..لا أريد من أحد أن يعتبر كلماتي هذه دعوة للإحباط والتشاؤم وتصدير الطاقة السلبية بقدر ماهي دعوة للتأمل وإعادة الحسابات .. وعلى رأي المثل «اللي يحسب الحسابات في الهنا يبات».
سؤالي هنا .. وماذا بعد؟
بمعنى آخر .. وماذا بعد الجري والصراع وجمع الفلوس واعتلاء المناصب؟
وماذا بعد الغيرة والحسد والغل والنفسنة؟
ستترك كل هذا وترحل ولن يرافقك أحد في رحلتك الاخيرة سوى العمل الصالح والكلمة الطيبة والذكرى العطرة.
شاهدت عشرات النماذج من حولي لأشخاص كانوا ملء السمع والبصر وفجأة ابتلعتهم دوامة النسيان وأصبحوا مجرد أسماء يرددها البعض من حين لآخر، وصاروا مجرد مواقف عابرة يتذكرها البعض على فترات متباعدة حتى تتلاشى ذكراهم تدريجيًا وكأنهم لم يعيشوا على الأرض مطلقًا.
هناك من يتصارع مع كل من حوله للفوز بمنصب زائل لن يدوم، وفي سبيل الحصول عليه يدوس بقدميه على كل قيمة اخلاقية وانسانية .. يظلم ويغتاب ويسير بالنميمة .. ينافق ويهادن ويتلون على كل لون .. يتخلى عن مبادئه وعن ملابسه أيضا إذا لزم الامر.
المهم في النهاية أن يجلس على الكرسي ليأمر وينهى ويغترف من المال الحرام بقدر ما يستطيع.
وفي النهاية مهما طال الأمد يغادر منصبه وبعدها يغادر الدنيا كلها حاملا على كتفيه أوزارًا تنوء بحملها الجبال ومشيعًا بلعنات كل من ظلمهم واغتابهم ودهسهم في طريقه.
هنا فقط يتذكر وأنى له الذكرى أنه أهدر حياته هدر ولم يدرك الحكمة الالهية من وجوده.
الحكمة والهدف الذي لخصه المولى عز وجل في كتابه العزيز « وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ».
وهذا معناه اننا خلقنا في هذه الدنيا للعبادة أولا ثم السعي على شئون دنيانا حتى نعمر الارض وتستقيم أمورنا ونتكسب أرزاقنا التي تعيننا على متطلبات الحياة.
التكالب على المناصب وجمع المال سيفقدك الاستمتاع بالحياة وستفاجأ أنك عشت وكأنك لم تعش أبدا .. مررت بها كلمح البصر دون أن تعيش أجمل تفاصيلها.
ستكون أشبه بمن يقود سيارته بأقصى سرعة وعينه منصبة على الاسفلت الذي أمامه دون أن يمنح نفسه فرصة للاستمتاع بالمناظر الخلابة على جانبي الطريق، وعندما يصل إلى نهاية الرحلة سيدرك انه فاته الاستمتاع بكل هذه التفاصيل.
التوازن مطلوب في كل شئون حياتنا .. يجب أن يكون هناك وقت للعبادة ووقت للعمل ، ووقت للأسرة والابناء ، ووقت للاستمتاع والاسترخاء والتخلص من كل الضغوط والمتاعب.
لاتهدر لحظة من حياتك دون أن تفعل ما تحب ، ولاتؤجل أحلامك فقد لا تجد الفرصة لتحقيقها.
لو فعلت هذا لن يزعجك أبدا سؤال .. وماذا بعد .. لانك وقتها ستمتلك الاجابة النموذجية عليه.
ستجيب قائلا .. عشت حياتي واستمتعت بها .. لم أغضب ربي ولم أقصر في فروضي .. لم أظلم أحدًا ولم أتكسب إلا من حلال .. ربيت أولادي على القيم والاخلاق النبيلة وتركتهم من بعدي غرسًا نافعًا.
هنا فقط سيرتاح قلبك وتسكن روحك المضطربة لانك أدركت المعنى الحقيقي لوجودنا في الحياة .. وكله رايح.