د.كرمه سامي : تطالب بتدريس روايته بلمدارس

مئويه الساخر العظيم محمد عفيفي

مئويه الساخر العظيم محمد عفيفي
مئويه الساخر العظيم محمد عفيفي

كتبت : عائشة المراغى

«عزيزى القارئ: يؤسفنى أن أخطرك بشىء قد يحزنك بعض الشىء، وذلك بأننى قد توفيتُ، وأنا طبعًا لا أكتب هذه الكلمة بعد الوفاة (دى صعبة شوية) وإنما أكتبها قبل ذلك، وأوصيتُ بأن تُنشر بعد وفاتى، وذلك لاعتقادى بأن الموت شىء خاص لا يستدعى إزعاج الآخرين بإرسال التلغرافات والتزاحم حول مسجد عمر مكرم حيث تقام عادة ليالى العزاء. وإذا أحزنتك هذه الكلمات، فلا مانع من أن تحزن بعض الشىء، ولكن أرجو ألا تحزن كثيرًا».


بهذه الكلمات نعى الكاتب الساخر محمد عفيفى نفسه يوم 5 ديسمبر 1981، ليظل خبر وفاته استثنائيًا كما كان هو فى حياته، إذ برع فى المزج بين الجد والهزل، ولم يفشل يومًا فى رسم الابتسامة على وجوه قرائه رغم ما تنطوى عليه كتاباته من هموم، فكان خير ممثلًا للقول المأثور «شر البليّة ما يُضحِك».


انطلاقًا من قيمة عفيفى واستثنائيته؛ ضمّه المركز القومى للترجمة إلى قائمة المبدعين المصريين الذين ستُترجَم نماذج من كتاباتهم إلى اللغات العالمية فى إطار مشروع الترجمة العكسية، وحسبما أوضحت د. كرمة سامى، مدير المركز؛ تم اختيار نص قصير من كتابه «سكة سفر» وترجمته إلى الأسبانية والإيطالية والفرنسية والألمانية والإنجليزية.

وأضافت د. كرمة: «النص على صغره وخفة ظله؛ يحمل الكثير من الهموم والقضايا التى انشغل بها عفيفى، وهو يمثل واحدة من لوحات متعددة تدل على تمكنه من فن المنمنمات. يكفى شهادة محمود السعدنى له فى مقدمة كتاب «سكة سفر» أنه أعظم كاتب ساخر فى تاريخ مصر الحديث. وبصفة شخصية أكّن لمحمد عفيفى مكانة كبيرة فى قلبى منذ زمن طويل، وتدريجيًا اكتشفتُ أنه خلف هذه السخرية توجد الرؤية الفلسفية والموهبة الأدبية العميقة التى تجعله فى الصف الأول بين كبار كتابنا. ورغم أنه لم تتبناه أى مؤسسة إعلامية كبرى لتبقى ذكراه بيننا الآن، إلا أن العديد من القراء لديهم حرص على إعادة اكتشاف كتاباته. لكن الإنصاف الحقيقى هو أن تقرر وزارة التربية والتعليم روايته «ترانيم تحت ظل تمارا» على طلاب المدارس».


جاء ذلك فى احتفال المركز، الأسبوع الماضى، بمئوية ميلاد محمد عفيفى، تحدثت فيه د. ريم البرديسى، مدرس الأدب الإنجليزى بكلية البنات جامعة عين شمس، مستعرضة دراسة أجرتها حول حياته ومنجزه، وشاركها الحديث الشاعر ياسر قطامش.


قدّمت ريم البرديسى فى بداية كلمتها تعريفًا بالأدب الساخر، موضّحة أنه كلما زادت صعوبات الحياة وكثرت المشكلات التى يواجهها الناس فى المجتمع كلما ظهرت الحاجة إلى السخرية والدعابة والضحك كنوع من التمرد على الواقع والنمطية فى المجتمع ورفض الاستسلام، أى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعصور التى يعانى فيها الإنسان من أزمات حقيقية.

ثم لخّصت خصائصه فى أنه يجعلنا نضحك على مصائبنا، ولابد أن يحمل رسالة حقيقية، أى تكون السخرية واعية وتحمل فى طياتها المعنى والعمق وتطرح قضايا وهموم تؤرق كاتبها، مستشهدة بوصف غسان كنفانى «الفارق بين النُكتجى والكاتب الساخر كالفرق بين الحنطور والطائرة، وإذا لم يكن للكاتب الساخر نظرية فكرية يصبح مهرجًا».


وأضافت إلى خصائصه أنه ليس أدبًا صداميًا، ويقوم على المفارقة؛ إذ تشير الحقائق إلى أن معظم كتاب الأدب الساخر فى العالم عاشوا حياة مليئة بالألم والمعاناة، والأدب العالمى ملىء بالكثير من النماذج التى تستلزم الوقوف عندها مثل أنطوان تشيكوف وقصته «موت موظف» عن خوف موظفى الدولة الصغار من سطوة المسئولين، و«المغفلة» التى يسخر فيها ممن يرضون بالخضوع والاستسلام والإذلال، وهما يشبهان ما عبّر عنه وحيد حامد فى فيلميه «سوق المتعة» و«الإرهاب والكباب». وهناك أيضًا من كتاب الأدب الساخر؛ الأيرلندى جورج برنارد شو، والأمريكى مارك توين، والعظيم فولتير، والمسرحى الشهير موليير.


