عملية تكميم معدة تنتهي بجريمة قتل l المؤبد لممرضة بورفؤاد

المجنى عليها
المجنى عليها

حبيبة جمال

عندما تنظر إليها تجدها فتاة ذات وجه ملائكي وشخصية مرحة جميلة، الكل يعرف عنها الطيبة او كما هم ظنوا ذلك، ولكن الظواهر خداعة- للأسف خلف هذا الوجه الملائكي كانت الحقيقة البشعة، شخصية غير سوية، تحولت من ملاك رحمة يخفف آلام المرضى لقاتل محترف؛ في لحظة سيطر عليها الشيطان قررت قتل جارتها المسنة لسرقة أموالها والسبب هو رغبتها في الحصول على أموال لإجراء عملية تكميم معدة لها إرضاءًا لزوجها الذي كان يعايرها بجسمها وزيادة وزنها، ولكن انتهى حلمها بكابوس وضعها خلف قضبان السجن.. تفاصيل تلك الجريمة البشعة ترويها السطور التالية. 

 

قبل 28 عاما من الآن، في بور فؤاد، ولدت دنيا، طفلة جميلة، كانت تكبر يوما بعد يوم أمام أعين أسرتها البسيطة، تمتاز بالشقاوة وخفة الدم، فكان جميع جيرانها يحبونها، اعتادت دنيا أن تتردد على شقة جارتهم "الحاجة هانم"، التي أحبتها وعاملتها كأنها ابنتها تمامًا، فكانت تعطف عليها، وتحب دنيا ايضا الجلوس معها أغلب الوقت،  فترعرعت بين أحضان تلك السيدة الطيبة، ذات الوجه البشوش، حتى كبرت دنيا وعملت بمهنة التمريض، بعدما أنهت تعليمها وعملت ممرضة بمستشفى بور فؤاد. 

 

وقتها كانت قد كبرت الحاجة هانم في السن وهاجمتها أمراض الضغط والسكر، خاصة بعدما مات زوجها، وعلى الرغم من محاولات ابناءها إقناعها بالذهاب للعيش معهم، إلا أنها كانت ترفض، فهي لا تترك شقتها التي في ركن فيها ذكرياتها مع زوجها وابنائها وهم صغار حتى كبروا وصار كل واحد فيهم مسؤولا عن أسرة، ففي هذه الشقة عاشت خمسين عاما، فتمنت أن تقضي الباقي من عمرها بين جدرانها، وظلت واحدة من جيرانها وهي دنيا- بطلة حكايتنا- تراعي صحتها وتعطيها الأدوية والحقن في مواعيدها، ولم تبخل هانم عليها بشيء، فكانت تعطيها أكثر ما تستحق من الأموال، حتى تزوجت دنيا وانتقلت للعيش مع زوجها في شقة أخرى، لكن الممرضة ذو الوجه الصبوح الذي يخفي وراءه وحش شرس- دائما ما كان الزوج يعايرها بوزنها الزائد ويناديها باستمرار يا "يا تخينة"؛ فساءت حالتها النفسية، فهي من أسرة فقيرة، لا تمتلك حتى ثمن إجراء عملية تكميم معدة، كرهت شكلها وتغيرت ملامح وجهها، وانطفأت فرحتها، فظلت تطاردها الأفكار الشيطانية، تفكر من أين تحصل على المال لتجري تلك العميلة وتصبح جميلة في عين زوجها، فلم تجد أمامها سوى ارتكاب جريمة أوعز الشيطان بها اليها، ولم تجد أفضل من السيدة التي تعيش بمفردها، الحاجة هانم، لترد لها المعروف بالغدر والخيانة.

 

تخطيط 

بعدما اقتنعت دنيا بفكرة السرقة، رسمت خطتها جيدة، فكانت البداية هي ترك عش الزوجية والذهاب لشقة أسرتها، رغم أنه لم يمر سوى ثلاثة شهور فقط على زواجها، ولكن كان الهدف من ذلك هو أن تكون قريبة من الحاجة هانم وتعرف متى تكون بمفردها، ظلت أسبوعا تراقبها ليلا ونهارا، وتساعدها كما اعتادت بإعطائها الدواء. 


