لا شيء سوى العمل.. الشغل في رمضان شكل تاني

للفنانة: نادية سرى
للفنانة: نادية سرى

أخشى أن أبدو مبالغًا إن قلت إن رمضان منذ وعيت عليه ارتبط بحالة من النشاط والترقب والطرب تنتابنى مع اقترابه. كانت البداية مع استعدادنا أنا وإخوتى الثلاثة لتزيين شرفة بيتنا بزينة رمضان المصنوعة ذاتيًا. نجمع كراساتنا القديمة، خاصة كراسات أخى وأختى الأكبر قبل دخولى وأختى الأصغر إلى المدرسة، ونقص مما تبقى من صفحاتها البيضاء أشكالًا هندسية مثلثة ومعينة ولولبية يلصقها أخى الأكبر بالكُلة -التى يغليها بنفسه فى علبة طلاء قديمة كأنه ساحر قديم- على خيوط صوفية نعلقها متوازية ومتقاطعة بين منشر الغسيل والسور. زينة بيضاء فقيرة بلا ألوان ولا أعلام ولا بريق يزعج العين بالنهار أو حفيف يثير الرعب إذا هبت الرياح فى الليل شتاءً. 

وإذ يبدأ الشهر المنتظر أتولى مهمة المسحراتي، فأسهر لأتفرج على التليفزيون أو أقرأ مجلة سمير حتى يأتى موعد إيقاظ أمى وأختى لإعداد السحور، وكثيرًا ما سقطت نائمًا واستيقظ أهل البيت على آذان الفجر أو قبله بقليل ليندفعوا فى مهمة إنقاذ ما يمكن إنقاذه.


أيام رمضان نفسها كانت تحمل مهمة عمل أخرى. مهمة تسجيل حلول الفوازير! مهمة استلمتها من أخى بعد قليل، أُحضر بضع ورقات مقطوعة من الكراسات (طبعا!) وأُسطرها إلى ثلاثة أعمدة وأُرقمها من واحد إلى ثلاثين.

وأكتب فى منتصف المساحة الفارغة بالأعلى: فوزاير إذاعة إسكندرية، أو فوازير عمو فؤاد، أو فوازير نيللي... إلخ. تبدأ الفزورة ونترقب نحن الأربعة من يصل إلى حلها أولًا ويصرخ بالحل الذى أقوم بتسجيله وإلى جانبه اسم صاحبه، وفى نهاية الشهر أقوم برصد مجموع الحلول لكل واحد وإعلان الفائز بالمركز الأول فى مسابقتنا التى لا جوائز لها، مغفلين إرسال الحلول إلى المسابقة الأصلية إلا قليلًا.


مع مرور السنين زال السحر القديم وكبر الأطفال وفقد الشهر الفضيل نفسه كثيرًا من زهوه. أصبحت أنتظره فقط أثناء فترة عملى بالتدريس كشهر يتقلص فيه يوم العمل قليلًا إن جاء الشهر أثناء العام الدراسى أو تقل فيه فترة وجودنا فى المدرسة إن جاء فى الأجازة، لكنه صار مرتبطًا بأزمة المواصلات التى تفاقمت خاصة مع اقتراب المغرب أو فى الصباح.


عندما بدأت العمل كمترجم، كان ذلك فى عام 2013 بعد فترة طويلة من الترجمات المتفرقة لقصائد وقصص ومقالات وأبحاث، ارتبط التركيز فى العمل معى بشهر رمضان الذى كان يأتى فى منتصف الصيف وقتها.

أذهب إلى المدرسة لقضاء فترة عقوبتى اليومية ثم أعود لأنام قليلًا وأصحو قبل الإفطار لأترجم حتى موعد الإفطار ومشاهدة التليفزيون قليلًا ثم الخروج والعودة لمتابعة الترجمة حتى النوم وهكذا، بهذا الروتين المرتبط بروتينية رمضان نفسها.

فى عام 2018 وبعد أن أكملت عشرين عامًا من العمل مدرسًا أنهيت خدمتى وأنا فى الثالثة والأربعين من عمرى وأصبحت على المعاش.. تقاعد مبكر والحمد لله! وتفرغت للترجمة.

ورغم أنى أعمل بشكل يومى تقريبًا فى الترجمة وأحصل على أجازة قصيرة عقب انتهائى من ترجمة كل كتاب، إلا أن رمضان ما زال يمثل لى بشكل ما وقتًا مركزًا من العمل. أعمل قبل الإفطار قليلًا وأشاهد التليفزيون قليلًا ثم أعود للترجمة بتركيز حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر.


فى العام الماضي، أحسست بأعراض التعب مع أول يوم من رمضان، وبعد خمسة أيام تبين أنها كورونا. قضيت ستة عشر يومًا عصيبًا، لكن الغريب أنى حافظت على روتينى الرمضانى فى العمل رغم فقدى لحاستى الشم والتذوق والاستمتاع بالتليفزيون. كأنى أحاول أن أتشبث بالحياة ذاتها. بركاتك يا رمضان!

اقرأ أيضا | 6 برامج وفزورة على «بوابة أخبار اليوم» في رمضان