هكذا يتم الاستقطاب الفكري والتنظيمي في أجندة «الإرهابية»

الجماعات الأصولية
الجماعات الأصولية

كتب: عمرو فاروق 

تعتمد غالبية الجماعات الأصولية منهجية الكيانات السرية في بناء هيلكها وتشكيل كياناتها الداخلية، وطريقة انتقاء قواعدها الشبابية، واختيار قياداتها وتصعيدها إداريًا لتجنب محاولات اختراقها، لذلك نجد أنها وضعت ما يعرف بـ»فقه الأَمنيات»، أي خطوات تأمين التنظيم من الاختراق الأمني وطرقه.


غالبية هذه الجماعات (الإخوان نموذجًا)، تمتلك في ذاتها مجموعة من الأهداف الثابتة (الكبرى)، والأخرى المتغيرة (الصغرى)، والتي تتبدل وفقًا لمراحل الصعود والهبوط التي يشهدها التنظيم، ومن ثم تتغير معها الأدوات والوسائل والآليات التي يتم بها تطبيق الأهداف المرحلية الجديدة.

 

تقع أهداف الجماعة المتغيرة بين ما يعرف بـ»فقه التمكين»، وهي الوضعية التي تشهد قوتها وسيطرتها وانتشارها بين الدوائر المجتمعية المتعددة، مثلما حدث في مصر، خلال عهدي الرئيسين الراحلين السادات، ومبارك، إذ تم تقديم الجماعة كبديل من الدولة ومؤسساتها في العمق المجتمعي، لا سيما الطبقات المهمشة والفقيرة التي تغافل عنها النظام السياسي سهوًا أو قصدًا، بينما تتمثل الوضعية الثانية في ما يعرف بـ»فقه الاستضعاف»، وهي مرحلة  تشهد ضعف الجماعة وسقوطها سياسيًا وشعبيًا، وارتباكها فكريًا، نتيجة تأثرها فعليًا بالعوامل السياسية والاجتماعية المحيطة، والتي تجلت أمام الجميع منذ ثورة 30 يونيو 2013، وحتى اللحظات الراهنة، ويمر خلالها التنظيم بنوع من تأزم الصراعات الداخلية والخلافات حول الأموال والمناصب والتوجهات. 

 

من ضمن الملفات الهامة التي تتغير وفقًا لمراحل الصعود والهبوط داخل الجماعة، عمليات «الاستقطاب» الفكري والتنظيمي، والاستقطاب نوعان، إما «غير مباشر»، ويتم من خلال قسم «الدعوة العامة»، ويشمل مختلف الفئات المجتمعية والعمرية، وتنطلق مساراته عبر الوسائل التقليدية المباشرة، مثل خطباء الجمعة في المساجد، أو مجالس الدروس الدينية التي تَمرّس في إلقائها الدعاة الذين ينتمون فكريًا وتنظيميًا للجماعة، أو من خلال الكتيبات التي يُروّج لها عن طريق دور النشر الإخوانية، أو من خلال الخدمات التي تُقدّم للقطاعات الفئوية المهنية المختلفة، أو للطبقات المهمشة والمعدومة.

 

وهذه النوعية من مشاريع العمل الحركي تستهدف التأثير الفكري في هذه القطاعات، ورغم قوتها وتمركزها في الشارع لسنوات طويلة، فشلت جديًا في خلق ما يعرف بـ»الحواضن الفكرية» لجماعة الإخوان، نظرًا إلى إشكالية الهيكل التنظيمي، على العكس من التيارات السلفية التي تغلغلت بقوة من دون إطار تنظيمي وصنعة حواضنها الفكرية.


يتمثل النوع الثاني من الاستقطاب في «الاستقطاب المباشر»، ويعمل على ضم الأفراد إلى الكيان التنظيمي، وتحويلهم إلى أشخاص عاملين في الحقل الإخواني، ويستهدف هذا التوجه الحركي، قطاعات الأشبال والمراهقين والشباب، لضمان شبابية الجماعة، ومنحها اللياقة والحركة والاستمرارية، فضلاً عن أن هذه الفئات هي الأسهل على البلورة والتأثير الفكري وفقًا لما يتسق مع أدبيات المشروع الإخواني، ويتم الاستقطاب المباشر، من خلال «قسم الطلبة»، الذي يضم داخله لجنة خاصة لـ»الأشبال» الذين يُستقطبون عن طريق مشاريع «التربية الإسلامية»، التى كانت منتشرة في مساجد القاهرة، والأقاليم المختلفة، فضلاً عن وجود لجنة خاصة بـ»المرحلة الثانوية» معنية بالعمل على تجنيد طلاب المرحلة الثانوية، وكذلك لجنة «الشباب» التي كانت تعمل داخل المناطق السكانية من خلال مشروع «الدعوة الفردية»، ووفق أطر زمنية محددة، مثلما ورد في الوثائق التي سُرّبت مرارًا من داخل التنظيم. 

