فنجان قهوة

حَلَّت البَركة 

يسري الفخراني
يسري الفخراني

بقلم: يسري الفخراني

تَعجن أمى بيديها عجين خُبز وتهمس همساً جميلاً "يا بركة الله اجعل القليل كثير"، تَخبز ويفيض، تناجى الله بالبركة وهى تفتح شبابيك البيت فى الصباح لتسكن الشمس الحوائط والزوايا والغُرف ويتمشى الهواء سارحاً بحرية يُجدد النّفس، تدعو لنا الله بالبركة فى مواعيدنا إلى المدرسة وحين نعود وحين نأكل وحين نرتدى ملابس جديدة وحين نضحك وحين ننام، فى كل وقت كانت تطلب البركة من الله وتتوسل إليه رزقها، وتحدث أشياء لم يتوقعها أحد إلا هى، هى قادرة فى كل وقت أن تطلب النجاة من الله ببركة الله، وتُزهر ضحكتها حين يستجيب وهو دائماً يستجيب.

كبرت وَعَرفت أن البركة فى الرزق أهم من سِعته، البركة التى تجعل القليل كثيرا ويكفى ويفيض، ولا تسأل عن السر فهو مَدد من الله، عَرفت لماذا كانت دعوة أمى المفضلة أن يَطرح الله فى بيتنا البركة.

حين تكتسب البيوت البركة فهى تكتفى بالهنا والسعادة والرضا، يُصبح الوقت وَقتين والفرح فرحَين والشَبع من أبسط الأشياء والرضا من أقل المُتاح، يُصبح الصبر جميلا والضحك من أهون سبب والانبساط تخلقه البساطة.
البركة تُيسر الصعب، تجعل العَتبات مبهجة، تنير القلب ولا تشغله بالدنيا، تسكن بيوت المبتهلين لله بالبركة فتجعلها بيوت سكن، النوم فيها مريحا، والسهر فيها صلاة لله لامتداد نِعَمه، اللقمة هَنية والغموس شَهيا والكلام راحة.

ليذهب كل ما هو خارج أربع حيطان إلى الجحيم، لا شىء يساوى تلك المسافات القصيرة بين أصحاب البيت، وتساوى لمة الأحباب وزنها ذهبا وأكثر، ويُصبح براد الشاى بالنعناع ثروة لا يقدرها اللاهون عن أسباب البركة.
خبيز البيت بركة وطبيخه بركة وقصارى الورد فى الشباك بركة، النَفس بركة، وصحن الفول بركة، ورائحة البخور المندفعة من مبخرة النحاس فى عِلو بركة.

تلمس البركات بالدعاء أن يملأ الله دنيتنا بركة، البركة تحل بالدعاء من القلب، لا شعور براحة إلا بحلول البركة فى المكان والزمان، البركة أرقى أنواع الرزق، بها نرتوى إذا حَلّت ومنها نعيش إذا هبطت مثل ندى فجر على أيامنا.
حَلّت البركة، عبارة كنا نقولها من القلب لضيف عزيز جاء لزيارتنا، ومبروك نقتبسها من البركة لتهنئة أيضاً من القلب لعزيز على فرح، كم جميلا أن ننطق بالبركة فى كل حال، لعل الله يستجيب فنصبح كما نأمل تُضاعف البركة أسباب سعادتنا وسترنا وأوقاتنا الحلوة.