شاعر «الاعترافات» محمد الشحات: أنا «كائن» رمضانى.. وفانوسى «كوز» من الصفيح!

الشاعر محمد الشحات
الشاعر محمد الشحات

منذ عدة سنوات امتلأت الصحف والمجلات بشعر محمد الشحات، وأخذت دواوينه تصدر بصورة متسارعة، كأنه انبثق فجأة من رحم الزمان، رغم أنه شاعر سبعينى لم يتوقف يومًا عن قرض الشعر، فأضحى وقد ملأ الدنيا وشغل النقاد، كاتبًا ومكتوبًا عنه.. غير أنه لم يلبث حتى اختلف النقاد أنفسهم حول نصِّه، ما بين قائلٍ: هو صورة واحدة مكرورة بنسخٍ متعددةٍ، وألفاظٍ مرصوصةٍ، وجذورٍ لغويةٍ محدودةٍ، فهو كالخروب: قنطارُ خشب ودرهم حلاوة؛ وقائلٍ: إنما هو شاعر ذو نفسٍ ملتاعةٍ تسكن مدينة الجمال، يحدو بقيثارته أوجاع وطنه وآلام أمته؛ وتبقى دواوينه البالغة خمسة وعشرين تتمسَّك بمكانها بثقةٍ بين أرفف المكتبة العربية قائلةً لكلِّ ناقدٍ نحريرٍ: "هيت لك"، ليكشف خبأها ويفصل بين صَدفها الفارغ وذاك المُترع بالجواهر الثمينة.


فى هذا الحوار لم تكن "آخرساعة" العريقة لتُجامل أحد أبنائها القدامى على حساب الحقيقة الشعرية الحاوية للحق والخير والجمال؛ وإنما تستقدم روحه الشاعرة الشفافة من وادى "عبقر" وتجلوها إلى حضرات القراء لينخلوها ويضعوها على كرسى الاعتراف، ومن ثم يحكمون عليها بعد ذلك بخلود الجنان أو جحيم النسيان.  

< هل يستقبل الشعراء شهر رمضان كباقى الناس أم أن لهم طقوسًا خاصة بهم؟

ـ سيظل شهر رمضان الكريم محلقًا فى ذاكرة الإنسان، ودائمًا ما يطل بذكرياته مع قدومه فى كل عام، ويمكننى أن أطلق على نفسى «كائن رمضاني»، فهذا الشهر أستعد له بالعديد من الطقوس، فأنا من سكان حى السيدة زينب، ولهذا الحى رائحة وبهجة خاصة بهذا الشهر، ففى حواريه كانت تنتشر دكاكين صناعة الفوانيس، وكنا ونحن أطفال لا نشترى الفانوس لأنه غالى الثمن بالنسبة لنا، فكنا نحضر (كوز) من الصفيح ونقوم بعمل مجموعة صغيرة من الثقوب فى جهة منه، ثم نشعل بداخله شمعة، وندور على بيوت الجيران للحصول على العادة، وعادة ما تكون أى نوع من حلويات رمضان، وأذكر أننى كنت أحرص على الذهاب إلى القلعة ومشاهدة إطلاق مدفع رمضان المعروف باسم الحاجة فاطمة، ثم نتهادى إلى مسجد السيدة زينب، حيث كانت تقام أول مائدة للرحمن كان يقيمها أحد الرجال الصالحين داخل المسجد، وكانت عبارة عن طبق من الفول إلى جانب طبق سلطة ورغيفين، ونظل بمسجد السيدة إلى ما بعد صلاة التراويح، حيث نبدأ فى التجمع للاشتراك فى الدورات الرمضانية الكروية، وكانت تقام بطولات بين الحارات، ثم الأحياء، بل إننا كنا نقيم بجوار قطعة أرض واسعة كنا نلعب بها كرة، وفى رمضان شاهدنا على ذلك الملعب نجوما من النادى الأهلى مثل حسن حمدى وإبراهيم عبد الصمد وعدد آخر من اللاعبين، شاركوا فى تلك الدورات مجاملة للاعب الأهلى عثمان السويركى ابن حارتنا، وفى نهاية السبعينيات أيضًا كان اللاعب جمال عبد الخالق ابن حارتنا أيضًا يلعب فى الأهلى ودعا أكثر من لاعب للاشتراك فى تلك الدورات الرمضانية.

كيس طرشي!

