52 عامًا علي قتل «البراءة» في مذبحة مدرسة بحر البقر

مذبحة مدرسة بحر البقر
مذبحة مدرسة بحر البقر

" الدرس انتهى لموا الكراريس، بالدم اللي على ورقهم سال، في قصر الأمم المتحدة، في مسابقة لرسوم الأطفال، إيه رأيك فى البقع الحمرا ، يا ضمير العالم يا عزيزى، دى لطفلة مصرية وسمرا ،كانت من أشطر تلاميذى" .. بهذه الكلمات المؤلمة وصف الشاعر الراحل صلاح جاهين، المذبحة التي شهدها الشعب المصري لتلاميذ صغار بمدرسة ابتدائية في محافظة الشرقية ،و حفرت في ذاكرته بصفة خاصة، بل وفي ذاكرة العالم بصفة عامة دم الأطفال الأبرياء، في المذبحة التي وقعت في تمام الساعة التاسعة وعشرين دقيقة صباح يوم الأربعاء 8 أبريل عام 1970، والتي عرفها العالم اجمع باسم مذبحة مدرسة بحر البقر.

فقد مر 52 عاما، علي هذة المذبحة المأساوية التي شهدها مركز الحسينية بمحافظة الشرقية، وعاشها الشعب المصري، والتي تتجدد أحزانها سنويا في مثل هذا اليوم، حينما قصف الطيران الإسرائيلي، مدرسة أطفال، وراح ضحيتها 30 تلميذا وتلميذة ،ووفاة مدرس واحد ، وإصابة 36 آخرين، إضافة إلى 11 من العاملين في المدرسة، كما أصيبت فى الغارة مخازن المؤسسة المصرية لاستصلاح الأراضى، التى تضم الوقود وقطع الغيار والمهمات الزراعية، كما أصيبت عشرة منازل .

قبل 52 عاما ، خرج العشرات من الاطفال يحملون حقائبهم الممتلئة بالكتب والكراسات ، ذاهبين للمدرسة يحملون السعادة في قلوبهم ، ووسط تلقيهم للدرس الاول داخل المدرسة التي تتكون من 3 فصول بها 150 تلميذ وتلميذة ، استقبلوا غارات العدو الصهيوني في صدورهم ، لتقتل احلامهم الطفولية البريئة.

مذبحة شهداء مدرسةبحر البقر، تعد بمثابة وصمة عار في جبين العدو الصهيوني عام 1970 ، وثقت جرائم الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين الأبرياء في مصر أثناء فترة الحرب، لتعد من أبشع الجرائم التي تفوق حد التصور عندما أغار 5 طائرات إسرائيلية من طراز إف-4 فانتوم، تزن "1000 رطل" بقصف مدرسة ابتدائية وضربها بالصواريخ وتدميرها بالكامل، ودفن الصغار الذين تتراوح اعمارهم بين السادسة والثانية عشرة في جحيم من النيران تحت الأنقاض .

ورغم الحزن الشديد الذي هز مصر، وفي الوقت الذي ادانت العديد من دول العالم وعلى رأسها الدول العربية المذبحة المأساوية وقتل أطفال أبرياء ، كان الموقف الدولي متخاذلا ، ولم تقدم إسرائيل الرد المناسب لذلك الموقف ولم تعترف بالمجزرة، وزعم وزير دفاعها موشي ديان، الذي سارع الي راديو تل أبيب ليزعم في اصرار وقح ، ان المدرسة التى ضربتها طائرات الاحتلال الاسرائيلي ظهرت كهدف حربي عسكري ، معللا ذلك بأن تلاميذ المدرسة الابتدائية كانوا يرتدون الزي الاخضر الكاكي اللون، وكانوا يجرون تدريبات خاصة في المدرسة ، ثم قال فى إذاعة باللغة العبرية " إن التلاميذ الصغار أعضاء فى منظمة تخريبية عسكرية" .

فيما تغاضت وقتها الولايات المتحدة الامريكية ، عن المذبحة التي تخالف قرارات مجلس الأمن الدولي بوقف إطلاق النار، أو اتخاذ موقف تجاه آلاف الأسر التي مزقها الحزن على فلذات أكبادهم الذين فارقوا الحياة دون سبب أو ارتكاب ذنب .

