عضو الأزهر للفتوى: المنهج الوسطى الأزهري يقي الشباب من التطرف

د. أسامة أحمد النعناعى
د. أسامة أحمد النعناعى

قال د. أسامة علي النعناعي، المتخصص بإجابة الفتاوى باللغة الألمانية، إن نظريات السلوك المعرفي والطرق المعرفية في عصرنا الحالي  شغلت كثيرًا من العلماء؛ وفي ثقافتنا العربية والإسلامية لا نلمح لهذه النظريات المعرفية كتبا ولا أفرد لها علماؤنا فصولا، بل جاء ما يشبهها منثورًا فى بطون الكتب.

ولم يلفت الأنظار إليها سوى الإمام محمد عبده عند تفسير قوله تعالى: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ»، فأفرد الحديث عما يسمى بـ»الهدايات الأربع»، وهى أربع طرق معرفية هدفها التوصل إلى الحق والحقيقة؛ والتى تقلَّب فيها وبينها علماء الأمة بعد أن استوعبوا علوم عصرهم وزادوا عليها كثيرًا؛ وهذه الهدايات الأربع تحديدًا هي: (هداية الوحي،وهداية العقل،وهداية التجربة، وهداية الوجدان).


الهدايات الأربع
ويشير د. أسامة إلى أن هداية الوحى ويٌقصد بها القرآن والسنة؛ ويمثلها جميع علماء الأمة بحكم أنهم كلهم أبناء ثقافة إسلامية واحدة؛ وهداية العقل ويمثلها أهل الفلسفة وعلم الكلام ونخص بالذكر منهم الأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والفلاسفة وأهم من يمثل هذين الصنفين حجة الإسلام الغزّالى وفريد الزمان ابن رشد.

وأما هداية التجربة ونقصد بها علم الطبيعة والتجريب؛ فمن علمائها ابن سينا وابن الهيثم والفارابى والرازى الطبيب؛ وهداية الوجدان ونقصد بها التصوف والتزكية؛ ويمثلها عَلَمُ الصوفية بلا منازع ومقدَّمَهم؛ الشيخ الأكبر ابن عربى الحاتميّ.


ويتابع د. النعناعي: يرى كثير من قليلى النظر سطحى المعرفة أن بين هذه النماذج تعارضًا، أو صراعًا فكريا داخليا؛ أو أن الحق مع بعضهم دون البعض الآخر؛ وينظر على إثر ذلك للبعض الآخر بعين الريبة؛ ولا شك كذلك أنه كانت لبعض هذه التخصصات شطحات لم يوافقهم عليها أهل هذا الفن وذلك التخصص نفسه فضلًا عن أصحاب التخصصات الأخرى؛ ولا شك أيضًا أنه قد وقع بسبب ذلك بعض العداوات.لكن الحقيقة أن بين هذه الهدايات الأربع تكاملًا عجيبًا.

وغاية هذا التكامل الوصول إلى معرفة الله سبحانه بشتى الطرق المعرفية،إذ كان مقصدهم بالعلم معرفة المعلوم، وهم وإن لم يفصحوا عن تلك الخطة المتكاملة؛ فإنك لو وضعت هذه الأربعة مناهج وتلك الطرق المعرفية جنبًا إلى جنب كما فعل تشارلز داروين فى كتابه «أصل الأنواع»؛ ثم ذهبت تتأملها جيدا؛ لتبدَّت لك اللوحة كاملة فى أبهى وأوضح صورها.


ملكات المعرفة
ويضيف د. أسامة أن علماء الإسلام رأوا أن أُولى هذه الهدايات هى الوحى لأنه يوصل بنفسه إلى معرفة الله تعالى، لكنهم رأوا أن غير الوحى أيضا يوصل إلى معرفة الله تعالى بعد التعمق فيه مثله كالوحي،وهم بهذا بذلوا كل طاقاتهم أولا لتحصيل هذا المطلوب؛ ودلونا ثانيا بقصد أو بغير قصد على ملكات المعرفة فى الإنسان.


أصالة ومعاصرة
ويضيف عضو الأزهر للفتوى أن أعمال هؤلاء وكتاباتهم كانت بميزان الأستاذ الإمام فى نظرته للإصلاح وبلورته لنظرية الأصالة والمعاصرة والمعتمدة بالأساس على نظرية «الهدايات الأربع»؛ فقد تركزت كتاباتهم في:بعث التراث وجمعه وتهذيبه وتجديده ونقده بالنظريات المعاصرة، بالإضافة عليه أو إغفال ما سقط منه بالتقادم الزمنى والواقع المعاصر.


ولم يكن مشروع محمد عبده نظريا بلا أثر عملى بل تتلمذ على يديه أكثر رواد النهضة؛ وقدم مع ذلك بنفسه نموذجين مهمين للإصلاح العلمي،أولهما: «رسالة التوحيد»؛ وثانيهما: تحقيق كتاب «نهج البلاغة» فى اللغة والأدب؛ إلى جانب العروة الوثقى بالشراكة مع الأفغاني؛ وتفسير «المنار» الذى سطع ضوؤه فى سماء الشرق فأضاءها بعد ظلام.

وتبقى نظرية الهدايات الأربع التى وضعت حضارتُنا الإسلامية والإنسانية لبنتها، وأكد عليها الإمام محمد عبده هى ميزان الاعتدال فى تلك الحلقة، والعروة الوثقى، ودواء التطرف العلمى والعقدي.

وهى المنهج الوسطى الذى ورثه الأزهر وورَّثه أبناؤه، وهى المنهج الذى تُروى به غلة الظمآن ودليل الحيران فى الكشف عن حاجات الإنسان مادية وروحية وفكرية، والتركيز على هذا المنهج فى التربية والتعليم.

والرِّى منه بنصيب وافر يرسخ هذا التوازن المعرفى والوجدانى فى النفوس؛ ويقى الشباب غلواء هذا التطرف الفكرى والديني؛ الذى يجعل منهم كتائب من العميان تستهدف أمتنا وبلادنا بالتفجير تارة وبالتكفير أخرى؛وبالطعن على الدين مرة ثالثة.


اقرأ ايضا | مبروك عطية عبر صفحته على الفيسبوك يرد على تغزل إبراهيم عيسى في البقرة