وَعَدوني كَثِيراً !

اللوحات للفنان: عز الدين نجيب
اللوحات للفنان: عز الدين نجيب

كتب : عبدالكريم هداد

1
بَعيداً..
عَنْ العَشيرَةِ كُلّها
أتَوسّدُ الأغنيةَ الأخيرةَ للرملِ،
وما تَبَقى مِن عَطِشٍ متَكسِر،
نَثَرَتْهُ عَثَراتُ خُطاهُمْ.. 
أمدُّ يَدى نَحو غيمَةٍ مَرميّ
على عَتَبةِ بابٍ، لا يُشْبهُ الأبواب
وتحتَ وِسادَتى حُلمٌ مُرهَقٌ
يشبهُ البِلاد
مَغزولاً من حِكايَتي،
أما لها أنْ تَنْتَهي.. 
بشيءٍ مِنْ فَرحٍ..؟

وَعَدونى كَثيراً ..!


2
تفيضُ يَدِى مُمْتَلِئَةً بالصَداقَةِ 
ولَهْفَةٍ مِنْ خَوْف
رَّغْمَ أنّ البحرَ 
اِبْتَلَعَ عُذوبَةَ الأنهارِ.
لّيْلٌ يَرْتَشُفُ النَجماتِ الهَادِئَة
حِينَ لا يَضِجُّ الرَبيعُ 
بِما تَمَزَّقَ مِنْ ألوانِ رَوَاج العطرِ.
أنتَ الحَزينُ صَافياً، 
ما زِلْتَ..
مِثْلُ دَمْعَةٍ عَلى قَميصِ مُسَافِرٍ
حِينَ تَرَكَهُ آخِرُ المُودِّعينْ..!

وَعَدونى كَثِيراً..! 


3
حُلمٌ تَمَزَّقَ ضَوْءاً 
كما جَسَدُها المَلْفُوف مُخْتَصَراً 
سَعَة ضيقِ الرِداءْ 
لم أبَارِحْ حَتّى اللّحْظَةِ
ظِّلَ زَمْهَريرِها شَارِداً
مثلَ نَجْمَةٍ
يَنْقُشُها البَيَاضُ عَلَى قِطْعَةٍ زَرْقاء
وعَلى جِلْدِ الشَهْوَةِ 
يَنْحِتُ لَها ظُفْرى مَنْبَتاً..
باتّساعِ جَرى الخُيُولُ البَريّة
بعيداً.. 
عَنْ عِيونٍ تُشْبِهُ الشَّرْطَة 
عيونٌ أَقْرَبُ مِنْ مَداراتِ المُرتَجى 
وأدْفأُ مِنْ أمْنِياتِ الشُعَراء. 

وَعَدونى كَثِيراً..!
4
سَمَعْتُكَ تُحاكى الشِتاء..
عِنْدَ التَقويمْ الحالي
والحَجَرُ 
يَهْمِسُ لِدروبِ الغَاباتِ المُوغِلَة 
فى صَمتِ الأفْياء 
 تَحْكى لَكَ ولِي..
عن أسْرارِ حبَّةِ الثلجِ
وشَرانِقِ الفراشاتِ
أيْنَ كانَتْ الريحُ بالأمسِ..
تَمرُّ مُسْرِعَةً، 
وهيَّ تَطرقُ الأبْوابَ..!؟

وَعَدونى كَثِيراً..! 


5
اللُّعْبَةُ سَخيفَة.. 
كانَتْ فى طُرقاتِ المَنْفى
كغَثَيانِ بحرٍ، 
لا يَلْمِسَهُ الشاطِئُ البَعيد
رَكَضْنا مُسْتَأْنِسينَ التِيهَ
تَوَغِلاً لا يرشِدَهُ المُنْتهى
كيفَ لِى الرِجوعَ ..؟

وَعَدونى كَثِيراً ..! 


6
انْتَهَتْ صَبْوَةُ الصِبَا
والنُدَماءُ ما هُمْ نُدَماءْ
وما كُلُّ طربٍ غِناءْ
تَعَوّدْتُ أنّ الشِتاءَ
فى صُلبِهِ الدِفءُ 
وقلَقٌ يُحاصِرُني
والأحِبَّةُ مَنْفايْ 
لا.. الأرْضُ غَريبَةٌ .. !

وَعَدونى كَثِيراً ..! 


7
الأفُقُ تَمْسيدَةُ الله للأرْضِ 
والعَربَةُ 
تَهْتَزُّ كما الموج
صَرْخَةٌ فى بحرٍ مُنحنٍ
أرْعَبَنى خَجَلى ..
أنْ أعلنَّ لها اليومَ حبى .

وَعَدونى كَثِيراً..! 


8
سَأضَعُ القَصيدَةَ عَلى طاوِلَةِ الحَيْرَةِ
وأشَذَبُها مِنْ حُروفِ الجَزْمِ 
بَعيداً عَنْ زَمْهَريرِ القُطْبِ الشَّمَالي
وأقرَبَ إليهِ مِما يَدنو 
بلاد الفرحِ هذهِ
ستكونُ دَوْماً صَديقَتى ..
السويدُ يَقْظَةُ الرُّوح ..
وذاكَ القَريبُ البَعيدُ 
حُزْنى ..!
وَعَدونى كَثِيراً ..!

اقرأ ايضا | قراءة تقابلية في منهاجي محيى الدين بن عربي وجلال الدين الرومي