فى معرضه الجديد l وجيه يسى يواصل صناعة الدهشة من خلال لوحاته

معرض وجيه يسى
معرض وجيه يسى

رشيد غمرى

أهم ما يميز أسلوب الفنان هو جرأة ضربات فرشاته المشبعة باللون، أو سحجات سكينه التى تعرف من أين تبدأ، ولا تبالى بأين تتوقف، متعمدة تجاوز الحدود، لتمنح الأشكال حرية الإفصاح عن مكنوناتها. وهو لا يفعل ذلك بعنف، أو انفعال زائد، فاللون يعرف بالخبرة كيف يدخل فى علاقات محسوبة رغم تدفقه، وهو محكوم بإيقاع دقيق، بحيث تتراوح اللوحات بين القلق والتساؤل وأحيانا الصخب، وبين الهدوء والانسجام، إلى حد الهمس. ولا يسعى الفنان لطرح رسائل أدبية عبر لوحاته، بل يكتفى بممارسة لعبة محاكاة العالم على طريقته الخاصة، وتوليد الجمال عبر التقنية، وقدرة الألوان، على أن تموه العالم بقدر ما تحاكيه. 


وكما فى معارضه السابقة، يقدم هنا أيضا «البورتريه»، وصور العازفين، وراقصات الباليه، وأيضا لقطات للطبيعة. وهو يمسك بها جميعا من خلال انفعال سريع، يسيطر على العناصر الأساسية للأشكال، وهى عملية غير محايدة، وتعتمد على تدفق اللحظة الشعورية، حيث يبدو المنظر أحيانا، وكأنه قد تم تحليله، بالتأكيد على انعزال ضربات الفرشاة عن بعضها، ومرة بجعلها متداخلة، ودائما بتمويه الشكل، بدرجة أو بأخرى، بحيث يكون على المتلقى استخلاصه، وتجميعه من تحت ركام الضربات، وشظايا اللون. والحطام فى لوحات وجيه يسى ليس أنقاضا مصمتة، ولكن شظايا بللور مضيء، كل قطعة منها تعرف مكانها فى اللعبة. ورغم أنه استقر تقريبا على تقنياته منذ عدة معارض، إلا أنه يظل قادرا على إدهاشنا بجديد تجاربه. 


ما بين الشخوص والأماكن، تتنوع لوحات المعرض. والوجوه الشرقية مازالت قادرة على إلهام الفنان المهاجر. أما الأماكن، فتتنوع بين بيوت على حافة نهر، وشراع عابر، وبين ما يبدو كأنقاض خلفتها حرب ما، أو بحيرات بخلفية جبلية، أو فنار يضيء بالليل. وهكذا يتنوع الضوء فى الأعمال ما بين نهار ساطع مع سماء متوسطية زرقاء، مزركشة بسحب بيضاء، أو ليل تبدد الأضواء ظلمته بجرأة، أو تلمس الوجوه الساهرة فيه على استحياء. ويبدو الفنان موزعا بين عالم واقعي، يسعى لاحتوائه بضربات فرشاته السريعة، أو سكينه الحاسم، ملخصا الضوء والظل، والشكل والخط فى بقع ألوانه العفوية المدربة، وبين عالم نفسي، يتجلى عبر الوجوه، وما ينعكس عليها من أضواء الخارج، أو ينشع من دهاليزها النفسية، ليكشف عالمها الداخلي، دون مبالغات ميلودرامية.  


ويبدو أن الفنان ينظر جيدا إلى موضوعه، ثم يلتقطه من لحظته، ويسمح لانفعاله الشخصى أن يخلخل عناصره، دون إفلات لبه، فتبدو الأشكال وكأنها تتشظى بتثاقل، أو تتفجر ذاتيا تحت ثقل هلامي، وأحيانا كأننا نراها من خلف زجاج تحت المطر. وهكذا تفقد الأشكال صرامة حدودها الخارجية، دون أن تفقد تماسكها الداخلي، حيث بالإمكان دائما، وحتى فى أكثر اللوحات تشظيا، أن نلمح العالم فى لحظات ما قبل زواله، وربما على العكس تماما، إذ يمكن أن تكون قد التقطت مباشرة قبل التئام شظاياها، وكأننا فى لحظات الخلق الأولى.