بعد التلويح بعقوبات مؤلمة على روسيا l مين يقدر على «الدب»؟

البنوك الروسية مهددة بالخروج من نظام سويفت العالمى
البنوك الروسية مهددة بالخروج من نظام سويفت العالمى

كتب: محمد ياسين
فرضت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وبعض حلفائهما عقوبات على روسيا، بعد اعترافها باستقلال لوهانسك ودونيتسك وهما منطقتان يسيطر عليهما المتمردون الانفصاليون فى أوكرانيا، وحتى بعد تنفيذ الرئيس الروسى تهديده واجتياح أوكرانيا عسكريا ومع اقتراب وصوله إلى العاصمة كييف، يبدو أن ما قام به الرئيس الروسى فلاديمير بوتين لم يؤد إلى إطلاق مجمل العقوبات التى أعدتها الدول الغربية لفرضها على روسيا.

فى المجمل فإن العقوبات تفرض لإلحاق الضرر باقتصاد الدولة، أو بالنشاطات المالية لشخصيات فيها مثل كبار السياسيين، ويمكن أن تشمل أيضا حظر السفر وحظر تصدير الأسلحة إليها، ويتمثل أحد الإجراءات فى استبعاد روسيا من نظام التبادل المالى المعروف بـ"سويفت" الذى تديره جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك، وهو النظام الذى تستخدمه آلاف المؤسسات المالية فى جميع أنحاء العالم، وهذا من شأنه أن يجعل من الصعب جدا على البنوك الروسية القيام بأعمال تجارية فى الخارج، غير أن ذلك ستكون له أيضا تكلفة اقتصادية على دول مثل الولايات المتحدة وألمانيا، اللتين تتمتع بنوكهما بصلات وثيقة مع روسيا.


يُمكن للولايات المتحدة أن تمنع روسيا من المعاملات المالية التى تستخدم دولارات أمريكية، وبذلك ستواجه أى شركة غربية سمحت لمؤسسة روسية بالتعامل بالدولار فرض عقوبات عليها، وقد يكون لذلك تأثير كبير على الاقتصاد الروسى حيث إن معظم مبيعات النفط والغاز تتم بالدولار، ويمكن أن يشل هذا الإجراء التجارة الخارجية لروسيا فى القطاعات الأخرى وعلى الرغم من أن ذلك يعنى أن صادرات النفط والغاز الروسية ستنخفض، مما سيؤثر ذلك على الدول الأوروبية التى تعتمد على الغاز الروسي.


وعـــن العقــوبات المتوقعــة على الدب الروسى، ومدى تأثيرها عــــلى مســــار الحــــرب الروســـية واجتياحها للأراضى الأوكرانية، يقول اللواء سمير فرج، الخبير الاستيراتيجى لـ"آخر ساعة" إن فرض العقوبات لن يطول روسيا وحدها، وإنما سيتأثر به العالم والدول الأوروبية على وجه الخصوص التى تستورد الغاز منها، وتعد العقوبة الأكثر أهمية هى إخراج روسيا من نظام السويفت العالمى وهو نظام  تأسس فى عام 1973، وهو نظام يوفر للمصارف وسائل للتواصل السريع، والآمن، والمنخفض الكلفة وتستخدم المصارف "سويفت" من أجل إرسال رسائل بشأن تحويل الأموال فيما بينها، وتحويل مبالغ لصالح العملاء، وأوامر بيع الأصول وشرائها ويستخدمه أكثر من 11 ألف مؤسسة مالية فى 200 دولة، ما يجعله بمثابة العمود الفقرى لنظام التحويلات المالية فى العالم، وبحسب الجمعية الوطنية "روس سويفت".

 

 تعد روسيا ثانى أكبر بلد ضمن "سويفت" من حيث عدد المستخدمين بعد الولايات المتحدة، مع نحو 300 مؤسسة مالية ويصل حجم التعاملات المالية المرتبطة بروسيا عبر "سويفت" إلى مئات مليارات الدولارات سنويا، ومع فرض عقوبات "سويفت" المالية على روسيا اعترضت ألمانيا وإيطاليا على هذه العقوبة لأنها بذلك لن تستطيع سداد ثمن استيراد الغاز الروسى إلى البنوك الروسية، بينما فرضت أمريكا العديد من العقوبات على شخص الرئيس الروسى ووزرائه، وأعضاء الدوما، ومجلس الدفاع الروسى، من حيث تجميد أصول أملاكهم وأموالهم فى البنوك الأمريكية، وهو ما نفاه الرئيس الروسى بامتلاكه أموالاً فى بنوك خارج روسيا.


أضاف فرج، أن العقوبات الأخرى التى من شأنها منع روسيا من الحصول على قروض من البنك الدولى ستؤثر على الدول الأوروبية أكثر من تأثيرها على روسيا نفسها، لافتًا إلى أن إنجلترا فرضت عقوبات على روسيا، من خلال منع الطيران المدنى الروسى من النزول فى الأراضى الإنجليزية، لكن بنفس الطريقة ردت روسيا على ذلك القرار بمنع نزول الطائرات الإنجليزية على أراضيها، مُضيفًا أنه حتى لو استغنت دول أوروبا عن الغاز الروسى والبحث عن بديل له فإن روسيا لديها بديل لتصدير الغاز بدلا من الدول الأوروبية وهو التنين الصينى الذى ينتظر استيراد الغاز الروسى تضامنًا معها.


