تساؤلات

العملاق يتقيأ

أحمد عباس
أحمد عباس

ثم ولما استفاق ذلك العالم العملاق الذى سكن الى رقاد مخادع فى هدنة كاذبة فمثل كوحش بشري، وقرر أن يفرك عينيه وجد نفسه مقيدا بالبراح مكبلا بالفراغ مختنقا من الوسع والخضار الفسيح، فراح يشاحن ذاته ويخانقها فلا أحد ينهره أو يعاركه، هو وحده، فلا صريخ أو ضجيج، لا دم أو عواء، لا قتل أو ذبح أو هتك أو سفك.. ووحده شعر بالقيد والضجر.


فراح يصارع البراح والفراغ والوسع، يقاتل الجمال ويهلك الحرث والنسل كل ذلك وحده.
تجشأ العالم ليعلن قدومه فسبب احتباسا حراريا، اخترع الطائرة ثم طور لها صواريخ لاصطيادها، وابتكر الدبابة وأوجد لها قنابل ملائمة لتفجيرها، ولما زادت النار واصعدت ألسنة اللهيب الى السماء بنى لنفسه ملاجئ تحت الأرض يستتر بها من سعيرها، ولم تكفه الأرض وما عليها فصعد الى الفضاء وحط بمركباته وأخرج غازاته وأطلق ريحه من هناك فشق الأوزون شقا، أذاب جليد القطبين وحرق غابات القارات وحفر الأرض حفرا فأخرجت ذهبا وفضة ويورانيوم أنشأ به مفاعلات نووية ففارت الأرض وأخرجت براكين وحمما.


ولما تجرأ على الطبيعة فأنشأ مختبرات للأسلحة البيولوجية واستحدث ڤيروسات لمهاجمة نفسه وجد نفسه فى لحظة فى مواجهة الطبيعة، والطبيعة لا تلعب ولا تفهم عبث المبتدئين.


منذ عامين كان هذا العالم الذى يعج بطوابير اللجوء والنزوح والفرار خاليا تماما من كل بشري، فرغت الساحات والطرقات، وعادت طيوره للتحليق فوق الميادين بينما كان العالم مختبئا يحفظ لنفسه مسافات آمنة، ويبحث عن أنبوب أكسجين يضمن له الحياة، حتى غزلان الغابات دخلت المدن وكانت تستمتع بدلا من البشر فى أرقى شوارع العالم وأفخرها بينما كانت محلات «السينيه» مقفلة.


ولما راحت السلالة تنقى نفسها فمات المرضى، وبدأ الجيل يتجدد ويخلع عنه عباءة كبار السن، فوجئ العالم فى لحظة انه مرتكن الى العدم، وفهم شراسة الطبيعة لما أتت عليه وفتكت به وكادت أن تقتله هو لولا أنه وجد الفرصة للتحايل عليها فاستغلها وحقق منها أرباحا طائلة فباع أدوية وعقارا وفاكسين وتطعيما، فحقق ما يكفى من المكاسب لكن بدا أنه لم يهضم الدرس فتقيأه علينا حربا جديدة يجنى منها أموالا جديدة.
كل ذلك ولا يصر العملاق الا على صراع نفسه.. ما كل هذا العبث!


أقول ذلك ونحن نتحضر لقمة المناخ القادمة التى تستضيفها وتنظمها الدولة المصرية بحضور د. محمود محيى الدين، تلك التى أراها عليها أن تبدل أجندتها بالكلية فلا مجال لمناقشة أثر الاحتباس الحرارى وسبل مواجهته، وكيف للدول العظمى أن تحد من أذاها عن الدول الناشئة، أعتقد أن السؤال الذى سيفرض نفسه والأجدى بإيجاد إجابة هو كيف نواجه أزمة غذاء تضرب العالم وكيف نهذب ذلك العملاق بداخلنا قبل أن يأكلنا نحن، وكيف نترك لأطفال الأرض عالما أقل شراسة يفهم آثار الحرب والضرب والقتل، وأنا هنا لا أنتظر عالما متسامحا وأليفا فذلك من ضروب الخبل ولكن أتساءل ماذا لو أن ذلك العالم الشرس راح يحل أزماته بعيدا عن وجوه العامة ولقمة عيشهم ودوائهم ودفئهم وكسائهم.. ماذا لو حَل عنا الوباء والغلاء والغباء.. ماذا!