ثمن الحرب.. أزمة اللاجئين الأوكرانيين تطارد أوروبا

اللاجئين الأوكرانيين
اللاجئين الأوكرانيين

دينا جلال

تظل الحرب هى الكلمة الموجزة لكم هائل من الخسائر المادية والبشرية المدمرة، وحين تطرق الحرب أبواب الدول وتقتحم مُدنها يصعب توقع أحداثها ومحطات ذروتها أو نهايتها، فلا يعلم أحد ما إن كانت مشاهدها الانسانية هى الأسوأ أم سيعقبها مشاهد وأحداث اكثر سوءًا تحمل المزيد من القتلى والجرحى و تخلف وراءها مئات الآلاف من اللاجئين ممن تدمرت أوطانهم وهدمت مساكنهم، وتظل عواقب الحرب هى الإرث الذي يطارد أطرافها لسنوات والكابوس المسيطر على العالم بأكمله.


منحت الحروب دروسًا قاسية لدول عديدة على مدار العقود والسنوات الماضية، وتسيطر ارقام الخسائر على ميزانيات الدول وسياساتها وقراراتها المستقبلية لسنوات، وربما تجيب دروس الماضي المحملة بالخسائر على مخاوف العالم من تداعيات الحرب الروسية الاوكرانية الحالية وكذلك تجيب بعضها عن اسباب تخوف الغرب من اتخاذ قرار التدخل العسكري واللجوء الى الإدانات وفرض العقوبات الاقتصادية والدولية.


منذ اسابيع قليلة أصدر موقع «بيزنس انسايدر» الامريكي تقريرًا يشير إلى استمرار تأثير خسائر الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية على الإرهاب على مدار عشرين عامًا منذ احداث 11 سبتمبر وهى الحرب التي اعتقد البعض انه طالما أدارتها امريكا بعيدًا عن اراضيها فإن خسائرها ستقتصر على الدول الاخرى مثل العراق وأفغانستان وباكستان إلا أن الارقام مازالت تكشف حجم الخسائر التي أنهكت قوى وميزانية امريكا.


يطرح التقرير الصادر عن مشروع تكاليف الحرب بجامعة براون تساؤلا بعنوان، «ما الذي أنجزناه في 20 عامًا من الحروب، وبأي ثمن؟» ويشير إلى تسبب الحرب الأمريكية في افغانستان والعراق فى قتل ما يصل إلى 929 الف شخص بشكل مباشر، بينهم 400 الف مدني وليس عسكريا، كما تسببت في نزوح أو هرب ما لا يقل عن 37 مليون شخص، أما الخسائر المادية فتصل إلى اكثر من 8 تريليونات دولار، وأرجع التقرير أن الخسائر تعدت تريليوني دولار بمنطقة الحرب في أفغانستان وباكستان، وتريليوني دولار لمنطقة الحرب في العراق وسوريا، و 355 مليار دولار لمناطق الحرب الأخرى.


أغلى الحروب

تؤكد الخبيرة نيتا سي كروفورد المدير المشارك لمشروع تكاليف الحرب؛ أن خسائر الحرب الأمريكية السابقة تتجاوز الأرقام التي اعلنها البنتاجون لتؤثر على ميزانية الدولة بأكملها، كما ستظل امريكا تتكبد المزيد من التكاليف المادية لحروبها لعشرين عامًا أخرى منذ الآن بسبب المصاريف الخاصة برعاية المحاربين القدامى وكذلك تكاليف الميزانية الإجمالية والالتزامات المستقبلية لأى حروب تخوضها امريكا، وفي نهاية التقرير وضعت كروفورد وزملاؤها التوصيات الاخيرة وجاء فيها : «يجب أن نأخذ في الحسبان بشكل جاد العواقب الهائلة والمتنوعة للحروب الأمريكية العديدة، يجب أن نتوقف ونفكر في جميع الأرواح التي فقدناها».


نعود إلى القرن الماضي حين تلقت اوروبا نفس درس الحرب القاسي بسبب الحرب العالمية الثانية التي تعد الحرب الأغلى في تاريخ الإنسانية بالرغم من انتهائها عام 1945 إلا انها تظل عالقة فى اذهان اوروبا وامريكا والعالم بأكمله بسبب ضراوتها وخسائرها الهائلة حيث تسببت فى هلاك جزء كبير من أوروبا بشكل يستحيل فيه حصر الخسائر الإجمالية للحرب، وتشير التقارير إلى تكبد أمريكا وحدها نفقات تصل إلى ما يعادل 4 تريليون دولار، وهو 12 ضعف ما أنفقته أمريكا في الحرب العالمية الأولى، وتجاوز عدد ضحايا الحرب في العالم من العسكريين والمدنيين 62 مليون نسمة أي ما يعادل 2% من سكان العالم في ذلك الوقت ونصفهم من المدنيين، بالإضافة إلى عشرات الملايين من ضحايا الإصابات والتشويه، ويعد الاتحاد السوفيتي وألمانيا وبولندا من اكثر الدول تضررًا من آثار تلك الحرب.


