هجمات إلكترونية متبادلة سبقت الغزو العسكرى

الصـراع بين روسـيا والغرب يدخـل العالم عصر الحـــروب السيبرانية

الحـــروب السيبرانية
الحـــروب السيبرانية

أحمد جمال
برهنت الحرب الروسية على أوكرانيا على أن الآلة العسكرية لن تستطيع بمفردها أن تحسم المعارك على الأرض، وأن الأمر بحاجة إلى أدوات مساعدة عديدة تمهد الطريق أمام الجيوش النظامية، وهو ما يمكن ترجمته من خلال الهجمات الإلكترونية التى شنتها روسيا على مواقع حكومية وعسكرية أوكرانية قبل ساعات من بدء الغزو البرى فى الرابع والعشرين من فبراير الماضي.


ويشير مصطلح "الحرب السيبرانية" فى العمليات العسكرية الأخيرة على أن موسكو بنت خطتها الرئيسية للغزو على مجموعة من المحاور جاءت فى مقدمتها الهجمات الإلكترونية مستفيدة من تطورات التكنولوجيا الحديثة، إلى جانب حروب الجيل الخامس والمعلومات المضللة التى تستخدمها الأطراف مختلفة فى محاولة لخلق رأى عام يدعم توجهات الأطراف المتنازعة فى الصراع القائم.
 

يمكن القول بأن العالم يعيش الآن تجربة عملية للحرب السيبرانية مصحوبة بأدوات الحروب التقليدية، وإذا كانت العديد من دول العالم تعرضت لهجمات إلكترونية خلال الأعوام الماضية، فإن ما يحدث الآن يعد توظيفا مباشراً لتكنولوجيا المعلومات لتكون فى صدارة المشهد، وفى حال حققت روسيا نتائج إيجابية وراء معركتها التى لا يعلم أحد كيف ومتى من الممكن أن تنتهى فإن الارتكان على الهجمات الإلكترونية سيكون سائداً فى طبيعة الصراعات المستقبلية.


تعــــد الحـــــروب الإلكـــترونية مــــن أخطر الحروب التى يمر بها العالم الحديث، وأكثرها دماراً، ويمكن تعريفها وفقًا لما يحدث الآن من تطورات على أنها "هجمات إلكترونية بقيادة عسكرية تقوم باختراق الأنظمة الإلكترونية العالمية وكل ما يعتمد عــلى التكنــولوجيـــا، لتضــــر بالحـــواســـيب والأجهــــزة التــى تســــتخدم شــبكة الإنتــرنت العالمية والتى قد تفضى إلى نتائج كارثية، مثل ســـرقــة بيـــانات خاصة، وغيرها من الكوارث التى قد تكون عالمية مثل الحروب النووية وغيرها".


وقبـــل يـــوم مـــن بـــدء الغـــزو الروســـي، أكدت السلطات الأوكرانية تعرض المواقع الإلكترونية الخاصة بالحكومة والبرلمان والمصارف الكبيرة فى البلاد لهجوم سيبرانى واسع النطاق، وبحسب وزير التحول الرقمى الأوكراني، ميخائيلو فيدروف، فإن "الخدمات الإلكترونية الخاصة بالعديد من المؤسسات الإلكترونية بما فى ذلك وزارات الصحة وقدامى المحاربين والخارجية تعطلت، وأن العديد من البنوك تأثرت بهذا الهجوم".


وأوضح أن الهجوم يعرف باسم "دى دى أو إس"، أو الحرمان المتوزع من الخدمات، إلى إغراق المواقع الإلكترونية بحركة زائفة مكثفة ومنعها من التواصل بالطريقة المعتادة، مشيراً إلى أن بلاده شهدت خلال الأسبوع الذى سبق اندلاع الحرب تحذيرات إلكترونية من أن قراصنة يستعدون لشن هجمات كبيرة على الهيئات الحكومية والمصارف والقطاع العسكري، وبحسب وسائل إعلام دولية فإن خدمات الإنترنت انقطعت من عدة مواقع شبكية تابعة لدوائر حكومية أوكرانية، وذلك بفعل هجمات إلكترونية من فئة الهجمات المتخصصة فى الحرمان من خدمات الإنترنت.


