سببان يمنعان الغاز الإفريقي أن يكون بديل الغاز الروسي لأوروبا

أرشيفية
أرشيفية

ما زالت الحرب الروسية على أوكرانيا تلقي بظلالها على مختلف أسواق العالم، خاصة أسواق الطاقة، التي تشهد فترة زعزعة وعدم استقرار وانفلات في الأسعار غير مسبوقة، الأمر الذي وضع أوروبا تحت رحمة الغاز الروسي، فالأزمة في أوكرانيا، أظهرت مدى اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي والنفط والفحم الروسي، مما يجعلها معرضة لأي تحرك من جانب روسيا لتعزيز هيمنتها على الطاقة، وهو ما شرعت القارة العجوز في تصحيحه، والتفكير في بدائل.

وبعد أن قامت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بحظر صادرات الطاقة الروسية، وإعلان الاتحاد الأوروبي أنه سيخفض واردات الغاز الروسي بمقدار ٣٠% بحلول نهاية العام، على خلفية غزو روسيا لأوكرانيا، بدأ المسؤولين في الغرب مناقشة سبل إيقاف الاعتماد على إمدادات الطاقة الروسية، فهل يلجأ الغرب إلى إفريقيا؟

قالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية، إن القارة الإفريقية مستعدة لملء فراغ الغاز والنفط الروسي في أوروبا، مشيرة إلى أن الهدف الذي حدده القادة الأوروبيون بإنهاء اعتمادهم على النفط والغاز الروسي قبل 2030، قد يؤدي إلى مكاسب جديدة في سوق الغاز الطبيعي المُسال لنيجيريا وأنغولا وليبيا والجزائر.

وذكرت أن الأزمة في أوكرانيا، أظهرت مدى اعتماد أوروبا على الغاز الطبيعي والنفط والفحم الروسي، ما يجعلها معرضة لأي تحرك من جانب روسيا لتعزيز هيمنتها على الطاقة، وهو ما شرعت القارة العجوز في تصحيحه، والتفكير في بدائل.

وعن البديل المحتمل، نقلت "فورين بوليسي" عن الباحث المتخصص في قانون النفط والغاز بجامعة كيب تاون بجنوب إفريقيا، كيندي تشيج، قوله: إفريقيا الآن البديل الأكثر ثقة للدول الأوروبية، ما يعد فرصة عظيمة أمامها لتُبرم الصفقات سريعًا.

وأشارت المجلة الأمريكية، إلى أن القارة السمراء تمتلك قدرة ضخمة من الطاقة، لكن كبار المنتجين يفتقرون إلى البنية التحتية التي يمكنها سد الفجوة بسرعة.

ونقلت المجلة عن المديرة الإدارية لمجموعة دي إل أو لموارد الطاقة الجنوب إفريقية، ليندا مابهينا أولاجونغو، قولها: التحدي الأكبر هو التمويل.

وأوضحت "فورين بوليسي" أنه خلال السنوات الماضية، لم يكن هناك حافز لاستثمارات رأس المال الأجنبي في البنية التحتية الهيدروكربونية الإفريقية، وسط تركيز عالمي على تطوير الطاقة المتجددة، مشيرة إلى أنه في هذا السياق تبحث نيجيريا، أكبر مُنتِج للنفط في القارة وصاحبة أكبر احتياطيات غاز معلومة في إفريقيا، عن مستثمرين محليين مثل البنك الإفريقي للاستيراد والتصدير لتوفير مصادر تمويل بديلة.

ولحل هذه المعضلة، قال تيميبر سيلفا، وزير الموارد البترولية النيجيري: "نريد بناء خط أنابيب غاز عبر الصحراء لنقل الغاز على طول الطريق إلى الجزائر، ثم إلى أوروبا"، لكنه حذر من أنه "لا توجد طاقة فائضة يمكننا توفيرها على الفور لأوروبا".

وأشارت المجلة الأمريكية إلى اتفاقات إنشاء خط أنابيب غاز عابر لمنطقة الصحراء بطول 4 آلاف كم تقريبًا يُعرف باسم "نيغال"، جرى توقيعها عام 2009، ومن المفترض أن يمر هذا الخط من شمالي نيجيريا إلى النيجر والجزائر ثم يعبر إلى أوروبا، لكن المشروع توقف وجرى إحياؤه العام الماضي فقط، بسبب خلاف بين الجزائر ونيجيريا.

