مصر الجديدة: الكلاسيكية المُعتدَى عليها

إبراهيم عبد المجيد
إبراهيم عبد المجيد

ترتبط كلمة كلاسيكى فى الآداب والفنون بما هو قديم من الإنجاز. سواء فى اليونان أو روما أو الحضارة الفرعونية والأشورية وما تشاء. لكنها وهذا هو الأصل تحمل معنى المجتمع المحدد الطبقات.

فالسادة هم الطبقة الأعلى والبقية هم العبيد. وحين ظهر المسرح اليونانى مثلا أخذ صفة الكلاسيكية من بنائه القائم على الوحدات الثلاث: وحدة المكان ووحدة الزمان ووحدة الحدث، أى كان كالمجتمع صارما فى تكوينه. الأمر نفسه فى الشعر الجاهلى حتى العصر الحديث، فى بنائه على البحور المُحكمة والقوافى.

جرى ما جرى من تغيير فى شكل المجتمعات، ولهذا حديث طويل، وتغيرت أشكال الكتابة إلى الرومانتيكية والواقعية والواقعية الاشتراكية والواقعية الجديدة حتى وصلنا إلى العجائبية والحداثة وما بعد الحداثة والشعر الحر وقصيدة النثر.

لم يعد للمجتمعات شكلها القديم الصارم مهما بدا فى بعضها من نظم ديكتاتورية، فلقد صار العالم غرفة صغيرة ثم صار هاتفا جوالا.

لكن الاصطلاح أو الكلمة صارت تستخدم بشكل خاطئ فى التمييز بين الكتَّاب من مختلف الأجيال. يبدأ الجيل مجددا فى شكل الكتابة وحين يتقدم كُتَّابه وفنانوه فى العمر يُقال عنهم كلاسيكيون.

ربما لا يُقال هذا فى الكتب النقدية، لكنه يتردد فى الندوات حتى فى أوربا أحيانا. ينسى القائل أن الكلاسيكية مرتبطة بشكل للكتابة لم يعد موجودا، وإذا وجد لا يجد له مكانا، ولم ترتبط أبدا بعمر الكاتب.

يتصور بعض الشباب أن إطلاق كلمة كلاسيكى على الأكبر سنا من الأحياء والأموات سيفسح لهم الطريق، بينما الحقيقة أنه يمكن أن يكون الكاتب فى السبعين أو الثمانين من عمره ويكتب عملا أدبيا خارقا لكل ما استقرت عليه اللغة أو الشكل الأدبى ولنا فى «حرافيش» نجيب محفوظ عبرة كمثال فقط، بينما يمكن أن تجد بين شباب الكتَّاب من يكتبون روايات تقوم على الحكى العادى.

دون محاولة لبناء فنى تتغير فيه اللغة مع الشخصيات ومع المكان والزمان، ويتم استخدامها لتكون الأحداث مرئية أو مسموعة، أكثر مما هى مخاطبة للعقل واعتبار القارئ ساذجا يجب شرح كل شىء له، وهكذا يكون الكاتب الشاب كلاسيكيا لأنه لا يخرج بالشكل الأدبى عن مساره التقليدى.

مسار الحكى الساذج المتراكم الملىء بالشرح والتفسير. الأمر نفسه فى الصحافة اليومية التى يظن البعض أنها ذات شكل واحد. بينما شكل المقالات يتغير بين الطول والقصر، وجوهر المقالات يتغير بمغامرة الكاتب بالدخول إلى ما هو ممنوع أو محرم أو عليه أيّ ضوابط سلطوية، ولغة الكتابة تتغير بتخيل المُخاطَب.

سأعطى فقط أمثلة ممن فارقوا الحياة حتى لا أنسى أحدا من الأحياء وأقول ببساطة، لم يكن محمد حسنين هيكل صاحب المقالات الطويلة، ولا أحمد بهاء الدين أو أنيس منصور صاحبا المقالات القصيرة، كلاسيكيين فى لغتهم أو موضوعاتهم، وظلوا شبابا حتى فارقوا دنيانا.

باختصار الكلاسيكية لا ترتبط بالعمر بل بالبناء الفنى، وتستطيع أن تمد الحبل إلى الفن التشكيلى والسينما والمسرح وكل الفنون.