وقال، نظام فرض العقوبات الدولية لن يؤثر بالسلب على الدول المفروضة عليها العقوبات ولنا فى إيران مثال مع فرض العديد والعديد من العقوبات عليها لم ترتجع طهران عن تنفيذ برنامجها النووى، وروسيا حتى الآن يخشاها العالم، ولم يعتقد أو يتخيل أى نظام عالمى أن بوتين سينفذ تهديده ويدخل الأراضى الأوكرانية، فروسيا دوله كبيرة وقوية ولا يمكنها أن تتخذ قرار الحرب، إلا إذا كانت قد رتبت أمورها الاقتصادية جيدًا، إضافة إلى أن دول العالم العظمى تخشى الاصطدام بها، كما أنها هددت تركيا بعدم غلق مضيق البسفور والدندريل أمام سفنها الحربية بعد طلب أوكرانيا من تركيا إغلاقه أمام السفن الحربية الروسية.


من جانبه، تساءل اللواء ناجى شهود "هل يملك العالم القدرة على فرض عقوبات ضد الدب الروسى؟"، ويجيب: "فى يقينى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين رتب وجهز حساباته جيدا قبل دخول الحرب وأن الناتو لن يستطيع الاصطدام به بشكل أو بآخر، بالإضافة إلى أن العقوبات التى سيفرضها المجتمع الدولى على روسيا ستضر روسيا والدول الأخرى التى ستتأثر أكثر من تأثر روسيا بهذه العقوبات".


أضاف، دول العالم لا تهتم إلا برفاهيتها وحال شعوبها فلا يجرؤ أحد على مواجهة العملاق الروسى، بوتين لديه تقديراته للعقوبات التى قد تفرض عليه وما يحدث فى أوكرانيا الآن ما هو إلا توزيع لأدوار للدول العظمى مثلما حدث من قبل فى سوريا والعراق واليمن وجورجيا وجزيرة القرم، من خلال عدم تأمين أنفسهم ومحاولات التقسيم التى يسعى إليها الغرب، مشيرًا وإلى أن قوة روسيا الاقتصادية والعسكرية لن تتأثر بهذه العقوبات بالإضافة إلى أن العالم لا يملك تنفيذ عقوبات عسكرية عليها لردعها، وعن تهديد بوتين لدول أخرى مثل السويد وفنلندا، قال اللواء شهود، إن بوتين لا يستطيع فى هذه المرحلة تشعيب الأمور والدخول فى صراعات مع دول أخرى وزيادة أعدائه.


اللواء نصر سالم، الخبير العسكرى، يرى أن العالم يستطيع أن يطبق عقوبات اقتصادية على روسيا، ولكنه يعلم جيدا أن هذه العقوبات لن تجدى نفعا معها، لقوة اقتصادها وقوتها العسكرية، فالعالم نفذ العديد من العقوبات الاقتصادية على روسيا من قبل، بعد أزمة جورجيا وجزيرة القرم ولكن روسيا لم تتأثر بكل هذه العقوبات، مُضيفًا أن روسيا ناجحة فى حربها ضد أوكرانيا حتى الآن لقوتها العسكرية والنووية والتى يخشاها كل دول العالم، وروسيا تعمل بأريحية كاملة فى الأراضى الأوكرانية لأن العقوبات الاقتصادية لن تؤثر فيها بل بالعكس فبعد انتهاء الحرب ستمتد المشاكل للاتحاد الأوروبى وحلف الناتو فكل دول أوروبا وأعضاء الحلف ينظرون لمصلحتهم والحفاظ على سلامة أراضيهم ومواطنيهم، ولا يريد أحد أن يواجه الدب الروسى عسكريًا بعد نجاح روسيا فى غزو أوكرانيا فعليًا فيما أطلق عليه نجاح عملية "رأس الذئب الطائر"، والتى كانت رسالة إلى العالم بعدم التدخل أو الاحتكاك بروسيا مهما نفذت من عمليات عدائية.


اللـــــواء محـمــــــود خلــــــف، الخــــــــــبير الاســــتراتيجــــى، أكــــد أن العــــالم إن أراد تطبيق حزمة من العقوبات الاقتصادية والعسكرية على روسيا سيفعل، ولكنه لن يستطيع لقوتها الاقتصادية والعسكرية حتى أن البنوك الروسية لن تتأثر بإدراجها فى قائمة البنوك السوداء التى يحظر التعامل معها لأن ذلك سيؤثر على الدول الأخرى التى تستورد منها الغاز والقمح حتى العقوبات لن تكون عسكرية لأن لديها اعتماداً ذاتياً من حيث إنتاج الأسلحة ومنظومتها العسكرية قوية للغاية.