مؤسس ويكيلكس يواجه السجن 175 عامًا في أمريكا.. وفرنسا ترفض منحه اللجوء السياسي

مؤسس ويكيلكس
مؤسس ويكيلكس

مي السيد

يواجه مؤسس موقع ويكيليكس جوليان أسانج أحكاما بالسجن لمدة 175 سنة فى الولايات المتحدة الأمريكية، كما إن هناك مذكرة اعتقال دولية بحقه صادرة من السويد تتهمه باغتصاب فتاتين، وتطالب بتسليمه إليها، وعلى إثر ذلك هناك محاولات متكررة من جانب عدد كبير من السياسيين الفرنسيين بهدف التدخل لمنع تلك المحاكمات الضخمة ومنحه صفة لاجئ.


ومن جانبها رفضت الجمعية الوطنية الفرنسية مجددا مقترحا، يدعو الحكومة لمنح جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس، والمسجون في بريطانيا، صفة لاجئ فى محاولة لمنع تسليمه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن القرار أيدته عدة أحزاب فرنسية ومرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، على رأسهم زعيم اليسارجان لوك ميلونشون، وعدد من نواب البرلمان، إلا أن ذلك لم يكن كافيا حتى يتوافق مجلس الأمة على ذلك.


أسس أسانج، الذى يتمتع بقدرة استثنائية على فك شفرات برامج الكمبيوتر، فى عام 2006 موقع ويكيليكس الشهيرالذى يهتم بنشر الوثائق والصور، وكانت بداية شهرة الموقع عندما نشر لقطات مصورة لجنود أمريكيين وهم يقتلون 18 مدنيًا عراقيًا من داخل مروحية، والذى تصدر عناوين الصحف فى أنحاء العالم، وبعدها ظهرت له قضية فى السويد متهم فيها باغتصاب امرأة والتحرش بأخرى عنوة، وقدمت السلطات السويدية طلبًا للحكومة الإنجليزية بتسليمه لها، وأصدرت مذكرة اعتقال دولية بحقه، على إثر ذلك خاض أسانج معركة قضائية لرفض تسليمه وتم وضعه قيد الإقامة الجبرية فى بلدة ريفية صغيرة داخل انجلترا، ولكن محكمة جزئية أقرت بالفعل تسليمه إلى السويد، حيث أيدت المحكمة العليا البريطانية قرار التسليم فى عام 2011، ولكنه عاود تقديم طلب لإعادة النظر فى الطعن المقدم ضد قرار المحكمة ولكن المحكمة البريطانية رفضته مرة أخرى.


لجوء سياسى

وبعد مرور أيام، لجأ أسانج إلى سفارة الإكوادور بلندن، حيث مكث هناك بعد أن منحته هذه الدولة الواقعة فى أمريكا الجنوبية حق اللجوء السياسى فى 16 أغسطس عام2012، وظل بداخلها لمدة 7 سنوات، حتى تم القبض عليه من قبل السلطات البريطانية، وخلال تلك المدة قضت محاكم أمريكية أحكامًا بالسجن عليه لمدة 175 سنة، وذلك لاتهامه بالتجسس وسماحه بنشر عشرات آلاف الوثائق السرية، لا سيما حول عمليات أمريكية فى أفغانستان والعراق.


لم تكن تلك المرة الأولى التى يرفض فيها مجلس الأمة الذى يطلق عليه الجمعية الوطنية الفرنسية طلبا لمؤسس ويكيليكس، ففى عام 2015وبعد أسبوع من كشف موقعه تجسس أمريكي على رؤساء فرنسيين، وعندما كان فرانسوا أولاند رئيسا لفرنسا بعث إليه أسانج  برسالة خاصة، حاول فيها استرضائه للموافقة على طلب اللجوء، قال فيها إن فرنسا وحدها  قادرة على توفير الحماية اللازمة له، ضد ما وصفه بالاضطهاد السياسى الذى يتعرض له، مشيرا إلى أنه ملاحق ومهدد بالموت من جانب السلطات الأمريكية «نتيجة أنشطته المهنية»، مؤكدًا أنه لم يتهم بشكل رسمى بجنحة أو جريمة حق عام، فى أى مكان من العالم.