وعن دور الجزائر في تلبية حاجات أوروبا من الطاقة، أوضحت "فورين بوليسي" أن الجزائر، التي توفر حاليًا نحو 11% تقريبًا من الغاز الأوروبي، في موقف أفضل لرفع صادراتها.

وذكرت أنه رغم إغلاق خط الأنابيب إلى إسبانيا، بسبب خلافات مع المغرب، فإن صادرات الغاز الجزائرية إلى إيطاليا قفزت 76% العام الماضي، لتصبح 21 مليار متر مكعب، كما أنها تمتلك القدرة على زيادة الصادرات 10 مليارات متر مكعب أخرى، مشيرة إلى أن إيطاليا أعربت -الشهر الماضي- عن نيتها زيادة الواردات من الجزائر.

كما أعلن الاتحاد الأوروبي -حسب المجلة- عن دعم مالي لخط أنابيب شرقي المتوسط، الذي سيربط المنطقة بحقول غاز في مصر، لكن المشروع واجه مشكلات جيوسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي انسحبت منه في يناير الماضي، متعللة بقرار ينص على عدم دعم المشروعات غير الخضراء.

أما عن التحديات التي قد تواجه تصدير الغاز الإفريقي إلى أوروبا، فبينّت "فورين بوليسي" أن بعض أكبر مواقع الإنتاج في إفريقيا، يقع في مناطق تواجه تحديات أمنية، مشيرة إلى أن موزمبيق تمتلك ثالث أكبر احتياطي غاز طبيعي في إفريقيا، لكن الصراع المسلح في محافظة كابو ديلغادو الشمالية، تسبب في تأجيل مشروعات غاز بـ 50 مليار دولار.

أما في ليبيا -حسب المجلة الأمريكية- فإن حقول الغاز والنفط المتصلة بخطوط أنابيب بإيطاليا، تواجه حصارًا، لأن الوضع في ليبيا -بصفة عامة- غير مستقر بسبب الاضطرابات السياسية التي تعانيها والنزاعات القبلية.

وكشفت المجلة أيضًا أن التمرد في دلتا النيجر أثر في مخرجات الغاز هناك، بينما تعتمد نيجيريا على واردات البترول المكرر لتلبية حاجاتها من الطاقة.

وأمام هذه التحديات، استبعدت "فورين بوليسي" أن يحل الغاز الإفريقي أزمة الغاز بأوروبا في وقت قريب، ونقلت عن محللين قولهم: فكرة أن الغاز الإفريقي يستطيع أن يحل محل الطاقة الروسية على الفور... خاطئة وتصور خاطئ.

واستشهدت المجلة، برفع حصة إنتاج نيجيريا في أوبك هذا الشهر إلى 1.73 مليون برميل في اليوم، بداية من أبريل المقبل، مشيرة إلى أنه مع ذلك، صارعت الحكومة النيجيرية كي تصل إلى مخرجات النفط المقررة، خصوصًا أن تركيزها المباشر كان على تلبية الحصة الحالية فقط.

ونقلت عن وزير الموارد البترولية النيجيري، تيمبيري سيلفا، قوله: "نمتلك في الوقت الحالي قدرة احتياطية تساوي 600 ألف برميل، لكنها تحتاج إلى الاستثمار".

وفي سياق مشابه، أشار الرئيس التنفيذي لشركة سوناطراك المملوكة للدولة الجزائرية، توفيق حكار، إلى أن الإنتاج سيركز على طلب السوق المحلية المتزايد وتلبية الالتزامات الحالية للعملاء.

وختمت "فورين بوليسي" تقريرها: "ومع ذلك ورغم كل هذه التحديات، فإنه على المدى الطويل، تخلق العقوبات المفروضة على روسيا فرصة للقادة الأفارقة للاستثمار السريع في البنية التحتية اللازمة، لتوريد كميات كبيرة من الغاز الإفريقي إلى الأسواق الأوروبية".

أقرأ ايضا وزير البترول: أسواق الطاقة الخضراء لا تزال ناشئة وتحتاج لتكنولوجيات متطورة