عبدالنبي النديم يكتب: «سعار الأسعار.. وجشع التجار»

عبدالنبي النديم
عبدالنبي النديم

موجة من ارتفاع الأسعار أصابت العالم عقب الحرب التى شنتها روسيا على أوكرانيا، حيث تضاعفت أسعار كافة السلع والمنتجات فى مختلف بلاد العالم، التى أنعسكت على المواطنين فى مختلف الدول ، يعانون من هذا الغلو المبالغ فيه فى مختلف المجالات.

وفى مصر ليس الحال ببعيد عن العالم، فحالة من الذهول أصابت المواطن المصري وهو يتابع حالة السعار التى أصابت الأسعار فى مختلف السلع والمنتجات، فغلاء الأسعار في مصر أصبح غول يلتهم دخل المواطن، وتزداد يوما تلو الآخر، والأسواق أصبحت ساحة للمناوشات بين المواطن والتجار، فقيمة المنتج تضاعفت خلال أيام قليلة، فيخرج المواطن من السوق كما دخل إليه، وما تغير عليهم هو السخط على التجار واستغلالهم الموقف لتحقيق أرباح خيالية، يتساءل عن أسباب تلك الزيادة هل فعلا نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، أم إقتراب شهر رمضان، أم إنتشار جائحة كورونا، أم أن جشع بعض التجار لتحقيق أرباح من إستغلال الظروف التى يمر بها العالم.

ويبدو أن بعض هؤلاء التجار هم «أغنياء الحرب» فعلى الرغم من أن الحرب تدور رحاها بين روسيا وأوكرانيا فقط، إلا أن أغنياء الحرب هؤلاء فتحوا لها فرعا فى الأسواق المصرية، فعقب اندلاع الحرب على أوكرانيا، صاحبها ارتفاع حاد فى أسعار مختلف السلع والخدمات، الاستراتيجية منها والترفيهية، الأساسية منها والهامشية، فقد إستغل بعض التجار حالة القلق والتوتر التى يعيشها العالم، وبدأو في جني ثمار استغلال الموقف، وإتخاذ ارتفاع الأسعار ذريعة لتحقيق مكاسب غير عادية من جيب المواطن، فأسعار اللحوم والدواجن والبيض، والخضروات والفواكهة والبقوليات، حتى المستلزمات اليومية للمنزل المصري فاقت الحدود وتجاوزت المعقول حتى صرخ منها المواطن.

فـ«أغنياء الحرب» من هولاء التجار الذين أصابوا الأسعار بالسعار، والمتاجرون بأقوات الناس لا يقلون فسادًا وشرًا وخطرًا، فبجشعهم يصدرون الغضب والسخط لدى المواطن، ويزيدون من وطئة المعيشة والمعاناة على أكتافهم، حتى أصبح المواطن نهبا لكل التجار، يزيدوا فى الأسعار كما يشاءون، طمعا فى المال الوفير حتى ولو كان على حساب المواطن الفقير دون رقيب أو عقاب.

وسلسلة أغنياء الحرب لم تتوقف عند تجار التجزئة الذين يتعاملون مباشرة مع المواطن، ولكن يسبقه تجار الجملة وجملة الجملة، حتى تصل إلى المنبع في المصنع أو المزرعة، فكل فريق منهم يناله من جيب المواطن المصري نصيب، ولك أن تتخيل الزيادة فى كل مرحلة من مراحل الانتاج والتوزيع التي لا تقل الزيادة عن 10 % لتصل السلعة للمواطن بضعف سعرها، فهو من يدفع الفاتورة فى النهاية مهما كانت تكلفتها.

والغريب فى الأمر أن الزيادة مرتبطة بقرب قدوم شهر رمضان المبارك، ودعمها جائحة كورونا والحرب الروسية على أوكرانيا، فتجمعت الأسباب والمبررات لكى يظهر مستغلى الظروف لحققوا أرباحا كبيرة من التجارة بأقوات الناس، فكلما هل شهر رمضان كل الأسعار تولع نار، على عكس المفروض أن يتم، فنحن مقبلون على موسم، يجب أن يكون هناك تخفيض فى سعر المنتجات المختلفة، تقديرا لعظمة الشهر الكريم وقدسيته، الا ان الذى يتم كل حاجة تغلي وجشع التجار ينهش في المواطن.

وعلى الرغم من المجهود الكبير الذى تقوم به الدولة بتوفير منافذ لبيع السلع باسعار مخفضة، إلا إنها ما زالت غير كافية، ولكن مع توفير هذه المنافذ، لا بد من تفعيل المنظومة الإلكترونية بين الجهات الرقابية لمحاصرة المتلاعبين بالأسعار ومواجهتهم بحسم، لمنع الممارسات الاحتكارية ومحاولة تعطيش الأسواق، ورفع أسعار السلع والخدمات دون مبرر، لذلك يجب أن تتحرك الأجهزة الرقابية بكل قوة وتواجه عمليات الاحتكار المنظمة التي يمارسها تجار الجملة، لينال هؤلاء عقوبات رادعة، فمن يعبث في الأسواق يستحق عقوبة رادعة.

