تساؤلات

قرأ - كتب - زَرع - صَنع

أحمد عباس
أحمد عباس

أما وأن المسألة بانت ولم يعد سرا..
فالعالم بعد فصل شتاء ساخن جدا بفعل الحرب، وموجة وباء حادة جدا جدا، مقبل على حالة من التقوقع على ذاته، أو الانكفاء عليها، أما الانكماش فسيأتى بلا شك واحد، ولا أقول انغلاق فذلك لن يحدث، فالعلاقات بين الدول مستمرة وقائمة وستبقى، لكنها ستميل أكثر للبينية، كأنها بالضبط علاقة بين طرفين أو ثلاثة على الأكثر، أما الكيانات العملاقة والاتفاقيات العالمية والدولية سياسية كانت أو اقتصادية، فانْسَها فورا، الكتل تتفتت الآن.. النظرية فشلت!
تعرف.. ألمانيا قررت الاستثمار أكثر فى قدرات جيشها بل وخصصت له نحو مائة مليار يورو بصورة مبدئية، وفرنسا تجاهد لتأسيس جيش أوروبى موحد، والدول الصغرى تسعى لإيجاد أحلاف قوية، وأنين بولندا والمجر من أرتال المهاجرين يقطع الأطلنطى طلبا للنجدة، ورومانيا تصرخ، والغرب الأوروبى يستجدى أمريكا، وأمريكا عجوز يستند بالكاد على الدولار، والغذاء فى العالم يشح، والوقود نادر، والغرب لم يتعلم من درس سلاح البترول شيئا، وأوكرانيا لن تصدر للعالم حبة قمح فى القريب، ولن تتمكن ربما من زراعته من الأساس.
الكل باع الكل علانية، الجميع أدرك انه لا أحد يستطيع الارتكان على أحد فهذا منطق ثبتت هزليته، اللعبة تحكمها قواعد أخرى، تماما كأنك تدير شركة كبرى بالانجليزية وتتابع أسعار البورصات العالمية، وتضع استراتيجيات عميقة وتُعين مديرين بالشيء الفلانى وتنتظر الأرباح بينما الموظفون يضربون العملاء بمنافذ الخدمة، هى كذلك بالضبط، العالم وضع استراتيجيات هناك على الورق، أما الأرض فيملكها آخرون.
المسألة لها منطق أوحد، «القوة» تعرفها؟، ولا منطق سواه، اختلف ما شئت وناقش حتى ينقطع نفسك، وارفض اذا كنت من الرافضين.. لكن صدقنى هذا لن يغير من الأمر شيئا. احسب كم أنت قوى تعرف أين أنت بالتحديد، أما كم مداك وما هدفك فهذه مسألة أخرى.
أما المصطلحات التى جئت محملا بها فاسمح لى أن أقسم لك بانها الآن تتغير، لا أعرف الجديد منها لكن أجزم أننا لن نسمع القديم منها مجددا.
فمثلا.. هل تذكر التفاخر بذكر «العولمة» والتمسح فيها بل والتغزل فى محاسنها بانها كم هو جميل ان يصبح العالم قرية صغيرة، وكم هو رائع أن يستطيع العالم ان يتصل بالعالم، وكم هو مبهر أن نكون قريبين؟!. لن تسمعه ثانية.
وأما اذا كنت ماتزال تذكر شيئا عن اتفاقيات التجارة الحرة مثل الـ«جات» مثلا أو ما شابه، فانسه فورًا، النظرية فشلت أيضًا، التجارة ستكون بالتراضي، والتصدير حسب العلاقة البينية بين المنتج والمستورد وعلى هواه السياسى ومدى تواؤمه معه، أعتقدها ستذهب الى المقايضة مع الوقت، ولكن السؤال هو: من يقايض من على ماذا؟!
إلى هنا يعيدنى العالم الى كتاب القراءة القديم الذى هو عنوان المقال السالف، ذلك الدرس الذى ما فهمت مغزى طباعته على خلفية الكتاب الأول، فما هى الإفادة من ذكر مقدمات بديهية تحيلنا الى نتائج حتمية؟ بالطبع لا شيء.
يعنى أنه حتى تدخل هذا النظام الجديد يجب أن يكون لديك ما تقايض عليه، يجب أن تملك شيئا، فلا مقايضة بلا سلعة، يعنى أنه من يزرع يحصد ويأكل ويقايض ويبيع ويصدر، ومن يصنع بالمثل، أما من يتعلم فلن يجابهه أحد ولن يلحق بخطاه.