قال كيث إلكسندر، الرئيس السابق لوكالة الأمن القومى الأمريكية فى مقال بصحيفة "فايننشال تايمز" الأمريكية، إن "الحرب السيبرانية ضد كييف تهديد للنظام العالمي، ويظل الأمن السيبرانى هو الجزء المكشوف للديمقراطيات"، مشيراً إلى أن العالم "يشاهد حاليا ما يمكن أن يكون أول حرب إلكترونية واسعة النطاق، وفى المقابل حذر مركز التنسيق الوطنى الروسى لحوادث الكمبيوتر (NCCC) من خطر زيادة هجمات القراصنة على موارد المعلومات الروسية، بما فيها البنية التحتية للمعلومات الحيوية، وجاء فى بيان المركز: "يمكن أن تهدف الهجمات إلى تعطيل عمل موارد وخدمات المعلومات الهامة لأغراض سياسية، ونشر مواد مضللة فى الفضاء المعلوماتى الروسى لتشكيل صورة سلبية عن روسيا فى نظر المجتمع الدولي" مضيفًا، "ترى لجنة تنسيق مكافحة الإرهاب أن أى فشل فى تشغيل مرافق CII لسبب مجهول، يجب اعتباره أولا وقبل كل شيء نتيجة لهجوم سيبراني، وإبلاغ لجنة تنسيق المنظمات غير الحكومية باتخاذ التدابير المضادة فى الوقت المناسب".


وتعرض موقع وكالة أنباء "ريا نوفوستى" الروسية الرسمية، لهجوم سيبرانى، وأعلنت مجموعة القراصنة الإلكترونيين أنونيموس الحرب الإلكترونية على روسيا، وأكدت مسئوليتها عن الهجوم الذى استهدف المواقع الإلكترونية لشبكة قنوات RT التلفزيونية الروسية، وذلك بعد ساعات من بدء الغزو الروسي، وهناك أنواع مختلفة من الهجمات السيبرانية، إذ ينتشر حالياً مفهوم "هجوم طلب الفدية"، وهو يقوم بتشفير البيانات بصيغة غير مفهومة والمفتاح لفك هذه البيانات الحساسة فقط موجود بأيدى الشخص الذى شن هذا الهجوم، وهناك أيضًا هجوم "حجب الخدمة" الذى يقوم بإيقاف الخدمات بشكل تام، بحيث تتوقف عن استخدام البرامج الخدمية التى اعتادت استخدامها من شركات طيران وغيرها، مثلما حدث بين روسيا وأوكرانيا.


يتفق خبراء أمن المعلومات على أن الهجمات الإلكترونية لا يتم التعرف على الكثير من خباياها ومدى تأثيراتها، لأن الطرف الذى يقوم بالهجوم فى حال قامت به قوة نظامية أو دولة فإنها لا تعلن على ذلك، وكذلك فإن الدولة التى تعرضت لأضرار جراء الهجمات والضربات التى أصابتها لا تفصح أيضًا عما إذا كانت قد تعرضت بالفعل لخسائر، لأنها فى تلك الحالة تكشف عن هشاشة نظام التأمين الدفاعى الإلكترونى لديها.


وقال المهندس أحمد صبرى خبير أمن المعلومات والاتصالات، أن الحرب الإلكترونية يعد سلاحا تمتلكه كل جيوش العالم تقريبًا، غير أنه شهد تطوراً على مستوى الاستخدام، إذ كان فى الماضى يركز على إسقاط أنظمة الدفاع الجوى ويقوم على الأجهزة الرادارية، لكن مع تطور تكنولوجيا المعلومات أضحى الوضع مختلفًا، ويمكن القياس ما يحدث فى الحرب الحالية على طبيعة التطورات التكنولوجية واستخداماتها فى الحروب العالمية.


