الرواة يعيدون إحياء مدن الشارقة التراثية

الشيخ سلطان القاسمي يفتتح المرحلة الأولى  من مشروح الحصن التراثي
الشيخ سلطان القاسمي يفتتح المرحلة الأولى  من مشروح الحصن التراثي

رسالة الشارقة: شهاب طارق

نفذت إمارة الشارقة بالإمارات مؤخرًا العديد من المشروعات التراثية، والتى كان الهدف منها إعادة إحياء بعض المناطق التراثية الهامة داخل المدينة، ورغم  الصعوبات الكبيرة التى واجهتهم أثناء عملية التنفيذ بسبب عدم توفر صور أرشيفية لأغلب المبان القديمة وعدم توثيقها معماريًا، إلا إنهم استطاعوا فى النهاية التغلب على هذه العقبات، وذلك من خلال الاستعانة بالرواة، الذين قدموا بدورهم وصفا دقيقا للبنايات والأسواق التى عاصروها وشاهدوها خلال طفولتهم، فى تجربة أصبحت مصدر إلهام للعديد من مدن العالم صاحبة الإرث التراثى والإنسانى، هنا نستعرض تلك التجربة التى كان للرواة فيها الدور الأكبر لاستعادة مدنهم والتى لولاهم -ربما- لذهبت دون رجعة.

تشكيل وعى 
أحمد الدح مدير إدارة الممتلكات التراثية ورئيس قسم العلاقات الخارجية بمعهد الشارقة للتراث يتحدث عن المواقع التى تم افتتاحها مؤخرا، إذ يقول: أثناء عملية إدارة التراث الثقافى نحاول جذب جميع فئات المجتمع، لأنهم شاغلنا الأكبر خلال تنفيذ المشروعات.

عنوان أيام الشارقة التراثية هذا العام كان «التراث والمستقبل» لذلك نحاول إدخال التكنولوجيا فى عملية إدارة المواقع التراثية لأننا نريد أن نصل لفئة الشباب كى يتمسكوا بتراثهم وهويتهم، كما قمنا بتنفيذ مسابقات تراثية، كان الهدف منها هو تشكيل الوعى لدى هؤلاء حول التراث.

وكذلك أعدنا إحياء بعض المواقع التراثية، لأن ما يهمنا هو التوعية بالتراث وتشكيل هوية للمواطن الإماراتى، فنحن لا يهمنا أبدا تحقيق ربح مادى للموقع التراثى، فالعائد الذى نجنيه من وراء تلك المشاريع لا يمثل 1% من إجمالى التكلفة النهائية للمشروع.


إعادة توظيف
يشرح الدح الفارق بين إدارة التراث بالشارقة وبين هيئة الآثار؛ إذ يقول إن القانون وحده هو من يحدد ما هو تراثى وما هو أثرى، فهيئة الآثار هى السلطة المعنية بعمليات التنقيب أسفل المواقع، وهم ينقبون عن الموقع ويقوموا بدراساتهم، ونحن بدورنا إذا وجدنا لقى أثرية نسلمها لهيئة الآثار، لكن بالنسبة لنا الآثار ليست جهة لتنفيذ المشاريع، لأن دورهم الأساسى يكون من خلال التنقيب والبحث وإجراء الدراسات العلمية، لكننا كمعهد الشارقة للتراث نقوم بإعادة إحياء المواقع التراثية وترميمها، فأول شىء نقوم به هو الجمع الميدانى، ثم جمع المعلومات وإجراء الدراسات.

والأمر الأخير هو المرحلة المعمارية، وذلك من خلال إعادة إحياء الموقع وإعادته مثلما كان من قبل، فمثلا عملية إعادة استخدام البيوت التراثية ما يحددها فى المقام الأول هو مساحة الحجرات داخل البيوت، بينما الأسواق أمرها مختلف، فمثلا سوق «كلباء» التراثى كان يحوى بداخله 16 دكان لكنهم كانوا صغيرين جدا، لذلك قمنا بعملية توسعة لهذه الدكاكين واستخدمناها تجاريا، فقمنا بإعادة بناء السوق مرة أخرى بنفس عدد الدكاكين، وبنفس المواد التى استخدمت فى الأصل لكن بمساحة أكبر.

وذلك كى نضمن أنه سيعاد استخدامها مرة أخرى واستعمالها من جانب سكان المنطقة. كذلك البيوت، نحن نستخدمها كمتاحف شخصية لبعض الأفراد ممن لديهم مقتنيات ثمينة يحتفظون بها، فبدلا من الاحتفاظ  بها داخل بيوتهم، نساعدهم كى يعرضونها فى أماكن مجهزة ليشاهدها الجميع.

ونقدم برامج وورش للأطفال داخل مراكز الحرف التراثية، كما نقدم فعاليات تخص الألعاب الشعبية ونعطى المتسابقين مكافآت، وهذا الفريق يشارك فى المسابقات الدولية، بالإضافة إلى أننا نقدم للأطفال المداومين على الحضور لهذه المراكز فرصة السفر للخارج خلال الفعاليات التراثية الخارجية كمكافأة لهم، إذ تملك مركزاً للحكايات، ومركز للألعاب الشعبية.

وكذلك مركزاً للحرف، وكل هذه الأشياء تتم داخل الموقع التراثى ومن خلال إعادة استخدامه مرة أخرى.


