كله رايح

أحمد الإمام
أحمد الإمام

‭..‬لا‭ ‬أريد‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬كلماتي‭ ‬هذه‭ ‬دعوة‭ ‬للإحباط‭ ‬والتشاؤم‭ ‬وتصدير‭ ‬الطاقة‭ ‬السلبية‭ ‬بقدر‭ ‬ماهي‭ ‬دعوة‭ ‬للتأمل‭ ‬وإعادة‭ ‬الحسابات‭ .. ‬وعلى‭ ‬رأي‭ ‬المثل‭ ‬‮«‬اللي‭ ‬يحسب‭ ‬الحسابات‭ ‬في‭ ‬الهنا‭ ‬يبات‮»‬‭.‬

سؤالي‭ ‬هنا‭ .. ‬وماذا‭ ‬بعد؟

بمعنى‭ ‬آخر‭ .. ‬وماذا‭ ‬بعد‭ ‬الجري‭ ‬والصراع‭ ‬وجمع‭ ‬الفلوس‭ ‬واعتلاء‭ ‬المناصب؟

وماذا‭ ‬بعد‭ ‬الغيرة‭ ‬والحسد‭ ‬والغل‭ ‬والنفسنة؟

ستترك‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬وترحل‭ ‬ولن‭ ‬يرافقك‭ ‬أحد‭ ‬في‭ ‬رحلتك‭ ‬الاخيرة‭ ‬سوى‭ ‬العمل‭ ‬الصالح‭ ‬والكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬والذكرى‭ ‬العطرة‭.‬

شاهدت‭ ‬عشرات‭ ‬النماذج‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬لأشخاص‭ ‬كانوا‭ ‬ملء‭ ‬السمع‭ ‬والبصر‭ ‬وفجأة‭ ‬ابتلعتهم‭ ‬دوامة‭ ‬النسيان‭ ‬وأصبحوا‭ ‬مجرد‭ ‬أسماء‭ ‬يرددها‭ ‬البعض‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬لآخر،‭ ‬وصاروا‭ ‬مجرد‭ ‬مواقف‭ ‬عابرة‭ ‬يتذكرها‭ ‬البعض‭ ‬على‭ ‬فترات‭ ‬متباعدة‭ ‬حتى‭ ‬تتلاشى‭ ‬ذكراهم‭ ‬تدريجيًا‭ ‬وكأنهم‭ ‬لم‭ ‬يعيشوا‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬مطلقًا‭.  ‬

هناك‭ ‬من‭ ‬يتصارع‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬حوله‭ ‬للفوز‭ ‬بمنصب‭ ‬زائل‭ ‬لن‭ ‬يدوم،‭ ‬وفي‭ ‬سبيل‭ ‬الحصول‭ ‬عليه‭ ‬يدوس‭ ‬بقدميه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬قيمة‭ ‬اخلاقية‭ ‬وانسانية‭ .. ‬يظلم‭ ‬ويغتاب‭ ‬ويسير‭ ‬بالنميمة‭ .. ‬ينافق‭ ‬ويهادن‭ ‬ويتلون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬لون‭ .. ‬يتخلى‭ ‬عن‭ ‬مبادئه‭ ‬وعن‭ ‬ملابسه‭ ‬أيضا‭ ‬إذا‭ ‬لزم‭ ‬الامر‭.‬

المهم‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬يجلس‭ ‬على‭ ‬الكرسي‭ ‬ليأمر‭ ‬وينهى‭ ‬ويغترف‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬الحرام‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭.‬

وفي‭ ‬النهاية‭ ‬مهما‭ ‬طال‭ ‬الأمد‭ ‬يغادر‭ ‬منصبه‭ ‬وبعدها‭ ‬يغادر‭ ‬الدنيا‭ ‬كلها‭ ‬حاملا‭ ‬على‭ ‬كتفيه‭ ‬أوزارًا‭ ‬تنوء‭ ‬بحملها‭ ‬الجبال‭ ‬ومشيعًا‭ ‬بلعنات‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬ظلمهم‭ ‬واغتابهم‭ ‬ودهسهم‭ ‬في‭ ‬طريقه‭.‬

هنا‭ ‬فقط‭ ‬يتذكر‭ ‬وأنى‭ ‬له‭ ‬الذكرى‭ ‬أنه‭ ‬أهدر‭ ‬حياته‭ ‬هدر‭ ‬ولم‭ ‬يدرك‭ ‬الحكمة‭ ‬الالهية‭ ‬من‭ ‬وجوده‭.‬

