عام 1960، وخاض الجوهري 25 مبارة بقميص منتخب مصر قبل الاعتزال والاتجاه إلى التدريب في قطاعات الناشئين بالنادي الأهلي.

 

وصل الجوهري عام 1982 ليصبح المدير الفني للنادي الأهلي والذي حصل معه على أول بطولة إفريقية يحققها النادي في هذا العام بعد الفوز في المبارة النهائية على فريق أشانتي كوتوكو الغاني (الرهيب وقتها) بثلاثية في القاهرة قبل التعادل في كوماسي، وحقق مع الأهلي أيضا بطولتي كأس مصر عامي 1983 و 1984.

 

تولى الجوهري مهمة تدريب المنتخب المصري للمرة الأولى عام 1988 والتي خلالها نجح للوصول إلى كأس العام بإيطاليا عام 1990 للمرة الثانية في تاريخ مصر بجيل معظمه من اللاعبين المحليين فلم يكن منتخب مصر يمتلك سوى لاعبا محترفا واحدا فقط ومن بعد كأس العام أحدث الجوهري النقلة في سوق الانتقالات الداخلية في مصر وأيضا الاحتراف الخارجي حيث قدم أكثر من لاعب من المنتخب المصري للاحتراف الأوروبي على رأسهم هاني رمزي والتوأم حسام وإبراهيم حسن ومجدي عبد الغني ومحمد عبد العظيم وغيرهم.

 

قدم المنتخب المصري مستوى رائع خلال المشاركة في كأس العالم حيث كانت البداية في التعادل مع المنتخب الهولندي أحد أقوى المنتخبات في تلك الفترة والمرشح الأول للفوز بالبطولة بعد حصوله على كأس الأمم الأوروبية، وكان يضم بين صفوفه مثلث الرعب الشهير (فان باستن – رود خوليت – فرانك ريكارد) وقدم المنتخب المصر بقائمة من اللاعبين المحليين مبارة مازلت محفورة في قلوب الجماهير المصرية حتى الآن حتى الهولنديين هناك من مازال يتذكرها فقد نجح المنتخب المصري في التعادل الإيجابي بهدف أمام بطل أوروبا بعد تسجيل مجدي عبد الغني لضربة الجزاء الشهيرة، وعقب كأس العالم حقق المنتخب المصري مع الجوهري بطولة كأس العرب عام 1993.

 

التجربة الثانية المهمة للجوهري مع المنتخب المصري كانت عام 1998 عندما قاد الفريق للحصول على بطولة أمم إفريقيا التي أقيمت ببوركينا فاسو ولم يكن المنتخب المصري وقتها من ضمن المنتخبات المرشحة للفوز بالبطولة، ولم يكن الإعلام المصري يتوقع الكثير بل كانت كل التكنهات تشير بخروج المنتخب مبكرا، لكن الجوهري نجح وقتها مع جيل جديد في قلب الطاولة وتحقيق البطولة وحصول كابتن المنتخب وقتها حسام حسن على لقب الهداف ورهان الجوهري بالدفع على المهاجم المخضرم رغم الانتقادات المتواصلة من الصحافة وقتها ليصبح الجنرال أول مصري يحصل على بطولة إفريقيا كلاعب ومدرب.

 

بعد أن ترك الجوهري المنتخب المصري بعد الفشل في الوصول إلى كأس العالم 1994 قدم تجربة منفردة مع نادي الزمالك رغم انتماء الجوهري المعروف للغريم الأهلي، لكن تجربة الجوهري مع الزمالك كانت مميزة فقد نجح في الحصول مع الزمالك على بطولة إفريقيا عام 1993 ثم بطولة السوبر الإفريقي عام 1994 أمام الأهلي في المباراة التي أقيمت في جوهانسبرج، كما نجح للمرة الأولى للزمالك في الفوز على الأهلي مرة ثانية في نفس الأسبوع بعد الفوز في لقاء قمة الدوري بهدفين وقدم الجوهري خلال المباراة مغامرة كبيرة باشراك خمسة من قطاع الناشئين دفعة واحدة.

قدم الجنرال مجموعة من التجارب في التدريب خارج مصر مثل الشارقة الإماراتي عام 1985 والأهلي السعودي في 1986 ونادي الوحدة الإمارتي ومنتخب عمان عام 1996 لكن تظل التجربة الأبرز والأهم مع المنتخب الأردني عام 2002 والنقلة الكبيرة التي شهدها المنتخب الأردني بشكل خاص والكرة الأردنية بشكل عام خلال فترة وجود الجنرال التي خلالها صعد المنتخب الملقب بالنشامي للمرة الأولى في تاريخه لكأس أمم آسيا عام 2004 بالصين، والتي وصلت خلالها الأردن لدور الـ 8، ثم عمل الجوهري كمستشار فني للاتحاد الأردني منذ عام 2007 حتى وفاته في 2012 ومازال اللافتات ترفع في الأردن حتى يومنا هذا المكتوب عليها (لن ننساك يا جوهري).

 

الجوهري هو المدرب الوحيد الذي التفت الجماهير حول منزل الرئيس الراحل حسني مبارك للمطالبة بعودته لتدريب منتخب مصر رافعين النداء الشهير (جوهري .. جوهري) الذي يظل يهز استاد القاهرة لأعوام طويلة.