أزمة اللاجئين

ننتقل إلى واقعنا الحالي ونقترب من الأزمة الروسية الاوكرانية التي تحتدم بالاتهامات المتبادلة بين طرفيها حول مدى الخسائرالبشرية والمادية التي لحقت بهما حيث أشارت القوات المسلحة الأوكرانية منذ الايام الاولى إلى خسائر القوات الروسية من معدات وعناصر بشرية، وأقر الجيش الروسي بتكبده خسائر بشرية دون الكشف عن ارقامها وتفاصيلها إلا أن البيانات الروسية تؤكد تدمير المئات من منشآت البنية التحتية العسكرية الاوكرانية والسيطرة على العديد من المناطق الحيوية.


تجلت خسائر الحرب في ايامها الاولى عبر قصص ومشاهد هروب الأوكرانيين من أراضيهم حيث يشير مفوض الأمم المتحدة السامي لشئون اللاجئين فيليبو جراندي إلى «مليون والفى» لاجئ أو نازح اوكراني على الاقل في الاسبوع الاول من الحرب، غادروا البلاد إلى المدن المجاورة في الغرب مثل بولندا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر ومولدوفا، وتشير تقديرات الامم المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وصول اعداد النازحين إلى أربعة ملايين شخص مع استمرار الحرب.  


قطارات النجاة

تبرز الصحف العالمية مشاهد انسانية متنوعة من المعارك الانسانية التي تدور في اوكرانيا من أجل نجاة المواطنين ممن يتزاحمون بالآلاف على ارصفة محطات القطارات المكتظة بالهاربين من مدينة كييف وغيرها، وتصحب تلك المشاهد انطلاق صفارات الإنذار للتحذير من الغارات الجوية.

امتدت طوابير الاوكرانيين على أرصفة القطارات لأكثر من 15 كيلومترا وتصل فترة وصول القطارات إلى 60 ساعة من اجل عبورالنقاط الحدودية إلى بولندا في طقس شديد البرودة يصل إلى التجمد، وتصل فترة الوصول إلى رومانيا إلى 20 ساعة وبالطبع يفشل الآلاف في اللحاق بالقطارات المكتظة بالنازحين وخاصة محطة العاصمة كييف التي يسعى سكانها للنجاة من ويلات الحرب بعد تعرض عدد من المناطق لقصف جوي روسي تسبب فى انفجارات هائلة.

استقبلت بولندا نصف مليون لاجئ اوكراني في الايام الاولى للحرب، وتوفر للنازحين قطارًا طبيًا لنقل الجرحي وإرسالهم إلى اكثر من ألف مستشفى على الاراضي البولندية التي يستقر بها أكثر من مليون نازح أوكراني في السنوات الأخيرة منذ عام 2014 بسبب ازمة شبه جزيرة القرم، ومنحت السلطات البولندية امكانية دخول النازحين دون الحاجة إلى تقديم وثائق ودون فرض قيود زمنية على المدة التي يمكن أن يقضيها اللاجئون في مراكز الاستقبال ليتمكنوا من البقاء بها، وبالرغم من الترحيب البولندى بالنازحين الاوكرانيين إلا أن الحدود بين البلدين تظل مكتظة بآلاف النازحين.


مسئولية أوروبية

امام تلك الموجة الهائلة من اللاجئين طلبت بولندا وسلوفاكيا من الاتحاد الأوروبي المساعدة في التعامل مع تدفق اللاجئين وهو ما دفع اليونان وألمانيا إلى إرسال الخيام والاغطية والأقنعة إلى سلوفاكيا كما ارسلت فرنسا أدوية ومعدات طبية إلى بولندا.

في الوقت الذي قبلت فيه فرنسا دخول الأوكرانيين بدون تأشيرة على اراضيها، تواجه المملكة المتحدة البريطانية انتقادات كبيرة بسبب رفض فتح حدودها بالكامل امام اللاجئين بعد شكاوى الأوكرانيين من صعوبة الانضمام إلى عائلاتهم واقاربهم فى بريطانيا حيث تصر السلطات الانجليزية على أن الأشخاص الفارين من الحرب بحاجة إلى تأشيرة قبل دخول البلاد ودفعت تلك الانتقادات بريطانيا للاستجابة الحثيثة بإعلان امكانية استقبال 200 ألف لاجئ أوكراني فقط بعد رفض دخول الأوكرانيين إلا إذا كان لديهم أقارب بريطانيين وحثتهم للتقدم والحصول على تأشيرة هجرة عائلية مجانية بسبب صلة القرابة، واصرت وزيرة الداخلية بريتي باتيل أن بريطانيا لن تتنازل عن إجراءات التدقيق الخاصة باللاجئين لضمان أمن البريطانيين. 


وفي ألمانيا كشفت الحكومة الفيدرالية تسجيل دخول ما يصل إلى خمسة آلاف اوكراني رسميًا إلى أراضيها قادمين من أوكرانيا في الايام الاولى منذ بدء الحرب واشارت إلى أن العدد على ارض الواقع اكبر كثيرا حيث لا توجد ضوابط مشددة على الحدود وتجري عمليات التفتيش بطرق عشوائية، ويدرس الاتحاد الأوروبي منح اللاجئين الأوكرانيين حقا شاملا في البقاء والعمل لمدة تصل إلى ثلاث سنوات بالإضافة إلى الحصول على الرعاية الاجتماعية والسكن والعلاج الطبي والتعليم للأطفال.