الحرب في أوكرانيا تهدّد بانهيار اقتصاد سريلانكا

علم سريلانكا
علم سريلانكا

لم يتوقف تأثير غزو روسيا لأوكرانيا عند حدوث أزمة إنسانية وإثارة اضطرابات في الأسواق المالية العالمية، بل إنه يهدّد الآن بسحق اقتصاد حجمه 81 مليار دولار على بعد أكثر من 4 آلاف ميل في المحيط الهندي حسبما ذكر موقع قناة الشرق بلومبرج .

بعد تأثرها بارتفاع فاتورة واردات النفط وتراجع عائدات السياحة، تسارع سريلانكا لتجنب التخلف عن السداد، وسط تضاؤل حيازاتها من النقد الأجنبي. وفي ظل معدلات التضخم التي ناهزت بالفعل 15% -المعدل الأسوأ في آسيا- فإن الصراع يُصعِّب الأمور أكثر بالنسبة إلى الجزيرة الاستوائية الواقعة قبالة الطرف الجنوبي للهند. أصبح هناك نقص في الوقود وانقطاع يومي للتيار الكهربائي لمدة تصل إلى سبع ساعات، بينما يطول الانتظار في محطات الوقود التي ارتفعت الأسعار فيها بنسبة 50% تقريباً هذا الشهر.

اقرأ أيضاً: الأزمة الروسية الأوكرانية تُعجّل بتخلف سريلانكا عن سداد ديونها

تبذل سلطات البلاد كل ما في وسعها لاحتواء الأزمة، حيث رفعت أسعار الفائدة، وخفضت قيمة العملة المحلية، وفرضت قيوداً على الواردات غير الأساسية. لكن المعركة تزداد حدة، خصوصاً وسط احتياطيات النقد الأجنبي الضئيلة البالغة 2 مليار دولار، ومدفوعات الديون المستحقة هذا العام والتي تبلغ 7 مليارات دولار. من هذا المنطلق، تخلّت الحكومة هذا الأسبوع أخيراً عن إحجامها عن طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، فيما تعهد الرئيس غوتابايا راجاباكسا بالوفاء بالتزامات سريلانكا.

قال أنكور شوكلا، الخبير الاقتصادي لدى "بلومبرغ إيكونوميكس"، إن "طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي هو الطريقة الأكثر جدوى للخروج من الأزمة". وأشار الاقتصادي المقيم في مومباي إلى أن "الحرب بين روسيا وأوكرانيا تسببت في تفاقم وضع الميزانيات الخارجية الضعيفة بالفعل، ما زاد الفجوة بين المتطلبات المالية الخارجية ومصادر التمويل المتاحة".

جاءت أسوأ الصراعات في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، في وقت أسوأ بالنسبة إلى سريلانكا، التي ما زالت تتعافى من حرب عرقية وحشية دامت 30 عاماً وانتهت في عام 2009. منذ ذلك الحين، سعت الدولة الجنوب آسيوية إلى إنعاش نموها الاقتصادي، حيث أنفقت الملايين على البنية التحتية للسياحة، إلى أن تلقت خططها ضربة بفعل تفشي وباء "كوفيد-19". وتُظهر الأزمة أيضاً كيف يمكن للحرب الروسية أن تعرّض بعض الاقتصادات النامية الهشة للخطر، وتهدّد عقوداً من الجهود الرامية إلى انتشال الملايين من براثن الفقر.

اقتصادات هشة أخرى

قال شوكلا إن بنجلاديش وجزر المالديف ونيبال وباكستان، تأتي ضمن الدول الأخرى المعرضة للخطر في جنوب آسيا. ورغم أن الروابط التجارية والمالية المباشرة مع روسيا وأوكرانيا محدودة، إلا أن "صدمات الأسعار والإمدادات تُعدّ قوية"، بحسب مذكرة كتبها شوكلا في 9 مارس.