 

بالإضافة إلى اللجان السابقة، هناك لجنة «الزهروات والفتيات»، وهي معنية باستقطاب الطالبات، وتتبع «قسم الأخوات»، يضاف إلى ذلك «لجنة المدارس»، وهي معنية بمتابعة نشاط الجماعة داخل المدارس الخاصة والحكومية، و»لجنة التعليم الأزهري»، ومعنية بالإشراف على نشاط الجماعة داخل المعاهد والمدارس الأزهرية، و»لجنة الجامعات»، ومعنية بمتابعة النشاط التنظيمي داخل الجامعات الحكومية المدنية والأزهرية، وتمثل هيكلاً تنظيميًاً منفصلاً، يشرف عليه مسؤول خاص، ويُتابع مباشرةً من مكتب الإرشاد.


وعمومًا، يضم قسم «الطلبة» 7 لجان رئيسية مسؤولة عن عملية استقطاب الطلاب من سن 8 أعوام حتى 20 عامًا، ولكل لجنة فروع منتشرة داخل مختلف القطاعات الإدارية والهيكلية للإخوان، معتمدة على استراتيجية «العقول البيضاء»، وسياسة «المحاكاة والتلقين»، إذ أن القطاع الطلابي يمثل الشريحة العريضة التي يسهل التأثير فيها، وتطويعها فكريًا وسلوكيًا، وصناعتها بما يتلاءم مع أدبيات المشروع الإخواني، كونها غير قادرة على المجادلة أو التمرد الفكري.

 

ربما لم يتحدث الكثير عن الدور الذي قام به «قسم المهنيين» داخل الجماعة، والذي لا يقل أهمية عن قسم «الطلبة»، في استقطاب الأجيال الشبابية التي تخرجت في الجامعات والتحقت بالمهن المختلفة، وذلك عن طريق المؤسسات النقابية، ويمثل فيه مشروع «الدعوة الفردية» بمراحله السبع، محورًا مهمًا في عمليات الاستقطاب المباشر، وتدور حول عملية الانتقاء والاختيار، وطرق التأثير على العاطفة الدينية، وفرضيات العمل الدعوي والعمل الجماعي والعمل التنظيمي، تحقيقًا لإقامة «دولة الخلافة» المزعومة.

 

وضعت الجماعة مجموعة من الكتيبات الفكرية لغسل عقول القطاعات الطلابية، مثل سلسلة «الرشاد»، وسلسلة «المعين»، للأشبال، وسلسلة «مبادئ الإسلام» للمرحلة الثانوية، وسلسلة «في رحاب الإسلام» للشباب، وسلسلة «في رياض الجنة»، للزهروات والفتيات، فضلاً عن بعض الكتيبات التي تُدرّس للمستويات المتقدمة، مثل كتاب «الرسائل» و»مذكرات الدعوة والداعية»، لحسن البنا، وكتاب «المنهج الحركي للسيرة النبوية»، لمنير الغضبان، وكتاب «فقه السنة» لسيد سابق، وكتاب «في ظلال القرآن»، لسيد قطب، وكتاب «ماذا يعني انتمائي للإسلام»، لفتحي يكن، واعتمدت في ما بعد على «المعسكرات المغلقة»، في عملية التأهيل والتصعيد الفكري والتنظيمي، وفقًا لمدى استجابة العناصر للسمع والطاعة، وولائهم للجماعة ومشروعها، فقسمت درجاتها الداخلية إلى مستوى «محب»، ومستوى «مؤيد»، ومستوى «منتسب»، ومستوى «منتظم»، ومستوى «الأخ العامل»!

 

من الملاحظ أن الجماعة هنا اعتمدت على مجموعة من الوسائل التقليدية في عملية الاستقطاب، سواء المباشر أم غير المباشر، متمثلة في المسجد والمدرسة والجامعة، والنقابات المهنية والأندية الرياضية، والمراكز التعليمية، وغيرها من الوسائل التي كانت تتزاحم وتسعى لفرض سطوتها وهمينها عليها على مدار أكثر من 50 عامًا منذ بداية مرحلة التأسيس الثاني في عهد المرشد الثالث عمر التلمساني، نظراً الى اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية في العهد الملكي والمرحلة الناصرية.

 

المتابع لجماعة الإخوان الإرهابية بدقة يجدها منشغلة بتفعيل «تكتيكات العودة»، ومحاولة لملمة ما تبقى من كياناتها التنظيمية، ما يجعل جل اهتمامها منصبًا على «لمّ الشمل»، وتطبيق «استراتيجية دار الأرقم»، أو ما يطلق عليه «التربية والدعوة السرية» في محاولة لصناعة تكوينات فكرية لعناصرها، تطرح خلالها العديد من الإشكاليات التي لحقت بها، وتفنيد تعثرها على المستوى السياسي، والاجتماعي، والتنظيمي، تحت مسمى «المراجعات التنظيمية»، وهي الأطروحات التي كشف عنها الأمين العام السابق للجماعة محمود حسين في حواره مع قناة «الجزيرة» عام 2019، من أن الجماعة تجري مراجعات داخلية، وهي مراجعات تستهدف الإجابة عن التساؤلات الخاصة بمشكلات الجماعة وأزماتها منذ سقوط حكم الإخوان في مصر، لكنها في النهاية لن تكون مراجعات فكرية تستهدف أدبيات التنظيم أو مشروعه، بقدر ما هي مبررات في إطار مظلومية الجماعة واضطهادها من قبل الأنظمة السياسية.