< وماذا عن الذكريات الأدبية الخاصة ببداياتك الأولى بحى السيدة زينب؟ 

- من الذكريات التى لا يمكن أن تغرب عن ذاكرتنا شهرة حى السيدة زينب بالأكلات الرمضانية مثل الكنافة والقطايف، فكان بها واحد من أشهر المحلات التى يأتى إليه الزبائن من كل صوب وحدب، وكنا نستغل ابن صاحب المحل زميلنا فى المدرسة لكى يسهِّل لنا عملية الشراء بعيدا عن الزحام، وكان معمل الطرشى ببركة الفيل أشهر معامل الطرشى فى القاهرة ويشهد زحاما شديدا، فكنا نستغل الوقت عقب أذان المغرب من أجل العودة للمنزل بكيس الطرشي، فهو شديد الأهمية على الإفطار.. وبعد أن كبرنا وأدركتنا حرفة الأدب، كانت تقام أمسيات شعرية على سور بيع الكتب القديم فى مكانه القديم بميدان السيدة، حيث نقوم بالاستماع إلى الشعراء وكتّاب القصة القصيرة، قبل أن تستغل الثقافة الجماهيرية هذا المكان وتقيم خيمتها الثقافية.

< من خلال تاريخك الإبداعي.. هل نستطيع أن نحكم على المتلقى العربى للشعر الآن باللامبالاة؟

- لا يُمكن لنا كمبدعين أن نصف متلقى الشعر الآن بهذا الوصف، فهو فى رأيى وصف شديد الصعوبة؛ فالمتلقى العربى يبالى بما هو جيد، وبما يشعر بأنه قد عبَّر عنه تعبيرًا صادقًا وأمينًا، وأن الشعر كان صوته وضميره، وأنه استطاع أن ينفذ إلى داخله وأعماقه؛ ولكن إذا كنت تصف الفئة التى هجرت الشعر، نعم هناك من هجر الشعر، ولم يعد يتذوقه ويُقبل عليه؛ والسبب فى ذلك عناصر كثيرة لو قمنا بعملية حصر سريعة لقلنا: العملية التعليمية وما يُقدم للطلاب من نماذج شعرية غير جيدة؛ ثم الإعلام- بكل أشكاله- الذى نفى الشعر والشعراء، اللهم إلا بعض النوافذ القليلة التى ما زالت مفتوحة، ثم تغيُّر فى مذاقات المتلقي، والوسيط فيما بين المبدع والمتلقى وهم النقاد، وأخيرًا الشاعر نفسه؛ وأنا أرمى عليه بالمسئولية الكبيرة، فالشعراء يقع على عاتقهم العبء الأكبر فى جعل المتلقي - كما تقول، لا يبالي - لأنه - وللأسف الشديد - القارئ يجد أمامه منتجًا شعريًّا الكثير منه رديء وغير جيد، وغير صادق، ولم يراعِ الشاعر ضميره الأدبى فى عملية إخراجه، فقدم لنا نماذج شعرية مشوهة أسهمت فى الدفع بالمتلقى إلى هجرة الشعر والاتجاه إلى أشكال إبداعية أخرى، مثل: القصة والرواية، وهذا ما دفع بناقدنا الراحل جابر عصفور إلى أن يقول: نحن نعيش فى زمن الرواية؛ وأنا أختلف بشدة مع هذا المصطلح لأننا سنظل نعيش فى زمن الشعر؛ لأن الشعر يمرض ولا يموت؛ والغرب أمام ما يشهده العالم فى ربع القرن الماضى لم يجد أمامه ما يعبر عنه إلا الشعر، فجرى إلى الشعراء الذين كانوا عند حُسن ظن القارئ الغربى بهم، فقدموا له نماذج شعرية شديدة الصدق ومعبرة عنه، فعاد المتلقى وبشكل كبير إلى الإقبال على الشعر؛ ونتمنى أن يفيق الشعراء العرب من غفوتهم، ويعيدوا إليهم جمهورهم لأنهم كانوا السبب المباشر فى أن يهجرهم.