الحكمة‭ ‬والهدف‭ ‬الذي‭ ‬لخصه‭ ‬المولى‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬العزيز‭ ‬‮«‬‭ ‬وَمَا‭ ‬خَلَقْتُ‭ ‬الْجِنَّ‭ ‬وَالْإِنْسَ‭ ‬إِلَّا‭ ‬لِيَعْبُدُونِ‮»‬‭.‬

وهذا‭ ‬معناه‭ ‬اننا‭ ‬خلقنا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭ ‬للعبادة‭ ‬أولا‭ ‬ثم‭ ‬السعي‭ ‬على‭ ‬شئون‭ ‬دنيانا‭ ‬حتى‭ ‬نعمر‭ ‬الارض‭ ‬وتستقيم‭ ‬أمورنا‭ ‬ونتكسب‭ ‬أرزاقنا‭ ‬التي‭ ‬تعيننا‭ ‬على‭ ‬متطلبات‭ ‬الحياة‭.‬

التكالب‭ ‬على‭ ‬المناصب‭ ‬وجمع‭ ‬المال‭ ‬سيفقدك‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بالحياة‭ ‬وستفاجأ‭ ‬أنك‭ ‬عشت‭ ‬وكأنك‭ ‬لم‭ ‬تعش‭ ‬أبدا‭ .. ‬مررت‭ ‬بها‭ ‬كلمح‭ ‬البصر‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعيش‭ ‬أجمل‭ ‬تفاصيلها‭.‬

ستكون‭ ‬أشبه‭ ‬بمن‭ ‬يقود‭ ‬سيارته‭ ‬بأقصى‭ ‬سرعة‭ ‬وعينه‭ ‬منصبة‭ ‬على‭ ‬الاسفلت‭ ‬الذي‭ ‬أمامه‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يمنح‭ ‬نفسه‭ ‬فرصة‭ ‬للاستمتاع‭ ‬بالمناظر‭ ‬الخلابة‭ ‬على‭ ‬جانبي‭ ‬الطريق،‭ ‬وعندما‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬نهاية‭ ‬الرحلة‭ ‬سيدرك‭ ‬انه‭ ‬فاته‭ ‬الاستمتاع‭ ‬بكل‭ ‬هذه‭ ‬التفاصيل‭.‬

التوازن‭ ‬مطلوب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬شئون‭ ‬حياتنا‭ .. ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬هناك‭ ‬وقت‭ ‬للعبادة‭ ‬ووقت‭ ‬للعمل‭ ‬،‭ ‬ووقت‭ ‬للأسرة‭ ‬والابناء‭ ‬،‭ ‬ووقت‭ ‬للاستمتاع‭ ‬والاسترخاء‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬الضغوط‭ ‬والمتاعب‭.‬

لاتهدر‭ ‬لحظة‭ ‬من‭ ‬حياتك‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفعل‭ ‬ما‭ ‬تحب‭ ‬،‭ ‬ولاتؤجل‭ ‬أحلامك‭ ‬فقد‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬الفرصة‭ ‬لتحقيقها‭.‬

لو‭ ‬فعلت‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يزعجك‭ ‬أبدا‭ ‬سؤال‭ .. ‬وماذا‭ ‬بعد‭ .. ‬لانك‭ ‬وقتها‭ ‬ستمتلك‭ ‬الاجابة‭ ‬النموذجية‭ ‬عليه‭.‬

‭ ‬ستجيب‭ ‬قائلا‭ .. ‬عشت‭ ‬حياتي‭ ‬واستمتعت‭ ‬بها‭ .. ‬لم‭ ‬أغضب‭ ‬ربي‭ ‬ولم‭ ‬أقصر‭ ‬في‭ ‬فروضي‭ .. ‬لم‭ ‬أظلم‭ ‬أحدًا‭ ‬ولم‭ ‬أتكسب‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬حلال‭ .. ‬ربيت‭ ‬أولادي‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬والاخلاق‭ ‬النبيلة‭ ‬وتركتهم‭ ‬من‭ ‬بعدي‭ ‬غرسًا‭ ‬نافعًا‭.‬

هنا‭ ‬فقط‭ ‬سيرتاح‭ ‬قلبك‭ ‬وتسكن‭ ‬روحك‭ ‬المضطربة‭ ‬لانك‭ ‬أدركت‭ ‬المعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬لوجودنا‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ .. ‬وكله‭ ‬رايح‭.‬