وأضاف أن الدول التى لديها حكومات ذكية وتربط الخدمات التى تقدمها بالإنترنت هى الأكثر تعرضاً لضربات تستهدف بنيتها التحتية، وقد تطال مثلاً محطات المياه أو الكهرباء أو الوقود  أو فى حال جرى اختراق إدارات المفاعلات النووية التى تكون إلكترونية وتؤدى إلى تعطلها وفى بعض الأحيان تقود لتخريبها، الأمر الذى قد يسبب كوارث أكبر كثيراً مما تسببه الأسلحة العسكرية التقليدية من خسائر.


وأكد أن أى عمل تقوم به دولة من خلال أجهزتها الإلكترونية تجاه دولة أخرى فهى تمثل حربا سيبرانية، وفى حال قام أفراد أو مجموعة هاكرز بالجريمة فإن ذلك يتم تسميته بالإرهاب الإلكتروني، مشيراً إلى تطورات أدوات الأمن السيبرانى التى تقوم بعملية حماية الأنظمة والشبكات والبرامج ضدد الهجمات الرقمية، والأمر يحتاج إلى خبراء متمكنين، وبحسب وكالة رويترز للأنباء، فإن الحكومة فى كييف تبحث عن متطوعين قادرين على صد هجمات القراصنة الروس والتحضير لهجماتهم الخاصة على البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات الروسية المهمة.


وأشار اللواء أشرف أمين، الخبير الأمني، إلى أن الفضاء الإلكترونى مازال مسرحاً ثانوياً فى الحرب الروسية على أوكرانيا، لكن فى المقابل فإن طول أمد الحرب يقود لمزيد من استخدام الهجمات الإلكترونية التى من الممكن أن تساهم فى المعارك التى يصعب حسمها عبر المعدات العسكرية التقليدية.
وتوقع أن يكون هناك تدخلات فاعلة من جانب الدول التى لديها تقنيات ومواهب متقدمة فى مجال الحروب الإلكترونية حال اتسعت رقعة الصراع وشملت دولا أخرى، كما أن روسيا التى بدأت بالهجمات الإلكترونية قد تجد نفسها أمام خسائر فادحة بفعل القدرات التكنولوجية القوية التى تمتلكها دول القارة الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، وقد تفوق تداعياتها ما كانت تضعه فى حسبانها عند بدء الحرب.


وأوضح أن روسيا تعول على دعم صينى تكنولوجى تحصن شبكاتها من الاختراق، لكن ذلك لا ينفى أن دول حلف الناتو تجيد استخدام ما يمكن وصفه بـ"الحروب غير التقليدية" من أجل شل حركة روسيا على الأرض، وقد يكون هناك مزيد من التجارب على أنواع الحروب الإلكترونية من خلال هذه الحرب التى سترجح كفة دول على حساب أخرى.
وشدد اللواء محمد صادق، وكيل جهاز أمن الدولة الأسبق، أن الحرب الحالية والتى يعد أطرافها الحقيقيون هم روسيا والغرب يمكن وصفها بأنها "حرب القوى الناعمة"، أى استخدام كافة الأدوات غير المرتبطة بالأعمال العسكرية المباشرة لتحقيق نتائج إيجابية على الأرض، وأن الدول الغربية تجيد استخدام هذا النوع من الحروب عبر الآلة الإعلامية التى تمتلكها الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية وتعمل على نشر أكبر قدر من المعلومات المضللة للتضييق على روسيا.


وأكد أن هذا الأنواع من الحروب يعد هجيناً بين الحرب السيبرانية والحرب المعلوماتية وتكون تأثيراتها أقوى من الأسلحة التقليدية لأنها قد تقود إلى ثورة غضب روسية فى الداخل ضد النظام القائم وبالتالى فإنها تشل حركته على المستوى الخارجي، وفى تلك الحالة فإن الهجمات السيبرانية تصبح جزءا من الحرب النفسية الحديثة، لأن الأمر يتعلق بزعزعة ثقة السكان لتحطيم قدرتهم على المقاومة.