وعلى مستوى العالم العربى كان لدينا الجاحظ وكتابه «البخلاء»، ومقامات أبى البديع الهمزانى، وكتابات أبو العتاهية، كما اختلقت العقلية العربية شخصية «جحا» من التراث العربى. واليوم لدينا من البارعين فى هذا النوع بالعالم العربى؛ الشاعر السورى محمد الماغوط، والصحفى والبرلمانى فخرى قعوار، والأردنيان محمد طملية، ولطفى ملحس الذى كان يرى دائمًا أن السخرية سلاح يهز عرش الظالمين، والأديب الفلسطينى الكبير غسان كنفانى، والشاعر العراقى أحمد مطر.

أما مصر فقد كان لها نصيب الأسد، لما تتمتع به من حس المرح وخفة الظل؛ فنجد فى الجيل الأول أحمد رجب وأحمد بهجت وأحمد فؤاد نجم ومحمود السعدنى ويوسف عفيفى وسامى فريد وعاصم حنفى ومحمد عفيفى، الجيل الثانى بلال فضل وجلال عامر وعمر طاهر وجيهان الغرباوى، والجيل الثالث من شباب الكتاب الحاليين غادة عبد العال ومينا نابلسى وسيد عادل وتامر أحمد وغيرهم.


ترى د. ريم أن التكنولوجيا ساهمت كثيرًا فى انتشار هذا النوع من الأدب، خاصة كتابة المنشورات النقدية على مواقع التواصل الاجتماعى وظهور المدونات، والمثل الحى على ذلك كانت غادة عبد العال التى تحوّل مسلسلها «عايزة أتجوز» من سلسلة مقالات على المدونة إلى عمل درامى.


وعن محمد عفيفى، قالت: «أعتبره رائد الأدب الساخر فى مصر، ولم ينل حقه كما يجب من الشهرة والتقدير، بما يتناسب مع حجم موهبته الكبيرة، فقد كان بارعًا فى تصوير المعاناة والمشكلات ويجعلك تتوحد معها كأنك تراها على التليفزيون. وهو يعتبر الأب الروحى لجيل كامل من الكتاب ظهر فى مصر خلال السنوات الأخيرة، من بينهم د. أحمد خالد توفيق الذى كان يدين بالوفاء له دائمًا فى كل مناسبة، لأنه من جعله يفهم معنى الأدب الساخر». 


حصل عفيفى على ليسانس الحقوق ثم دبلومة الصحافة، وعمل فى عدة مجلات وجرائد، وهو صاحب أول عمود ساخر فى جريدة يومية بعنوان «للكبار فقط». كان يشتغل بالترجمة وأول من قام بتعريب مجلة ميكى، التى كان لها فضلًا كبيرًا فى تشكيل وعى أجيال عديدة من الأطفال، كما كان يحب السفر والترحال، وهو ما جعله مطلع على ثقافات مختلفة وكثير التأمل وله فلسفته الخاصة بالأشياء.


وفى النهاية رشّحت د. ريم روايته «التفاحة والجمجة» لأنها عبقرية وتحمل كثير من الإسقاطات والرمزية، واستعرضت بعضًا من مقولاته الشهيرة، ومنها: «لا تلُم زوجتك على رداءة ذوقها، أليست هى التى اختارتك ذات يوم»، «آه يا عزيزتى، لن تعرفى أبدًا كم يطربنى صوتك وأنت صامتة»، «يؤكد صديق لى أنه لم يعرف طعم الحياة إلا بعد الأربعين (أربعين زوجته)».


أما ياسر قطامش، فأشار إلى أن ما جذبه لعفيفى هو مزجه بين الفصحى السلسة والعامية الراقية، وهو الأسلوب الذى اتبعه فى تعريبه لمجلة «ميكى ماوس»، إذ أضفى عليها من روحه المرحة وخفة ظله، وابتكر أسماء الأطفال مثل بطوط ودهب وبندق وزيزى والجدة بطة.

وأضاف: «كان حرفوشًا من حرافيش شلة نجيب محفوظ، وقال عنه محفوظ: كانت السخرية محور حياة محمد عفيفى، ينبض بها قلبه، ويفكر بها عقله، وتتحرك فيها إرادته.. فهى ليست بالثوب الذى يرتديه عندما يمسك القلم، وينزعه إذا خاض الحياة.. ولكنها جلده ولحمه ودمه وأسلوبه عند الجد والهزل، ولدى السرور والحنان».


وقدّم قطامش تحليلًا مرحًا لعفيفى، قائلًا: «طبقًا لعلم الفلك هو مواليد برج الحوت المائى، الذى يتسم المنتمون إليه بالخيال الواسع والهروب من الواقع والقدرة على الإبداع. والرجل فى هذا البرج يكون هادئًا ورومانسيًا ويساعد الآخرين، ويتمتع بروح المرح والكرم، وذلك معروف عن أبناء محافظة الشرقية التى ينتمى إليها عفيفى كذلك».


ومن أقوال عفيفى التى اختارها قطامش لينهى بها حديثه: «يسألونك عن الفلاح قل هو الذى يشقى لترتاح»، «حيوانات حديقة الحيوان تتسلى أكثر من الناس فالناس يتفرجون مرة كل شهر أو كل سنة أما الحيوانات فيتفرجون على الناس كل يوم»، «لا تحزن إن فاتك قطر الزواج، فأن يفوتك خيرًا من أن يدهسك»، «فى أحيان كثيرة تكون أكبر خدمة يقدمها الفنان للفن هو أن يعتزل الفن».

اقرأ ايضا | المركز القومي للترجمة يحتفل بمئوية محمد عفيفي