مذبحة بحر البقر، خلدت الكثير من أسماء التلاميذ الشهداء في تاريخ مصر، من هؤلاء التلاميذ الشهداء "حسن محمد السيد الشرقاوى"، و"محسن سالم عبد الجليل محمد"، و"بركات سلامة حماد"، و"إيمان الشبراوى طاهر" و"فاروق إبراهيم الدسوقى هلال"، و" محمود محمد عطية عبدالله"، و"جبر عبدالمجيد فايد نايل"، و" عوض محمد متولي الجوهري"، و" محمد احمد محرم".

ومن الضحايا، "نجاة محمد حسن خليل"، و"صلاح محمد إمام قاسم"، و"أحمد عبدالعال السيد"، و"محمد حسن محمد إمام"، و"زينب السيد إبراهيم عوض"، و"محمد السيد إبراهيم عوض" و"محمد صبرى محمد الباهي"، و"عادل جودة رياض كراوية"، و"ممدوح حسنى الصادق محمد".
سنوات عديدة مرت علي مذبحة مدرسة بحر البقر ، ولكن لم ينسي اهالي محافظة الشرقية بصفة خاصة ، والشعب المصري بصفة عامة ، الألم والحزن الذي اعتصر قلوبهم علي فلذات أكبادهم ،حيث خلد ذكراهم بجمع متعلقات الاطفال الشهداء من " الكراسات، والمرايل، وسبورة، وتختة، والأقلام، وكتب، وأحذية" ، وما تبقى من ملفات، إضافة للجناة من بقايا القنابل التي قصفت المدرسة، داخل حجرة متحف عبارة عن حجرة أو فصل من إجمالي 17 فصلاً تضمها جدران مدرسة بحر البقر الابتدائية، تعلوها عبارة مكتوبة بخط اليد وهي " متحف شهداء بحر البقر" ، ونقلت هذه الآثار، الى متحف الشرقية القومي بقرية هرية رزنة بالزقازيق، الذي افتتح عام 1973، قبل ان تعود لمدرسة شهداء بحر البقر للتعليم الأساسي ، فيما اضيف في مدخل القرية ، هناك نصب تذكاري يحمل أسماء الأطفال الأبرياء ضحايا العدوان الإسرائيلي .

يذكر أنه فى 10 إبريل 1970 نشرت قصيدة صلاح جاهين «الدرس انتهى»:
«الدرس انتهى لموا الكراريس/ بالدم اللى على ورقهم سال/ فى قصر الأمم المتحدة/ فيه مسابقة لرسوم الأطفال/ إيه رأيك فى البقع الحمرا/ يا ضمير العالم يا عزيزى/ دى لطفلة مصرية وسمرا/ كانت من أشطر تلاميذى/ دمها راسم زهرة/ راسم راية ثورة/ راسم وجه مؤامرة/ راسم خلق جبارة/ راسم نار/ راسم عار/ ع الصهيونية والاستعمار/ والدنيا اللى عليهم صابرة/ وساكته على فعل الأباليس/ الدرس انتـهى لموا الكراريس/ إيه رأى رجال الفكر الحر/ فى الفكرة دى المنقوشة بالدم/ من طفل فقير مولود فى المر/ لكن كان حلو ضحوك الفم/ دم الطفل الفلاح/ راسم شمس الصباح/ راسم شجرة تفاح/ فى جناين الإصلاح/ راسم تمساح/ بألف جناح/ فى دنيا مليانة بالأشباح/ لكنها قلبها مرتـاح/ وساكتة على فعل الأباليس/ الدرس انتـهى لموا الكراريس /إيه رأيك يا شعب يا عربى/ إيه رأيك يا شعب الأحرار/ دم الأطفال جاى لك يحبى/ يقول انتقموا من الأشرار/ ويسيل ع الأوراق/ يتهجى الأسماء/ ويطالب الآباء/ بالثأر للأبناء/ ويرسم سيف/ يهد الزيف/ ويلمع لمعة شمس الصيف/ فى دنيا فيها النور بقى طيف/ وساكتة على فعل الأباليس/ الدرس انتهى لموا الكراريس».
اقرأ أيضا....الشراقوة يحيون الذكرى الـ47 لشهداء مذبحة بحر البقر