المهنة والموهبة

< دائمًا ما يُقال إن الصحافة تقتل الإبداع أو ما يُسمى بصراع المهنة والموهبة.. هل أثر عملك الصحفى فى منتوجك الشعرى كمًّا وكيفًا؟


- نعم، لأن الشعر لا يريد مشاركة أحد فى الشاعر؛ فعندما ينصرف الشاعر عن الشعر، يقوم الشعر وبسرعة بالانصراف عن الشاعر؛ أنا بسبب الصحافة انصرف عنى الشعر سبعة عشر عامًا، من 1996 حتى 2011؛ ولا بد من الاعتراف بأن الصحافة لم تكن السبب الوحيد، لأن هناك أسبابًا أخرى عديدة؛ ولكن الصحافة «مفرمة»، ومهنة شديدة التعب، وتحتاج من الصحفى إلى مجهود ذهنى شديد، إذ لا بد أن يكون شديد الصفاء حتى يستطيع أن يقدّم عملًا صحفيا مميزًا؛ وأنا خلال عملى فى دار أخبار اليوم عملت فى «أخبار الأدب» فى أعدادها الأولى؛ وفى «الأخبار» باب القصص الإنسانية، وليلة القدر، وأسبوع الشفاء؛ وفى «أخبار اليوم» فى صندوق الكوارث، ثم فى «أخبار الرياضة»؛ كل هذا العمل لم أجد معه الصفاء الذهنى لكتابة الشعر.

معايشة وانصهار

< كانت للشعر الصوفى الريادة فى تشبيه التجربة الروحية بالرحلة.. لكن الرحلة عندك مخوفة ومضنية ولا تُفضى إلى نهايات سعيدة.. لماذا؟

- هل تُصدقنى إذا قلت لك إننى لا أحب أن يصفنى أحد بأننى شاعر صوفى، أو أكتب الشعر الصوفى، أنا أكتب ما أحس وأشعر به، لا تشغلنى كثيرًا التسميات، لأن شعراء الصوفية - وهم كثر - قد تمارسوا الصوفية وتدرجوا فى مراتبها ودخلوا إلى أحوالها وكتبوا شعرًا؛ وكانت البيئة والمناخ والاعتزال والدخول إلى الخلوة أمورًا مسيرة؛ فهل يمكن لأى شاعر فى الوقت الراهن أن يفعل ذلك؟ أنا أكتب الشعر من خلال أبعد نقطة بداخلى، لا أكتب إلا بعد حالة من المعايشة والانصهار الشديد فى تجربتي، وتظل تدور بداخلى وتختمر ثم تخرج؛ أنا أكتب الشعر بروحي، من داخل أعماقي؛ لم أفتعل نصًّا شعريًّا واحدًا على امتداد الـ 25 ديوانًا، وعلى امتداد نصف قرن من تجربتى الشعرية؛ أنا بكيت كثيرًا وأنا أعيش التجربة وأكتبها؛ كل حرف منغمس بفيض من المشاعر والحس الإنسانى شديد الصدق؛ القصائد التى أكتبها تنبع من  بؤرة روحي، وهذا ما جعل الكثير من النقاد يصفون العديد من تجاربى بأنها قصائد صوفية، طبعًا لهم كل الحق؛ وكثيرًا ما كنتُ أفاجأ بما كتبته من قصائد، ولا أريد الدخول والحديث عن الإلهام، ولكنى أستطيع القول إننى أمرُّ عند الكتابة بحالة شبيهة بما يعترى الصوفى فى خلواته المتعددة.

< بعض الشعراء يستخدمون ألفاظ الشارع فى نصوصهم، وهناك من يُنادى بتعفف اللغة الشعرية عن طرق الاستعمالات اليومية.. إلى أى الرأيين تميل؟

- هل تُصدقنى لو قلتُ لك إننا نسفه من الإبداع ومن قيمته عندما ندخل فى تلك الأمور؟ أنا هنا لدىّ سؤال هل الشاعر العربى القديم فى قصائده حتى فى المعلقات النموذج الأثيرى لم يذكر ألفاظ الشارع أيامه طبعًا، والأماكن والحيوان والأشخاص ذكر كل شيء؛ عندما يكتب شاعرٌ عن الإنسان ويريد أن يؤثر فيه ويتفاعل معه فلا بد أن يجد نفسه وعالمه بكل ما يُحيط به فى هذا الشعر، حتى يمكنه أن يتأثر به ويتفاعل معه، ويشعر بأن الشاعر عبَّر بصدقٍ عنه، ولكن من خلال استخدام لغوى صحيح يبعد به عن الإسفاف والابتذال والسطحية اللغوية.