ومع تلك الرسالة قدم أسانج طلب لجوء لفرنسا، معربًا عن أمله فى الحصول عليها، إلا أن طلبه قوبل بالرفض بسبب أن وضعه وقتها لا ينطوى على خطر فورى، وصرحت الأليزيه وقتها بأنه مع النظر إلى العناصر القانونية والوضع المادى لمؤسس ويكيليكس، لا تستطيع فرنسا أن تلبي طلبه، ولكن هذه المرة جاء الرفض بناء على ما تضمنه الطلب من نقاط خلافية، لاسيما على الصعيدين القانونى والدبلوماسى.


أسرار عسكرية

ومن ناحيتها قالت فابيولا بدوى الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية المقيمة بباريس؛ أنه حتى نعرف أسباب التعاطف من جهة والرفض من جهة أخرى داخل المجتمع السياسى الفرنسى مع أسانج، لابد أن نعرف حقيقة التهم الموجهة إليه وأسبابها، والقضية التى تخص جوليان أسانج مؤسس موقع ويكيليكس بدأت عام 2010، والفكرة المتعلقة بالقضايا المقامة ضده، أننا أمام معلومات سرية تم نشرها على الموقع، وهى معلومات ليست متعلقة بحرية الرأى والتعبير، وإنما معلومات تخص الجيوش، وكلمة معلومات سرية تعنى بالتأكيد أنه تم تسريبها من الجيش وتشكل خطرًا على الأمن، وبالتالى ظهرت ضده قضايا عدة، جعلته فى عام  2012 يتوجه إلى سفارة الإكوادور التى منحته حق اللجوء السياسى، ومكث فيها 7 سنوات كاملة إلى أن تم اعتقاله من السلطات البريطانية.


وتابعت الكاتبة الصحفية؛ أن أسانج سرب أسرارًا عسكرية تتشابك فيها دول كثيرة، فالوثائق الأمريكية مثلا لم تكن متعلقة بالجيش الأمريكى فقط، بل كانت تتحدث عن عدد من الصفقات العسكرية، فكان ينشر نوع الأسلحة، والدول المصنعة لها وثمن الصفقة، والدولة المباع لها تلك الأسلحة، وكان يحدث بسبب ذلك إحراج كبير للدول التى تم تسريب تلك الوثائق منها، وبالنسبة لحكومات الدول هى تبرم عقودًا سرية ليس من المفترض أن يتم الكشف عنها حتى لا يعرف مثلا السبب من شرائها، وهى بالنسبة لأى جيش تعتبر»سرية»، فما بالك أنه نشر مئات الآلاف من الوثائق السرية، تتضمن معلومات عن أكثر من بلد.


وبناء على ما سبق - والكلام لفابيولا بدوى- يعتبر مؤسس موقع ويكيليكس، شخص ملاحق أمنيا من أكثر من جهة، على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، والتى طالبت بتسليمه بعد كم الأحكام التى صدرت ضده هناك، وهناك احتمالية ترحيله أو مقاضاته فى بريطانيا، وفى فرنسا هناك أفكار مطروحة تحاول جعله يتمتع بصفة لاجئ فرنسى، والهدف من ذلك حمايته من المحاكمة، على اعتبار أنه هو لم يكن قاصدًا لفعل التجسس حتى لو صنفت التهمة هكذا، ولكنه كان أمام سبق صحفى، وتملكت منه الرغبة فى نشر الوثائق، ولكن ليس بهدف التجسس أو التخابر لصالح جهة ما.


