علا نافع
شهدت الأيام الماضية ارتفاعاً غير مسبوق فى أسعار الذهب، نتيجة ارتفاع سعر الأوقية عالميًا لأعلى مستوياتها؛ ولا تزال التوقعات تُشير إلى احتمالات ارتفاعه مُجددًا نتيجة الأحداث المتتالية للحرب الروسية الأوكراينة ومن قبلها انتشار المتحور الجديد لفيروس كورونا أوميكرون.
وعمومًا، فإن أسعار الذهب سواء محليًا أو عالميًا شهدت ارتفاعًا زاد عن 34% خلال عامى 2020 و2021، نتيجة لعوامل اقتصادية عديدة، أبرزها تراجع عائدات تجارة الفائدة مع خفض سعر الفائدة بعدة دول، والتراجع الاقتصادى الحاد الناجم عن جائحة كورونا، وهبوط الدولار الأمريكى لأدنى مستوياته فى عامين، إضافة إلى تسجيل أكبر انكماش اقتصادى أمريكى.. قبل أن يقفز إلى أعلى مستوياته منذ عدة سنوات بفعل الحرب الروسية الأوكرانية.
وفى مصر، لا يزال المعدن النفيس هو المُسيطر الأكبر على الاستثمار لدى الغالبية العظمى من المواطنين، الذين يرون فيه الأكثر أمانًا وتحقيقًا للمكاسب حتى ولو على المدى البعيد، فأسعاره وإن استقرت أو تراجعت لبعض الفترات فإنها تعاود الارتفاع بمعدلات أعلى خلال فترات وجيزة.
فى الملف التالى، تستعرض آخرساعة تطورات سوق الذهب فى مصر والعالم، والعلاقة بين أسعار النفط والدولار والذهب، وحكاية الغطاء العالمى للمعدن الأصفر، كما تناقش تجربة االدمغ بالليزرب التى تم إقرارها مؤخرًا فى مصر، وتستمع لآراء الخبراء والتجار والمواطنين حول الاستثمار فى المعدن النفيس، وتاريخ المصريين مع شراء الذهب، والتطور التكنولوجى الذى لحق بصناعته محليًا.
يُعانى سوق الذهب عالميًا من أزمة عدم استقرار فى الأسعار، تباينت مؤشراتها خلال الأسابيع الأخيرة مع تراجع فى الإقبال على الشراء، فلم يفق السوق من التأثير السلبى لظهور المتحور الجديد لكورونا اأوميكرونب، حتى جاءت الحرب الروسية الأوكرانية لتثير المخاوف تجاه تأثر الاقتصاد العالمى مُجددًا، وذهبت توقعات رجال الاقتصاد إلى احتمالات استمرار ارتفاع سعر الذهب مجددا، وتكوين صناديق عالمية لشرائه مع وصول التضخم لمستويات قياسية، كل هذه الأسباب اتحدت لتثير مخاوف المصريين سواء كبار المستثمرين أو حتى المواطنين العاديين من الذهب.
ورغم أنه وسيلة مضمونة للحفاظ على الثروات وقيمتها من تقلبات أسواق المال إلا أن الاستثمار فى الذهب على نطاق واسع قد يؤدى لحدوث مشكلات اقتصادية من شأنها أن تؤثر على الصناعات والمشروعات الصغيرة مما يزيد من معدلات البطالة وارتفاع الأسعار على الصعيد العام، ومنذ اليوم الأول لارتفاع سعر جرام الذهب حتى ظهرت الكثير من الشركات التى تروج لفكرة الادخار الآمن بشراء الذهب التى تبيعه سواء أكان جرامات أو سبائك ذهبية جنبا إلى جنب مع البنوك الحكومية التى تقوم ببيعها هى الأخرى ولكنها تعطى ميزة أنه فى حال شراء السبيكة يمكن الحصول على قرض بضمانها منعا لخسارة قيمة السبيكة واستثماره فى البدء بمشروع صغير أو كبير.