تُعدّ سريلانكا، ذات الكثافة السكانية البالغة 22 مليون نسمة تقريباً، مستورداً صافياً للسلع من الأدوية إلى الوقود. وفي ديسمبر، كانت المنتجات النفطية تمثل نحو 20% من الشحنات الوافدة، وقفزت تكلفتها بنسبة 88% عن العام السابق، علماً أن ارتفاع أسعار النفط هذا العام يزيد العبء الذي تتحمله البلاد.

كانت سريلانكا تسدّد ديوناً خارجية تراكمت عليها للمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد الذي تأثر بالحرب الأهلية الدامية بين الأغلبية السنهالية البوذية وأقلية التاميل التي يأتي معظمها من الهندوس، وهذا ما كان يستنزف احتياطياتها من العملات الأجنبية.

ضربة للسياحة

في الوقت ذاته، تُعدّ عائدات السياحة نقطة ألم أخرى بالنسبة إلى سريلانكا، إذ استحوذت روسيا وأوكرانيا وبولندا وبيلاروسيا على نحو 30% من السياح هذا العام، وهذا التدفق يواجه تهديدات بسبب الحرب. تشير البيانات الرسمية إلى أن سريلانكا سجّلت عائدات سياحية تبلغ 3.6 مليار دولار في عام 2019، قبل أن يُخفّض الوباء هذه القيمة إلى أقل من الخُمس بعد ذلك بعامين.

في نوفمبر، بلغت ديون الحكومة المركزية الخارجية 32 مليار دولار. كان التفاؤل بأن الحكومة ستتمكن قريباً من التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي سبباً في ارتفاع قيمة السندات الدولارية بالبلاد، حيث ارتفعت السندات الدولية المستحقة السداد في عام 2030 إلى 49 سنتاً على الدولار الواحد من مستوى قياسي منخفض بلغ 38.9 سنتاً في 9 مارس، بينما تراجعت احتمالات التخلف عن السداد لمدة عام إلى 18.2% من 31.3% في أواخر ديسمبر، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرج".

قالت مجموعة "سيتي غروب"، في مذكرة صدرت في فبراير، إن السندات الدولية في البلاد بحاجة إلى إعادة هيكلة بحلول يوليو، نظراً لأن سريلانكا لا تملك الموارد اللازمة لتسديد مبلغ المليار دولار المستحق في ذلك الشهر.

بالإضافة إلى زيادة تكاليف الاقتراض وخفض قيمة الروبية، حث محافظ البنك المركزي السريلانكي، أجيث نيفارد كابرال، أيضاً على فرض قيود على الواردات غير الأساسية لنحو 300 صنف، من الأجهزة الإلكترونية إلى أجهزة "أبل"، وزيادة أسعار الوقود وتعريفات الطاقة.

قال كابرال عبر الهاتف الأسبوع الماضي، إن "الحكومة تبدو وكأنها تتفاعل بشكل إيجابي، وهذا من شأنه أن يساعد في توجيه الاقتصاد نحو أوضاع أكثر هدوءاً في هذا الوقت الذي يشهد تحديات عالمية غير مسبوقة".

اندلاع الاحتجاجات

مع ذلك، يُعدّ الألم حقيقياً بالنسبة إلى عامة السريلانكيين. من هذا المنطلق، نظّمت الجماعات المدنية وقفاتٍ احتجاجيةً لتسليط الضوء على ارتفاع التكاليف، بينما نظّم حزب المعارضة الرئيسي مسيرة حاشدة في العاصمة كولومبو في 15 مارس للمطالبة باستقالة الرئيس راجاباكسا. لكن هذه الاحتجاجات لا تشكل تهديداً مباشراً لحكومته التي تستحوذ على أغلبية الثلثين تقريباً في البرلمان.

قال سوغاث شاميندا، البالغ من العمر 44 عاماً، إنه قضى حوالي 10 ساعات لإعادة تزويد عربته الريكشو الآلية بالوقود، بعد التوجه إلى العديد من محطات البنوين التي كانت فارغة. ثم قضى المزيد من الوقت بحثاً عن أسطوانة غاز الطهي، حيث كان السوق يواجه أيضاً نقصاً في المعروض. وتساءل شاميندا في كولومبو قائلاً: "لا أعرف ما الذي تفعله الحكومة وأوصلنا إلى هذا الوضع".