المسرح الشعري

< رغم أعمالك الممتدة فى الزمان فإنك صدفت عن التعمق فى ذلك الجزء المكثف من الحياة والمسمى بالمسرحية الشعرية.. لماذا؟

- هل تحفظ لى سرى إذا ما كشفته لك؛ ناقدنا الكبير الدكتور صلاح فضل قال لى بعد تلك التجربة: ننتظر منك تجارب فى المسرح الشعري، وبالفعل كتبت مسرحيتين، وجلست عليهما من أجل المراجعة، هاتف بداخلى أصر على أن أعود مرة أخرى لقراءة الأعمال المسرحية للشاعر الرائد صلاح عبد الصبور، ورغم القراءات السابقة لتلك الأعمال عدت إليها، فتوقفت عن المراجعة لإعادة الفكرة والصياغة والتناول، رغم أن هناك عددًا من الأصدقاء النقاد أثق فى رأيهم أشادوا بالعملين، إلا أننى كنت أشعر بأن ما أنجزه صلاح عبد الصبور فى المسرح الشعرى فى مكانة عالية، وعندما يكتب أحد مسرحًا شعريا لا بد أن يقترب بدرجة ما إلى ما كتبه عبد الصبور، ويمكنك الآن أن تُسمّى عددًا كبيرًا من الشعراء الذين كتبوا مسرحيات شعرية، ورغم الثناء عليهم للمحاولة والشجاعة التى اتسموا بها، ولكن لم يتمكن أحد من الاقتراب بدرجة ما مما كتبه عبد الصبور، ولكن الموضوع فى ذهنى وسوف أعود إليه مرة ثانية.

شاعر تفعيلة

< ألا تعتقد أن الكتابة على قصيدة التفعيلة وحدها يجعلك مُجافيًا لباقى الأشكال الشعرية؟

- هل من المفروض علىّ كشاعر ضرورة أن أكتب القصيدة العمودية، وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، وأنتظر أى شكل شعرى جديد ومستحدث أن أكتب به، وإلا سأكون مجافيًا لباقى الأشكال الشعرية؛ علينا أولًا أن نتفق بأن كل شاعر له خريطة إبداعية أو قدرة تتضمن مزاجه النفسي، قاموسه اللغوي، قاموسه الشعري، إذا ما كان شاعرًا عموديا أو شاعر تفعلية والبحور التى يحبها ويميل إليها، ولو كان شاعر قصيدة نثر لا بد من العودة إلى تعريف الناقدة الفرنسية سوزان برنار، التى عرَّفت قصيدة النثر بأنَّها: «قطعة نثر موجزة بما فيه الكفاية، موحّدة، مضغوطة، كقطعة من بلّور، وخلق حرّ، ليس له من ضرورة غير رغبة المؤلف فى البناء خارجًا عن كلِّ تحديد، وشيء مضطرب، إيحاءاته لا نهائية»؛ ولا بد للشاعر أن يعرف أين يقف، وإلى أى شكل من تلك الأشكال الإبداعية يريد أن يكتب، مع ضرورة أن يقدم فى كل شكل من تلك الأشكال عملًا له قيمة؛ ولكن الشاعر الذى يريد الانتقال بين تلك الأشكال أعتقد أنه فى النهاية لن يتمكن من تحقيق أى شيء؛ أنا شاعر تفعيلة، وما زلت أشعر بأننى قادرٌ على الإبداع بهذا الشكل؛ كما أننى من أشد المعجبين بعدد غير قليل من شعراء قصيدة النثر، رغم وجود الكثير من التجارب غير الجيدة، والأمر ينطبق أيضًا على شعراء قصيدة التفعيلة والقصيدة العمودية؛ فى النهاية الشعر هو الشعر.
جوائز الدولة 

< تظل نتائج الجوائز عمومًا وجوائز الدولة خاصة ذات اتجاه مثير للرفض والتشابك بين المثقفين.. هل تعتقد أنه تم إنصاف إبداعك وتقديره؟

- هناك الكثير من الأسماء - وأنا هنا أقصد المبدعين الحقيقيين - بعيدة عن جوائز الدولة، ولن أدخل معك فى الخبايا والتفاصيل الكثيرة فالكل يعلمها؛ ولكنى سوف آخذك لمنطقة أخرى متعلقة بالجوائز وأمور أخرى كثيرة؛ هل لدى المجلس الأعلى للثقافة خريطة إبداعية عن المبدعين المصريين، بحيث يستطيع أى إنسان من أى مكان فى العالم بضغطة واحدة على جهاز كمبيوتر أن يعرف أبرز المبدعين فى كل المجالات، ومن خلال عمل شاق ومضنٍ قامت به العديد من الورش النقدية؟ هل فكر اتحاد الكتاب وهو يرصد 400 ألف جنيه لجائزة باسم أمير الشعراء أحمد شوقي؛ فلو دعا 40 ناقداً جادا وتم اختيار أربعين شاعرًا وعكف كل ناقد على مشروع الشاعر، وأصبحت تحت أيدينا دراسات جادة وضعنا هؤلاء الشعراء فى طبقات، هل سأل أحد نفسه كيف عرفنا قيمة الشعراء العرب القدامى، أليس من خلال الطبقات وعلوم الرجال، لو فعلنا ذلك وغيّرنا من آليات الترشح لجوائز الدولة، مع تحديث كل عام فى تلك الدراسات، لعرفنا بصدق أسماء المبدعين الحقيقيين، وحصدوا الجوائز التى يستحقونها .