الاستعانة بالرواة
يقول مدير إدارة الممتلكات التراثية أن عملية إعادة إحياء الأماكن التراثية تتم وفقا للآليات محددة: أول أمر نقوم بعمله هو «جمع المعلومات» فحى «الحصن» على سبيل المثال لم يكن موجوداً منه سوى الحصن التراثى فقط، ولم تكن هناك بيوت موجودة أو سوق، لذلك عندما أردنا إعادة إحياء المنطقة مرة أخرى قمنا بعملية جمع ميدانى وجمعنا أسماء الرواة المتواجدين بالمنطقة واستطعنا من خلالهم تجميع المعلومات حول هذا الموقع قديما، بالإضافة إلى قيام إدارة المشروعات بعملية  تنقيب على الأساسات الأصلية، كنا نصطحب الراوى للموقع ليشاهد الأساسات التى توصلنا إليها، حينها يتذكر كيف كان شكل الموقع من قبل، فسوق حصن كلباء التراثى، ظل موجودا حتى خمسينيات القرن الماضى.

 

وقد نقبنا عن أساسته وأعدنا بناءه مرة أخرى، الأمر نفسه ينطبق على المنازل إذ أعدنا إحياء المنطقة ككل وقمنا بإقامة احتفالات وفعاليات ثقافية داخلها على مدار السنة، ومثل هذه الأمور ساعدتنا على جذب الجمهور لهذه المناطق، بالإضافة إلى أننا أدخلنا فيها المقاهى ذات الطابع التراثى، إذ نحاول بقدر الإمكان الموائمة بين الماضى والحاضر، لجذب الشباب لهذه الأماكن، وهذه الأمور بالفعل نجحت فى اجتذابهم فى نهاية الأمر.


تدوين التراث
بدرية الحوسنى مدير إدارة الجمع الميدانى للموروث الشعبى ومدير الإدارة الأكاديمية بالإنابة بمعهد الشارقة للتراث تشرح مدى الاستفادة من الجمع الميدانى أثناء عملية الترميم، إذ أوضحت أن هذه العملية تتم من خلال الاستعانة بصاحب المنزل، أو أبناءه أو جيرانه، أو شخص عاصر ورأى تلك الفترة من عمر المدينة.

والذى يقوم بدوره بوصف المنزل سواء الغرف الملحقة به أو المخازن، وغيرها من الأمور، كما يصف حجم المنزل والنوافذ  والشبابيك الموجودة بداخله، ويذكر لنا أيضا الحكايات المتعلقة بالمنزل، والحكايات الاجتماعية التى كانت موجودة داخل المنطقة نفسها، فهذه الأمور تحديدا ساعدتنا كثيرا على إنجاز الكثير من مشاريع الترميم، إذ أفادنا الرواة فى هذه العملية.

ومثال على ذلك منطقة كلباء، وخورفكان وغيرهم من المناطق التى اتبعنا فيها نفس الأسلوب، فعملية الجمع الميدانى تتم وفق خطة ومنهجية ومعايير صحيحة وضعها اليونسكو، وإدارة «الجمع الميدانى» خلال الوقت الحالى تقوم بعملية جمع ميدانى للمبان التاريخية القديمة، حيث ينقسم الأمر لشقين؛ الأول هو جمع الحكايات التاريخية والاجتماعية والسياسية للمنطقة وهذا هو دورنا، إذ نسعى لجمع التراث المادى وغير المادى على حد سواء.

والأمر الثانى الذى نقوم به هو جمع الحرف التراثية والمهن والفنون والعادات والتقاليد والمعتقدات الموجودة بالمنطقة، فنقوم بعملية جمع للتراث غير المادى بالمنطقة وتدوينه وأرشفته.


التكنولوجيا والتراث
تشرح بدرية الحوسنى باستفاضة عملية الجمع الميدانى، قائلة إنها لا تجرى بعشوائية بل تتم دراسة كل شىء قبل تنفيذه ووضع خطة، تقول: فى البداية نحدد الموضوع الذى نود البحث عنه، ثم نقرأ المصادر القديمة التى كتبت.

ومن ثم نقوم بوضع دليل ميدانى، ثم نحدد الراوى الذى نود أن نلتقى به، فنحن نختار ونفاضل بين أفضل الرواة الموجودين بالمنطقة وأكثرهم خبرة، ومن ثم نستعين بعدها بالأشخاص الأقل خبرة وهكذا، إذ نفضل أن نتنوع فى التواصل مع الرواة لكننا فى البداية نختار الراوى صاحب الخبرة الكبيرة، كى يتثنى لنا فهم الموضوع، فهو يقدم لنا الكثير من الأفكار من خلال المعلومات التى قد تكون غائبة عنا، وبالتالى يكمل الصورة لدينا.

 

 

وهو بدوره يقدم الرواة الآخرين فى نفس مجاله ويعرفنا عليهم، لكن بالنسبة لعمليات الترميم فالأمر يختلف لأننا كما ذكرت نختار هنا راوى «متخصص» عاصر شكل المنطقة ورآها عن قرب، فنحن نحتاج راوى له ذاكرة جيدة، لأن هذا الأمر يساعدنا فى العملية.


أخيرا تؤكد الحوسنى أن التكنولوجيا تلعب دورا كبيرا فى الوقت الراهن أيضا، تقول: «نقوم باستخدام كاميرات الفيديو، والتسجيلات الحساسة، التى  تستقطب الصوت بشكل كبير، ومن خلال كاميرات الفيديو عالية الدقة نتعرف على حركات الراوى أثناء الكلام وكما نتعرف على نظراته والتأثيرات الحركية عندما يحكى حكاية ما.

وكذلك انفعالاته، وهذه الأمور تساعد الباحثين فى الأنثروبولوجيا والمتخصصين النفسيين فيما بعد».

اقرأ ايضا | رئيس معهد الشارقة للتراث د. عبدالعزيز المسلم: التراث العربي في خطر