ظل الكثير من المواطنين بالقرى الصغيرة يرون أن أفضل استثمار لأموالهم هو الاستثمار العقارى الذى يعد المكسب الأفضل والآمن لهم ولكن بعد الارتفاع الجنونى لأسعار الذهب وركود السوق العقارى بسبب وقف تراخيص البناء وحملات الإزالة للعقارات المخالفة هرع أغلبهم لمحلات الذهب والصاغة يبيعون الذهب القديم ويشترون الذهب الجديد معتمدين على خبرتهم فى معرفة الوقت المناسب للبيع فى حال ارتفاع الأسعار ومتابعتهم للأخبار الاقتصادية بشكل مستمر لكن ذلك الأمر شهد تراجعاً مع اندلاع الحرب.
فى شارع الصاغة بمدينة الزقازيق بالشرقية تقف فاتن وزوجها محمود الذى جاء من سفره لإيطاليا التى يعمل بها منذ أكثر من عشر سنوات، يشاهدان سويًا الذهب المعروض فى واجهة أحد المحلات، ومنذ استقراره ببلدته حتى تناثرت أخبار ارتفاع سعر الذهب وركود سوق العقارات وانتابتــه الحـــيرة حـــول الطـــريقــة التى يستطيع بها استثمار أمواله التى جناها من سنوات الغربة، فالبعض نصحـــه بشــراء العمـلات الأجـنبيــة وتحديدا الدولار لقوة أمريكا الاقتصادية وأنها المتحكمة الأولى فى اقتصاد معظم دول العالم، أما البعض الآخر فاقترح عليه شراء شهادات الاستثمار البنكية لكونها ذات عائد سنوى ثابت وآمن ولكنه بعد تفكير متأن لم يجد إلا استثمار أمواله فى الذهب خاصة أنه خفيف الوزن ويسهل نقله من دولة لأخرى إضافة لكونه من السهل تجزئته عند بيعه مقارنة بالعقارات التى يصعب تجزئتها وبيع غرفة واحدة مثلا.
يقول محمود: ايرى الكثيرون أن الاستثمار العقارى وشراء العملات الأجنبية وشهادات الاستثمار البنكية هى أفضل استثمارات وذات عائد مالى كبير ولكـن بعـــد القفزات التى شهدها سوق الذهب وجدت أن الذهب هو الادخار المضمون رغم أنه من الممكن أن يتعرض للصعود والهبوط فى البورصة ولكن فى حال امتلاكك الخبرة الكافية لتقتنص الوقت الملائم للشراء عند هبوطه مع اختيار الأماكن الجيدة للشراء وكذلك معرفة متى تبيع حينما يكون هناك بوادر للهبوط، ورغم قوة العملات الأجنبية وتحديدا الدولار فإنه مجرد عملة يمكن أن تتعرض للتراجع وذلك مرتبط بالتقلبات السياسية والاقتصادية، أما شهادات الاستثمار فإنها تحرم صاحبها من تحقيق أعلى ربح فى حالة زيادة سعر الدولار فلا تحمى ملاكها من تراجع قيمة العملة إذا ماحدثت اضطرابات اقتصادية وهذا شجعنى على استثمار أموالى فى بيع الذهب القديم الذى تمتلكه زوجتى بشراء الذهب الجديد مؤكدا أنه لن يقبل على بيعه إلا بعد مرور عامين على الأقل كى ترتفع قيمتهب.
وعلى مقربة منه يقف جورج وهو أحد رجال الأعمال المرموقين بالشرقية يتفحص الحلى الذهبية الموجودة بمحل نسيم صديقه المقرب ليستقر رأيه على شراء سبيكة من الذهب ورغم قلة من يتخذون قرارا بشراء سبيكة إلا أنه رأى أنها أفضل استثمار مقارنة بالذهب المستخدم فى الزينة لوجود االمصنعيةب فعند الشراء يضاف إلى كل جرام مايسمى بالمصنعية وعند بيعه مرة أخرى لن يحصل على المصنعية كما أن الجرام يقل سعره إلى سعر الجرام القديم وليس الجديد مما سيعرضه للخسارة بحسب اعتقاده.