فلاحظت دنيا أن تلك السيدة دائما ما تترك باب شقتها مفتوحا حتى تستأنس بسكان العمارة، وفي يوم وأثناء انشغال هانم بمكالمة هاتفية مع نجلها، ذهبت دنيا إليها ووجدتها تتحدث عبر الهاتف، فمدت يدها في حقيبة السيدة وسرقتها، لكن شاء القدر ان يفضح دنيا؛ شاهدتها وعندما واجهتها، انفعلت دنيا ودفعتها لتسقط العجوز مغشيا عليها تنزف الدماء من رأسها، فأسرعت دنيا لقياس نبضها، وعندما وجدتها مازالت على قيد الحياة، وبدأت العجوز تسترد وعيها، ظلت تتوسل إليها بتركها قائلة؛ "خدي الفلوس واتكلي على الله بس إلحقيني"، لكن دنيا في تلك اللحظة خلعت عباءة البراءة والطيبة وارتدت عباءة القسوة والجحود، نزعت قلبها وتناست المعروف التي كانت تعمله تلك السيدة معها، وتحولت لقاتلة، فأمسكت بشعرها ورطمت رأسها بالقوة على الأرض، حتى تأكدت من وفاتها وبكل جحود سرقت  أموالها وذهبها وأسرعت لشقتها وكأنها لم ترتكب أي جرم.

قلق

تصادف وقت ارتكاب الجريمة، كانت ابنة المجني عليها تحاول الاتصال بأمها، لكنها لم ترد، فسيطر القلق والخوف عليها، أسرعت هي وزوجها لشقة والدتها لتعرف لماذا لا ترد؛ وكانت الصدمة عندما وجدوا الأم غارقة في بركة من الدماء، لحظات من الصدمة انتابتهما، ظلت الابنة تصرخ بأعلى صوتها، حتى خرجت دنيا تذرف من عيونها دموع التماسيح تحاول التخفيف عن ابنة الضحية، لينطبق عليها في تلك اللحظة المثل القائل "تقتل القتيل وتمشي في جنازته"، صرخات متتالية جعلت الجيران يصعدون نحو مصدر الصوت ليعرفوا ماذا يحدث، الكل في حزن وصدمة، تتبادر لأذهانهم أسئلة محيرة؛ من يستطيع ارتكاب تلك الجريمة البشعة، من قتل تلك السيدة العجوز التي يشهد لها الجميع بالطيبة والسماحة؟!، دون شك رجال المباحث هم وحدهم القادرون على فك هذا اللغز. 

بلاغ

لم يمكن أمامهم حلا سوى إبلاغ قسم شرطة بور فؤاد، على الفور انتقل رجال المباحث لمحل الواقعة، المعاينة الأولية أكدت أن الدافع وراء القتل هو السرقة، فتشكل فريق بحث لكشف لغز الجريمة، ظل رجال المباحث يعملون ليلا ونهارا لكشف الحقيقة، يسألون الشهود، يراجعون كاميرات المراقبة، يراقبون الهواتف. 


الأيام تمر، فاعتقدت دنيا أن براءتها وطيبتها لن تجعل أحد يتهمها بالقتل، فسافرت للقاهرة لبيع الذهب المسروق، ارتسمت على وجهها ابتسامة عريضة فبات حلمها قريب وستجري عملية التكميم، لكنها استيقظت من أحلامها على كابوس مفزع، ورجال المباحث يطاردونها للقبض عليها، موجهين لها تهمة القتل، لم تنكر وانهارت لتعترف بتفاصيل الجريمة، أنها قتلتها من أجل السرقة حتى تتمكن من إجراء عملية تكميم للمعدة ليتوقف زوجها عن معايرتها، ولكن فجأة وجدت نفسها بين جدران السجن، تولت النيابة التحقيق وتحولت القضية للجنايات.

 

بعدما تم القبض على دنيا وقامت بتمثيل الجريمة، كان الكل في ذهول، لا يصدق أنها ارتكبت تلك الجريمة، وأن الطمع والحقد أعماها لهذه الدرجة، وبقي أن تنال المتهمة القصاص العادل، لعودة حق تلك العجوز التي ماتت غدرا دون ذنب ارتكبته في حق ناكرة الجميل هذه. 

القصاص

ظلت تلك القضية متداولة ٤ شهور داخل ساحات المحكمة، حتى أسدلت محكمة جنايات بورسعيد الستار عليها، فقضى المستشار جاد محمد حلمي رئيس المحكمة، وعضوية المستشارين السيد عبد العزيز، وعماد أبو الحسن، ومحمد عبد الرؤوف قبطان بالسجن المؤبد على الممرضة، ليكون هذا الحكم هو النهاية الطبيعية للطمع.