أما أنا فغير منشغل بالجوائز، العمر لم يعد به الكثير، وبداخلى الكثير من القصائد التى تريد أن ترى النور، ولا أريد أن أشغل تفكيري، وما يضيف إلىّ هو كتابة نص جيد وإصدار ديوان جديد، ومتابعة ما يكتبه النقاد عنه، فهذه الأمور هى مبعث سعادتي؛ ففى عامين اثنين كتب 116 ناقدًا من مختلف الأقطار العربية صدروا فى ثلاثة كتب، وهناك كتاب نقدى رابع يتم التجهيز له؛ أما جوائز الدولة بآلياتها وطرق التصويت وما نسمعه كل عام عنها، أعتقد أن أى مبدع حقيقى لا يسعده الفوز بها.
النقاد القتلة!

< بعض النقاد يشير إلى أن جيل السبعينيات كان الأضعف شعريًّا وأسهم فى موت الشعر.. كيف ترى هذا الرأي؟

- بالعكس هناك الكثير من النقاد يصفونه بأنه الجيل الشعرى المميز فى خريطة الشعر المصري، ومن الممكن أن تقول إن هناك عددًا كبيرًا من النقاد قتلوا هذا الجيل عندما تم حصره فى جماعتى «أصوات» و»إضاءة»، تلك كانت الكارثة، لأن هذا الجيل الشعرى كان يضم أكثر من مئة شاعر على قدر كبير من الموهبة وفى جميع المحافظات، وكلهم شعراء كبار وأصحاب مشاريع شعرية حقيقية، لو نالوا من الاهتمام والدراسات وتسليط الضوء على تجاربهم لأخذوا جزءًا من حقهم، ولأننى وهم تعرضنا جميعًا للقتل المتعمد من نقاد ـ للأسف - افتقدوا إلى الموضوعية، وحرَّكتهم اتجاهات سياسية، كان معظم الأسماء التى اهتموا بها ينتمون إلى هذا التيار، فكان لا بد من قتل باقى الشعراء لمصلحة تلك الجماعة.
عربة النقد

< دائمًا ما تتهم الحركة النقدية بأنها غير مواكبة للنصوص.. لماذا لا يكون الشعراء هم المسئولون عن «الدوران حول الرأس الفارغ»؟

- لا نريد أن نظلم الحركة النقدية، ولا أن نظلم الحركة الشعرية، فمن المعروف أن الحركة النقدية فى مصر تضم نقادًا ينتمون إلى الجامعة وهم شريحة الأكاديميين، ثم النقاد الذين يمارسون النقد، سواء أكانوا شعراء أم نقادًا فقط، ونقادًا يمارسون النقد الصحفي، وهذا المثلث موجود منذ القرن التاسع عشر، فمن الممكن أن يتميز النقد الأكاديمى فتجد مجموعة كبيرة من الأسماء، تسير إلى جوارهم أسماء أخرى لا تقل قيمة، ومعهم نقاد الصحف؛ هذا الثالوث خدم الإبداع العربى بشكل كبير، لأن أهم صفة كانت تميزهم الأمانة، وقلت نسبة المجاملات، ساعدهم فى ذلك وجود مبدعين كبار، إلا أن الحال تبدل، ولم تعد الجامعة تقدم لنا أسماء نقدية كثيرة مع وجود أسماء قليلة مميزة فى الوقت الحالى يسعون جاهدين إلى دفع عربة النقد بمفردهم، معهم أيضًا من احترف العملية النقدية من الشعراء، وهذا العدد لا يكفى لمتابعة قطار الإبداع المنطلق بسرعة الصاروخ، ومع ذلك هناك مجموعة بديعة من النقاد يعملون بجد واجتهاد؛ ولكن على الجانب الآخر هناك من يمارس النقد سواء أكان كتابة أم فى المنتديات والصالونات الكثيرة والمنتشرة يحدثون عملية خلط يصبح من الصعب معها أن تفرق بين الغث والسمين.