الشيخ عمر الديب: آفات اللسان تنتقص أجر العبادات والمؤمن لا يؤذي

حفظ اللسان خلال مناقشة الآخرين واجب
حفظ اللسان خلال مناقشة الآخرين واجب

فحش القول وبذاءة اللسان داء ينتشر بين الكبار ذكورا وإناثا وعدوى تنتقل إلى الصغار حتى طالت الأعمال الدرامية ويدعى البعض استخفافا أنها على سبيل المزاح والبعض الآخر جهلا أن لهم رخصة شرعية لرد الإساءة بإساءة!! ولا يفقهون أنها من المحبطات التى تنتقص من أجر العبادات، فلتكن الأيام القليلة الباقية على بدء شهر رمضان المعظم تدريبا عمليا للإقلاع عن هذه الأقوال والأفعال ونعقل الألسنة عن هذه الآفات فهى ذنب مستوجب لمقت الله سبحانه ويسىء لمن يعتاده ويؤذى من لا يسلم من سماعه، يوضح الشيخ عمر الديب وكيل الأزهر الأسبق الحكم والأضرار وكيفية العلاج منها حتى لا تكون سببا فى ذنوب يحملها أثقالا على ظهره من يألفها قبل قدوم شهر الرحمة والغفران يقول الله تعالى: «ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد».

اقرأ أيضاً | الشيخ عمر الديب: الإسلام يصون كرامة الإنسان فى كل مراحل عمره

الشيخ عمر الديب

يقول الشيخ عمر الديب: نستعد لملاقاة ضيف كريم شهر رمضان المبارك فلابد أن نقابله ونحن فى أنصع صورة ونبدأ صفحة جديدة بالتخلص من آفات اللسان، وقد أمرنا الله سبحانه أن نحسن الظن بكل من حولنا قال تعالى: « يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب»، ونرى معظم الناس لا يعملون بهذه الآية فلا يمسكون الألسنة عن السب واللعن وعدم الاعتداد بالآخرين، والرسول صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك بقوله: «المؤمن ليس بطعان ولا لعان»، كما نهانا عن التنمر بالآخرين فحين قال الصحابى أبو ذر الغفارى رضى الله عنه لبلال بن رباح: (يا ابن السوداء) قال له الرسول صلى الله عليه وسلم: (إنك امرؤ فيك جاهلية) لما فى هذا القول من فحش وهو ما نعايشه فى وقتنا الحالى على صفحات التواصل الاجتماعى وفى الشوارع وبين الصغار فى المدارس والنوادى من تراشق بالألفاظ المؤذية وهو ما لا يرضى الله تعالى.

ويوضح أن الفحش ما يشتد قبحه من الذنوب والمعاصى قولا وفعلا، والبذاءة هى التعبير عن الأمور المستقبحة بالعبارات الصريحة وكل ذلك تبغض منه الطباع السليمة ويشمئز من سماعها الإنسان السوى ويستحى من النطق بها العاقل، والبعض يسرف على العباد بالسخرية والاستهزاء ولا يحجزه عن ذلك دين ولا مروءة ولا حياء وقد حرمها الله تعالى على عباده صيانة لهم قال عز وجل: «قل إنما حرم ربى الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق» ،ومن يحتج ببعض الآيات القرآنية ليجيز للناس التفاحش بالكلام البذىء باعتبار قول الله تعالى: «لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم» رخصة شرعية لمن يقع عليه ظلم ليرد الإساءة بإساءة فقد فهم خطأ وإنما الجهر يكون بالإخبار عن ظلم الظالم ويجوز الدعاء عليه وفى ذلك يقول ابن عباس رضى الله عنهما فى التفسير: لا يحب الله أن يدعو أحد على أحد إلا أن يكون مظلوما والجهر بالسوء من القول لا يتجاوز أن يدعو على من ظلمه ويقول له يا ظالم وإن يصبر فهو خير له، فالرخصة فى الشرع تدور فى إطار أخلاقى منضبط ولا يؤذن للمظلوم أن يطرح شعائر الدين بدعوى الرخصة والاستثناء، كما أن سلوك الفحش والبذاءة سبب فى البعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والحرمان من شفاعته وصحبته يوم القيامة، وبذىء اللسان أحط الناس قدرا والأجدر إتقاء فحشه، ولنا فى رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة قالت عائشة رضى الله عنها فى طيب كلامه :( لم يكن فاحشا ولا متفحشا ولا صخابا فى الأسواق ولا يجزئ السيئة بالسيئة ولكن يعفو ويصفح).

ويتابع: شرع الله للناس ما يزكون به أنفسهم من عبادات الصلاة والصيام والزكاة والحج وبها تسلم الجوارح من كل رذيلة، والاستمرار فى الفحش والبذاءة من محبطات أجر العبادات وتنتقص من ثوابها بقدر ما ارتكب من معاصى، وكل ما يفعله الإنسان فى شهر رمضان مسىء يتضاعف أجره من السيئات كما يضاعف الله سبحانه الحسنات لمن يشاء من عباده الصالحين، ولتطهير الألسن من آفات اللسان يوصى الشيخ الديب بالانتباه إلى الحياء من الله وعباده فيلزم صاحب هذا السلوك السلبى ما يطيب من القول وما يصلح من الأعمال لأن الرذيلة تعم إذا غاب الحياء عن الناس، والخوف من الله عز وجل فمن خاف لا يتكلم بما يغضب الله، واشتغال اللسان بالذكر فيطمئن القلب وتجد النفس ما يؤنسها بعيدا عن الكلام المنبوذ، واستعمال التلميح بدلا من التصريح إذا احتاج المرء الحديث فى أمور يستحى من التصريح بألفاظها طلبا لعلم أو مشورة، ومجالسة الأخيار فمن يجالس الفساق يتأسى بهم قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)، ولزوم الصمت ففى كثرة الكلام الندامة فاعقل لسانك إلا عن حق توضحه أو باطل تدحضه أو حكمة تنشرها أو نعمة تذكرها فالله يسمع السر والنجوى والكلام محفوظ علينا قال سبحانه: «أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون»، ولو تعرضت لسوء الكلام فقل إنى صائم إنى صائم فمن الضوابط التى لا تنقص أجر العبادات فهى المقصد الحقيقى من شهر رمضان المعظم وهو أن يقلل الإنسان من الطعام ويكثر من الإطعام ويقلل من الكلام ويكثر من التلاوة ويقلل الخلطة مع الناس ويكثر التفرغ للعبادة، ومن يغلب عليه المحافظة على عاداته السيئة قبل رمضان يبقى فى الغفلة ولن يحسن اغتنام الفرصة ويخرج من الشهر الكريم مفلساً.