يقول جورج: يُعد شراء السبائك الذهبية هو الاستثمار الأضمن ويمكن بيعها لمحلات الذهب الكبيرة أو الشركات المضمونة التى تحمل تراخيص من الجهات المعينة كما تستطيع أن تتواصل معهم لشرائها فى وقت لاحق ولكن المهم ألا يكون قد مر وقت قصير على شرائها حتى ترتفع قيمتها الشرائية وهناك بعض البنوك التى تعطيك قرضا بضمان السبيكة وبالتالى لا تخسر السبيكة وتقوم بعمل مشروعك فى نفس الوقتب، مشيرًا الى أنه لابد من توخى الحذر عند الاستثمار فى الذهب فقد يحدث انخفاض أو هبوط فى الأسعار مما يعرضك لخسارة كبيرة.
ولم يختلف الحال فى سوق الصاغة بالموسكى، فالكثير من صغار المستثمرين والمواطنين رأوا أن شراء الذهب المستعمل وسيلة مضمونة للربح ولكن رغم ذلك فإن السوق لم يشهد رواجا مثله مثل محلات الصاغة بالريف والمدن الصغيرة، حيث يقول مينا تواضروس أحد التجار: ايعتبر شراء الذهب والاحتفاظ به لفترات طويلة ثم بيعه عند ارتفاع سعره من طرق الاستثمار المضمونة حيث يتم الاستفادة منها، إما بالاحتفاظ بها أو استخدامها كزينة حتى وقت بيعها وهناك من يلجأ لشراء الذهب المستعمل ويمكن بيعه بعد تلميعه مع إعادة تصنيعه وسهولة تخزينه فلايحتاج لتكلفة عالية وأغلب من يشترونه إما صغار تجار الذهب أو كبار المستثمرين ولكن عند إعادة تصنيعه فإنه يخسر الكثير من قيمته ووزنه، كما يزداد الإقبال على شراء العملات والجنيهات الذهبية فهى من أكثر الاستثمارات الربحية حيث تعتمد على العملات الذهبية النادرة ويعشقها هواة جمع العملات والقطع الفنية ودوما ما تباع بسعر أغلى من الذهب العادى أما سكان الريف والقرى فلا يهتمون بشراء العملات وإنما همهم الأوحد هو شراء الذهب الجديدب.
وينصح تواضروس عند البيع بضرورة معرفة وزن الذهب الذى يريد الشخص بيعه لدى أكثر من تاجر ولا يذهب إلا لمحلات الصاغة المعروفة تفاديا لعمليات الغش والنصب التى كثيرا ما تحدث فى الأوقات الحرجة.
الدكتور خالد الشافعى الخبير الاقتصادى، يرى أن هناك بعض العوامل التى أدت لارتفاع السعر عالميا أهمها غلاء أسعار النفط العالمية مع زيادة التضخم ووصوله لأعلى المستويات القياسية والأهم اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية وانتشار متحور كورونا الذى أثر على الاقتصاد العالمى بالسلب، مشيرا إلى أنه رغم ارتفاع سعر الذهب فإن هناك كسادا فى الأسواق المحلية فمعظم الأفراد ينتظرون انخفاض الأسعار كى يقبلوا على الشراء، أما من يستثمرون أموالهم فى الذهب فهم فئة قليلة لا تتخطى نسبة كبيرة.
نادى نجيب، رئيس شعبة الذهب بالغرفة التجارية، يقول: يرى الكثير من المستثمرين وذوى الأموال أن الاستثمار فى الذهب هو الملاذ الآمن فى حال حدوث عدم اتزان اقتصادى بالعالم وهذا ما يحدث حاليا مع ارتفاع معدلات التضخم ناهيك عن ارتفاع أسعار الشحن ونقص الحاويات وبالطبع تضافرت كل تلك الأسباب ليظهر مستثمرو الذهب وشركاته الذين يروجون لشرائه فى أوقات عدم الاستقرار خاصة بالدول الكبرى كأمريكا والصين مؤكدا ظهور الكثير من المنصات الإلكترونية لاستثمار الذهب.