ممدوح الصغير يكتب.. 3 أيام فى بلاد الصالحين

ممدوح الصغير
ممدوح الصغير

 72ساعة قضيتها فى بلاد الصالحين، زيارةسريعة لمسقط رأسى المطاعنة، قرى جمعتها صلات القرابة والنسب منذ  عدَّة قرون، كانت فى القرون الماضية أرضًا محبَّبةً، يتسابق إليها أولياء الله وأهل الخطوة، زُهاد الدنيا الذين بحثوا عن خلوةٍ ووجدوها فى بلادٍ جوها يساعدهم على حياة العُزلة عن الناس والتفرُّغ لعبادة الرحمن، وتعامل معهم سكان  البلاد بالود والمحبَّة.
مع ظهور كرامات  للبعض منهم، كانت الحفاوة من أهالى البلاد لكل صاحب خطوة، الذين كانوا جميعهم سببًا فى أن تحل البركة علي  قرى المطاعنة، وكانت بشائر البركة ومحبّة أهل الخطوة أن أكبر عدد من الأئمة فى محافظة الأقصر من  قري ونجوع المطاعنة.
لا تزال القرى تُحافظ على بيوتها القديمة التى يرجع بعضها   لأكثر من مائة عامٍ، البيوت القديمة سكن الحب والمودَّة والكرم،
على حواف القرى والأراضى الزراعية    شُيّدت العمارات الحديثة، ولكن الكل يحن لبيوت الحب والكرم، تبدَّلت المبانى، ولكن لا يزال الأحفاد يتمسَّكون بالعادات والتقاليد المورثة عن أجداهم، فرغم رحيلهم لا تزال سيرتهم عطرةً تُروى لمن لم يُعاصرهم.
ثروة أهلها الحقيقية التمسُّك بالعادات والتقاليد، لا فرق بين فقير وثرى، ساكن القرية الفقيرة تجده كريمًا عفيفًا، يرفض البوح بالعوز الذى يعيشه، أما الثرى فمتواضعٌ بسيط ناكرٌ شأنه بأنه صاحب مال، تجده كريمًا مع الجميع واصلًا لصلة دمه.
  تتزيَّن قرى المطاعنة  بأضرحة أولياء، كل واحد منهم صاحب  كرامة، رغم رحيله   لا تزال حكاياته تُروى ويترحَّم عليه الناس، وبعضهم بسبب كثرة  كراماته له مولدٌ سنوي، ليلته الختامية يكثر بها    المديح وقراءة القرآن.
فى قرية أصفون، سكان أضرحتها الشيخ أبوعوف، مغربى الأصل، مصلحٌ بين الناس، ساعٍ للتعمير، عند موته  أوصى أن يُجاور الشيخ الحسانى، ضريحه صار أهم معالم القرية.
وسط مقابرها ضريح الأمير غانم، صاحب المولد السنوى، كلما حلَّ  شهر شعبان، يتوافد عليه محبو الصوفية بالأقصر وأسوان، حسب ما يُحكى، فهو كان   واحدًا من شهداء الحروب، والبعض يُردّد اسمه غانم، وبسبب استشهاد لقب الأمير،
 ولم تكن أصفون فقط  العامرة بأهل الخطوة، بل كانت طفنيس أيضًا عامر ة بأهل بها، ولذا، أطلقت على دواوين المضايف الكبرى أن أهل الخطوة.
 أسهم سكن أهل الخطوة فى بلاد المطاعنة، بأن يهتم  أهلها بالعلم، مع وفرة  المواصلات منذ القرن الماضى كانت هى الأكثر تعليمًا فى محافظات الصعيد، يُطلق سكان قرى أسوان عليهم سوربون  الصعيد، لكثرة حاملى الشهادات العليا وحَملة الدكتوراه.
لم أخرج كثيرًا من دارنا، كنت عاشقًا لحياة الوحدة بمفردى فى دارٍ كانت منذ عدة سنوات عامرة بأهلها، فرغت  برحيل من يسكنها ويجمع أفرادها، كل  مكان تفوح منه رائحة من سكنها، أحببت النوم فى سرير والدى.. لا أعرف لمَ تمسَّكت بالبقاء بالدار وحيدًا،  مُقلّدًا حياة الزُهاد.