رغبة الشهرة

وقالت الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية؛ «نحن نعلم أنه أحيانا نحن كصحفيين هناك رغبة فى الشهرة.. وتلك الرغبة تفوق موقع بعينه، نعلم بالطبع أن موقع ويكيليكس له مكانته ووصل لدرجة من الشهرة وبالطبع هذه الشهرة أحيانا تعمى وتجعل الشخص يتجاوز حدود المهنة.. حدود حرية الرأى والتعبير، وهو ماوصل إليه أسانج إلى أن سرب وثائق سرية ممنوعة، ليست وثائق فساد أو غيرها، ولكن هو رأى أن هذه الصفقات تشوبها المصالح، وبالتالى حاول نشرها، ولكن حينما يتم الكشف عن شبهات فساد أو شبهات مصالح بين الدول، بالتالى لابد أن يكون هناك رد فعل عنيف من تلك الدول، لأنها كما قلنا اتفاقات بين دول تصل إلى حد المعلومات السرية التى تخص الجيوش.


المتعاطفون مع جوليان أسانج هنا فى فرنسا كما تقول المحللة السياسية، ربما رأوا أنها ممكن أن تعفيه من الذهاب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، لتجعل فرنسا شريكًا فى المحاكمة، على اعتبار أن صفة التخابر منفية عنه أو صفة التجسس وأنها إساءة استخدام للمهنة فقط، وهذا الاقتراح لم يلق الحقيقة قبولا ولم يحظ أى أغلبية، وعن فكرة أن القرار غير ملزم للحكومة الفرنسية حتى لو وافق عليه مجلس الأمة قالت فابيولا؛ «ذلك يعنى أن القرار بمثابة توصية من الجمعية الوطنية الفرنسية للحكومة الفرنسية، لأنه ليس قانونا يناقش تم التصويت عليه، ويتمتع بالإجراءات القانونية حتى يصير قانونًا يأخذ مجراه فيما بعد إلى مجلس الشيوخ للموافقة عليه».


وتابعت؛»هذا القرار هو فى الحقيقة مطلب تقدم به بعض الأعضاء، دعمته الأحزاب السياسية وبعض من مرشحى الرئاسة يمكن بجانب التعاطف، الغرض أيضا جلب أصوات محبيه فى فرنسا، خصوصا أننا على أبواب انتخابات رئاسية ويحاول الجميع جلب أكثر الشرائح الممكنة للفوز فى ذلك المارثون المهم بالنسبة لفرنسا من أى وقت مضى، وفى الحقيقة أيضا وحتى نكون أكثر واقعية الاقتراح الفرنسى نابع من الخوف عليه كون القضية فى الولايات المتحدة الأمريكية تصاعدت بشدة وتتهمه بالتجسس، ولكنهم يرون عكس ذلك، ويرون أيضا أنه عوقب بما فيه الكفاية، حتى أن الأحكام تجاوزت بسجنه لأكثر من 150 سنة فى أمريكا، كما إن هناك ملاحقات أخرى، فعلى سبيل المثال فى ستوكهولم هناك بلاغات باعتداء جنسى، وهو نفى هذه الاتهامات منذ اللحظة الأولى، واعتبرها ذريعة كى يتم ترحيله وأن الموقف يختلف من الإكوادور وعدم الحماية وما شابه.


ويرى النواب المتعاطفون معه أيضا، أنه صحيح نشر وثائق صنفت على أنها سرية وصحيح أنها تخص الجيش الأمريكى، وصحيح أنها لا يجب أن تنشر، ولكن يجب أن يحاكم فى رأى النواب الذين تقدموا بهذا الطلب، على هذا الاتهام فقط وهو أنه أساء استخدام مهنته ونشر ما لا يجب نشره ولا يجب أن يعاقب كشخص بتهمة التجسس»، وختمت بقولها أن الدبلوماسية أحيانا لها رأى آخر وتأخذ الأمور فى منعطف مختلف.