وكانت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعى لمواجهة سعار الاسعار الذى أصاب التجار لا تقل شراسة عن الأسواق، فكان هناك هاشتاج على تويتر تحت عنوان «حاربوا الغلاء بالاستغناء» الذى لاقى قبولا من اللجان الإلكترونية، ومرتادى مواقع التواصل الاجتماعى لمواجهة جشع بعض التجار.. وكان من أطرف التعليقات على غلاء الأسعار على موقع فيس بوك يقول: «‏التجار فاهمه غلط.. شهر شعبان ترفع فيه الأعمال.. مش ترفع فيه الأسعار».

وعلى الرغم من صعوبة ما يعانيه المواطن، إلا أن هناك دور كبير في قضية الأسعار يقع على عاتق الموطن، بنشر ثقافة الوعى كملاذ أول لمواجهة الاحتكار وتقلبات الأسواق، لذلك السلعة التي ترتفع أسعارها يجب أن يمتنع المواطن عن شرائها، ويبحث عن البديل الأوفر والأرخص، والسلع التي تندر وتتناقص عليه التخلي عنها والإحجام عن شرائها، في هذه الحالة سوف يضطر المحتكر لطرح كل ما لديه من بضائع، والبيع فوراً حتى لو كان بسعر التكلفة، مع التحرك الإيجابي حال اكتشاف أي ممارسات احتكارية بالإبلاغ عنها، والتواصل مع الجهات المعنية، للقضاء على تلك الظاهرة، ونتجاوز أسبابها وتأثيراتها السلبية على المجتمع.

ودور الحكومة رغم قوته ضد جشع التجار، بعد تكليف الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء بضرورة متابعة الأسواق أولًا بأول، لمنع التلاعب بالأسعار أو استغلال هذه الظروف التى يمر بها العالم من الحرب الروسية الأوكرانية، بصورة سيئة لتحقيق أغراض ومصالح شخصية، والتعامل بحسم مع أي ممارسات غير مقبولة من بعض التجار الجشعين، وتوفير مختلف أنواع السلع الأساسية وتأمين احتياطي استراتيجي منها، محذًرا من أن الحكومة لن تسمح بأية ممارسات من هذا النوع، وموجهًا بالتنسيق مع الغرف التجارية المختلفة في هذا الشأن، ألا أن هذا الإجراءات لم تصمد أمام طوفان الجشع لدى التجار، الذين استغلوا فترات الأزمات والحروب في احتكار السلع، خاصة الضروري منها كالخبز واللحوم وبيعها بسعر مرتفع، الأمر الذي فطن إليه المشرع المصري بوضع عقوبات رادعة للتلاعب في الأسعار.

فالمواطن فى الشارع يطالب بتطبيق العقوبات التى نص عليها القانون لمواجهة مثل هذه الظاهرة، حيث حظرت المادة 6 من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية، الاتفاق أو التعاقد بين أشخاص متنافسين فى سوق معين، وحددت عدة حالات إذا ارتكبها التاجر يعاقب بغرامة مالية، ويعاقب القانون كل من يخالف المادة 6 من قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بغرامة لا تقل عن 2% ولا تتجاوز 12% من إجمالى إيرادات المنتج محل المخالفة، خلال فترة المخالفة وفى حالة تعذر حساب إجمالى الإيرادات تكون العقوبة غرامة لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تتجاوز 500 مليون جنيه.

كما وضع قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937 عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة حال الغش فى المعاملات التجارية ، حيث نصت المادة ( 345 ) على “الأشخاص الذين تسببوا فى علو أو انحطاط أسعار غلال أو بضائع أو بونات أو سندات مالية معدة للتداول عن القيمة المقررة لها في المعاملات التجارية بنشرهم عمداً بين الناس أخباراً أو إعلانات مزورة أو مفتراة أو بإعطائهم للبائع ثمناً أزيد مما طلبه أو بتواطئهم مع مشاهير التجار الحائزين لصنف واحد من بضاعة أو غلال على عدم بيعه أصلاً أو على منع بيعه بثمن أقل من الثمن المتفق عليه فيما بينهم أو بأي طريقة احتيالية أخرى يعاقبون بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تتجاوز خمسمائة جنيه مصري أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط”.

وضاعفت المادة ( 346 ) من العقوبة ونصت على «يضاعف الحد الأقصى المقرر لعقوبة الحبس المنصوص عنها في المادة السابقة إذا حصلت تلك الحيلة فيما يتعلق بسعر اللحوم أو الخبز أو حطب الوقود والفحم أو نحو ذلك من الحاجات الضرورية»، بالفعل لو تم تطبيق القانون لأختفت ظاهرة سعار الأسعار ويخشى التجار من عقوبات المتاجرة بأقوات الناس.